البكاء:
أن تنظر في مرآة العالم و قد كسرتها يد لأحزان تقلب كيمياء جوفك بموجة أحماض تعلو و تعلو في مد يجتاحك من ثغرة التهدج و الرعشات باحمرار لا جذور له سوى ما اختزنته ذاكرة أسلاف بائسين من غروب اليوم الأول لطوفان خرج من غضب الرب ليخلد في كوارث تذكارية و ليال أسطورية يسوط فيها القمر ظهور البحار كي لا تنسى انتماء قديما لا يكف عن ضخ ذاته في قنوات تمتد من أرواحنا إلى عيوننا المفتوحة على مرآة العالم و قد استسلمت هذه المرة لمفسدة الكيمياء الرحيمة ؛ فنرى العالم في نسخته السامية مصطبغا بآلامنا في تشويه سولته لنا زفرة الارتياح تلك الإبرة اللامرئية تنغرس في أكياس رمل كم أثقل كاهلك رغم علمك ndash; أيها المصقول بالأحزان ndash; عدم صلاحيته لإيقاف أي مد...
السعادة
مصارعو السومو يطاردون ريشة ؛ فتربك خلخلة الهواء قاطرة صلوات في صعودها إلى سماء تلعب بورقة التسويف على احتياطي يرتع في انحناءات مؤلمة لمؤمنين يتفادون الانتظار بتأويلات تتداعى: من سقوط الشمس و صعودها إلى سقوط المطر إلى انهيارات البورصة إذ يثملون ارتيابا لمشهد مضاربين يتألمون لانحناءات أكثر تجريدا تلوح في الخط النازل لرسوم بيانية على شاشة كلما تذكر المؤمنون مكانها في الصدارة و أضواءها و تعلق العيون بها وجلت قلوبهم فهي طيور تتجاذبها سماوات عدة مصبوغة باشتياق حين يلبيه الطائر تطبق عليه يدان ثقيلتان لا تثنيانه عن محاولاته المشفوعة جدواها بريشة يخلفها وراءه تميمة حظ يرتج لها الفشل ككلمة أخيرة.. حتى إذا دار الزمان دورته يستيقظ مصارعو السومو و المؤمنون و مضاربو البورصة على سموات تمطر ريشا أبيض فينهمكون في لهو صبياني تشف لهم أرواحهم ليروا:
الماضي قاطرة تنأى محملة بفراديس الطفولة،
و الغياب آلية وحيدة لجلوس الموتى في مقاعد الطيبين،
و الاحتياج عشبة ضارة نبتت من شواغلنا التي وضعناها في صدارة ترعى الحماقات.
و بعد أن يبلغ التعب منهم مبلغه يستلقون جميعا على الأرض التي صارت فراشا ناعما في نوم يصنع من حيواتهم استعارة لحلم حيث أبناء قبائل استوائية يتضرعون منتحبين لفقدان ريشة من طائرهم المقدس المنصرف كلية إلى حنين موجع لسماء تحول بينه و بينها قداسة تطبق عليه كيدين ثقيلتين.
ندم و أسف:
ياللمعاجم كيف لم يلتفت أحد لخطأ الربط بين كلمتي ندم و أسف برباط الترادف؟ كيف يكون ندم الذي يحب الظلال و ينأى عن الأضواء و التجمعات مرادف أسف الذي يجيد ألعاب الورق و يحفظ كتاب الأمير و يموت في الأماكن المنعزلة ليس رعبا بل لفقدانه الجدوى؟ ربما كان الاثنان أخوين لكنهما ليسا شخصا واحدا، فندم أهلته طبيعته ككائن داخلي إلى السكنى العميقة بسوداوية و خيال ساخن يدمغان مخيلتنا بختم من يأكل أنامله أو ختم غرفة تم لها إخلاء تأثيري يقصي كل ما يعيق ترددات نشيج يدفع في بحار اللبن المسكوب موجات حالمة تحمل سفنا مثقلة بالتنهدات و الحسرات و أكداس ليت الصادقة و المكروهة من قبل أسف المرغم ndash; بطبيعة عمله ndash; على تزييف الكثير منها للاستعمال الخارجي حيث يعرف كيف يتقدم بهيئة لا تخطئها عين: أنيق في بساطة، جميل في تواضع، صادق في هز الكتفين عند انطلاقه لإبراز أحاسيسنا الملساء في قاعات الطعام و المراحيض العامة أو لأداء دوره الإعجازي في تفادي صخور تعترضنا من قبل الآخرين. و رغم كثرة ما يكون المرء نادما و آسفا في آن واحد لم تسجل حالة ٌ واحدة لاعتداء أحدهما على مناطق الآخر، فأسف ndash; رغم كل مثالبه ndash; يترفع عن أن يكون تعليلا لترددنا على الحانات ملاجئ الندمان !!! كما يدرك ندم عاقبة خروجه على الملأ: ازدراء و سخرية و مهانة تسحق النفس البشرية تلك الحضانة العتيقة منذ انبثاق الاثنين إلى الوجود إثر تناول الثمرة المحرمة إذ أرضعت ندم مقارنات صامتة بين قبل و بعد، و أسف أرضعته حاجة غريزية إلى التمويه على ما يمور به الداخل مما لا يحمد ظهوره أمام إبليس شامت و ملائكة متحاملين و رب لم يكن آدم قد عرف بعد قدرته اللامتناهية على غفران سينظر به ضاحكا لما يقدمه آدم من أسف مقابل ما يكنه لتبدل حال و نعيم زائل و حواء مفقودة من ندم...
التحامل:
أعرف أنك
تؤدي الصلوات كلها،
و تبكيك في الخريف
سماء الخامسة بعد الظهر،
و كثيرا ما تمد يد العون للآخرين
برجاء واحد...
أن ينسوك ما أن تدير لهم ظهرك،
و أنك صافحت ــ بروح قديس حقيقي ــ
حبيبتك و زوجها و طفلهما الذي
لم تمنعك بلاهته البادية من الإعجاب به
لمجرد أنه جاء من رحم هذه المرأة،
و أن تلك الكذبة المدعوة حياتك
لم تكن سوى
سلسلة من التجاوزات
تدفعك إلى عبور إهانات الآخرين
بالصمت أو التجاهل أو المقاطعة
و أن ما يمنعك من الانهيار
ذلك الضوء الشحيح لشمعة بيضاء
تحتفظ بها في درج خفي من نفسك،
أعرف كل هذا
و أشياء أخرى كثيرة
لا تردعني عن منحك دور العم
في كل مرة نلعب فيها هاملت!!

- العزاء أو.... صلاة الخائب:
ضع قليلا من الأكاذيب على نار المخيلة مع التقليب عكس عقارب الساعة في دائرة نصفها للحلم و الآخر لليقظة. أصالتك الشخصية و براعتك في انتقاء الأكاذيب سيعبران بك الشبه بين القوام المتماسك و خيباتك الثقيلة إلى عمق المرارة الخالصة المانحة روحك شعورا بالسمو مثقال ما تحمله كتفاك من هزائم تلزم يديك بمعدل تقليب يضمن سلامة الوعاء الحامل هشاشة حياتك كما يضمن المذاق الملائكي لتلك اليخنة المقدرة من قبل كتاب السيناريو ؛ فأي سيناريست عديم الموهبة بإمكانه في أي جزء من عمله إقحام مشهد يقف فيه وغد بشعر أشعث و عينين دامعتين و رابطة عنق غير محكمة و وجه يملأ الكادر و نبرة صوت عميقة: ( عزائي الوحيد أنني.... ) و لن يعدم السيناريست المفاضلة بين ملايين الجمل التأثيرية ـ كالبهارات ـ دون وعي بما قدمه للجماهير من وجبة جاهزة، لينطلق كل واحد بعد العرض إلى تشغيل ذاكرته في عرض تنازلي عكس عقارب الساعة مجهدا روحه مع كل هزيمة بالتماهي مع البطل الوغد باحثا في عمق آلامه عما يكمل به فاتحة صلاة الخائب: ( عزائي الوحيد أنني.... )
و بعد ليلة حافلة بالصلوات
نستقبل الصباح
سعداء بطرف زائف
مسنا من محاكاة أرسطو
الإسكندرية