سوف أستعيدك الليلة
كي تجلسي بجانبي على الأريكة التي تقادمت
وتخبريني لماذا زرعنا ورودا كثيرة في الليل
ثم استيقظنا على حقل شوك

هل كنا على خطإ حين أغمضنا عيوننا عن الذئاب
وجلسنا نطعم السناجب وصغار الحساسين؟
هل كنا واهمين حين عدونا باتجاه الشمس
وطفقنا ندس أقواس قزح في الجرار؟

كل شيء من حولنا صار يشبه غابة تحترق
والأفكار التي آمنا بها
صارت ماء قديما في إناء
خبريني إذن لماذا تفحمت أحلامنا؟
لماذا صارت الابتسامة على شفاهنا ثقيلة وغير مستساغة؟
كأن عاصفة مرت من هذا المكان
كأن أحدا ما نصب الفخاخ لأقدامنا الرطبة
تؤلمني الفخاخ مثلما يؤلمني غيابك
أعرف انك ذهبت بعيدا
وربما ليس بمستطاعك الآن أن تعودي
لكن دعيني أخبرك شيئا
هذه الغرفة تحتاج إلى حنانك
هذا الشعر الذي خف وشاب قليلا يحتاج إلى يدك
يدك التي لا تشبهها يد
يدك التي لن أنساها، لأنها لم تكن لك
كانت يد قديسة.

أريد أن أرفع لك العزاء
لكني لا أجيد تلك الكلمات التي عادة ما يرتجلها البشر
في ساعة مؤلمة
أعزيك إذن في الدمى التي كانت ترقص بغرفتك
أعرف أنها ماتت بسبب الإهمال
وبسبب النوافذ التي ظلت مفتوحة في البرد
أعزيك أيضا في التوافذ
وفي الستائر الوردية للنوافذ
في المكتب، وفي أدراج المكتب
في الدولاب
وفي المشجب الذي كان على مقربة من الدولاب
في الأباجور، وفي المصباح الخافت للأباجور
في السرير
وفي الطاولة الصغيرة التي كانت تحب السرير
الطاولة التي كان عليها ركام من شرائط الموسيقى
أعزيك في أغنية قديمة لفيروز لم يعد لها الآن مذاق.

بعد عشر سنوات من النسيان
لم يتغير شيء
أنت صرت زوجة في قفص
وأنا صرت كهلا بلا جدوى
لازلت كعادتي أشرب الشاي
وأكتب قصائد عن الحب
وعن رغبتي في أن يتغير طلاء الحجرة
لقد دسست أزهارا كثيرة بين الكتب والأوراق
أعرف أنها لن تنمو
لكنها على الأقل ستطرد اليأس من قصائدي.

إنني أقف كشبح وسط الرتاج
أستلذ بما حولي
وبالأشياء التي لم يتح لي من قبل أن أراها
وحين يغمرني الضجر
أستحضر روح جدي وسط الخراب
والبرد والصقيع و الجدران التي هدتها الصاعقة
وأصرخ بأعلى ضجري في الريف:
لست جدي
أنت جد الجدار، وجد الحظيرة
جد حقل يابس من القمح
جد الهضاب والتلال والأهوار
لست حفيدك
أنا حفيد أفكاري
حفيد المرامد والليل والأرق
حفيد فزاعة تخاف من ظل طائر جبان
وحين تنتهي التميمة
ويختفي طيف جدي
أعد جرارا فارغة
وأجلس أرقب المدافن
أنتظر أن يصعد الذهب من الأرض.

إنني أهذي
لكن عيي حاد مثل معول
وإذا ما بدوت لك أدنو من الجنون
فلآن يدا سوداء تدفعني من الخلف.

كأننا نخوض معركة
دون أن نبرح السرير
كأننا نقاتل ضد الأغراب
مع أن أطيافنا قد شلها الخدر
لماذا نحس بشيء لارغبة لنا فيه؟
لماذا نجد أنفسنا في ساحة لم نسر إليها يوما ما؟
لماذا ننام في غرفتنا ونستيقظ في غرف أخرى؟
نرتدي معاطف الوبر في عز الصيف
ونسير في طرقات نجهلها
وإذ نسير نتعثر بأفكارنا
ينبت العشب فوق عيوننا
وشيئا فشيئا تتحول أقدامنا إلى أخشاب

كنت أركض في الأجمات
مثل نمر يتعقب طريدة
وها أنا اليوم أرشو الاشجار كي تخفيني
لست خائفا مما مضى
لكنني خائف مما سيأتي
أخاف أن أضع يدي في جيبي فتلسعني العقارب
أخاف أن أخطو باتجاه البهو فيصعقني الكهرباء
أخاف أن أفتح لك الباب فتداهمني دبابة
غصن شجرة السنديان يتخذ شكل البندقية
و العصافير التي تطير فوقنا
تشبه القنابل التي تسقط من السماء
لذلك فشعوري اليوم
هو شعور رجل يستسلم قبل المعركة
ربما لا ترين الأغلال في قدمي
لكن شفتيّ تتمتمان بلعنة لا نهاية لها
تعالي معي إذن لنجوس التل
ونلعن كل الذين أوقعونا في هذا الشراك.

كان أولى لنا أن تشبه قليلا بالملائكة
ألا ترين أن هؤلاء البشر لم يعودوا بشرا كما كانوا
صاروا مستنقعات كبيرة من الدماء
وأنت تعرفين اني أكره الدماء
لذلك فثيراني تشيخ في حظيرتها
لنجرب ازدراد الأعشاب ربما تصيبنا الرحمة
الحيوانات أليفة كما يبدو
والإنسان هو الضاري
ويوما ما ستطول أنيابه
وستنبت في يده المخالب الجارحة.

إنني أنام على سرير في غرفة عالية
ومع ذلك أحدس أن طوابير من الافاعي
ستصعد الأدراج و تلذغ كتبي
كم سيكون مؤلما لهؤلاء الشعراء المنتحرين
أن يموتوا أيضا بلذغة أفعى
وأؤلئك الذين علقت صورهم على مداخل الغرف
سينظرون إلي بعتاب
لأني تركت عصرهم وعشت في عصر بلا مذاق
لقد أطلنا التحديق في بعضنا حتى أصبنا بعمى الألوان
ألا يجدر بنا أن ننفض المكرو الأحقاد عن ثيابنا
ونكنس الغبار الذي تكدس في الحجرات؟

سيتغير العالم يوما ما
أعرف ذلك مثلما أعرفك
فقط ينبغي لهاته الحلازين التي تدب فوق مكتبنا
أن تخرج من قواقعها وتنمو لها الأجنحة
ينبغي لهؤلاء العميان
أن يتحسسوا طريقهم في الديجور القاسي
ينبغي لهاته الحشود الخرساء
أن تصطف يوما ما أمام التماثيل و تجرب الصراخ.


* مقاطع من نص عنوانه: quot;كأننا نخوض معركة دون أن نبرح السريرquot; ضمن مجموعة شعرية تصدر قريبا عن دار النهضة في بيروت بعنوان: quot;نيران صديقةquot;.

شاعر وكاتب من المغرب

[email protected]