عرف الإنسان ظاهرة (الحنين الى الوطن) منذ القدم. وينظر اليه احيانًا على انه سلوك نفسي غير طبيعي اذا ما صاحبته اعراض شديدة ومؤلمة. وقد اطلقوا عليه اسم (نوستالجيا)، وسمي بالعربية (الأبابة). والابابة شعور خيالي يولد الإحساس بالألم نتيجة الخوف من عدم الرجوع الى الوطن ورؤيته ثانية. وقد ارتبط في الحقب التاريخية الماضية بظاهرة الرومانسية المعروفة. وهو يأخذ صورًا شتى من مشاعر الألم الممتزج بالنشوة احيانًا. وقد يفجر تلك المشاعر لدى الانسان تذكّر حادثة معينة او مشاهدة منظر او الإستماع الى قصة او قراءة سيرة او مقال او شعر او الإستماع الى أغنية او موسيقى او شم عطر او غيرها من مسببات تكون له بمثابة الصاعق.
وتشتد مشاعر الحنين الى الوطن حين تتعرض البلاد الى الكوارث والمحن الكبرى كما حصل للعراق مثلاً، وحين يكون المواطن بعيدًا عنه، وتشق عليه العودة. وهو ما نلاحظه على معظم العراقيين في المهاجر والمغتربات البعيدة عن الوطن. وكلما بعدت المسافة بينه وبين الوطن تضاعفت شدة معاناته وآلامه.
وقد برزت بعد احتلال العراق عام 2003 حالة نشأت في الآصل من ظاهرة الأبابة كوسيلة اوعلاج ذاتي، فاتخذت لها صورًا اجتماعية او سياسية عديدة، كالعناية بالموروث الشعبي لإستعادة صور الماضي البهيج. حتى رأينا الناس يتجهون برغبة عارمة نحو قراءة السير الذاتية لرجالات العراق العظام والإستمتاع بالشعر وألأدب والفنون والأمثال والحكايات (السوالف) والمأثورات الشعبية، تأليفًا ونشرًا. وترويج النكات المرة (القشب) وبث الإشاعات السياسية اللاذعة وغيرها.
وقد يكون واحدًا من اهم وجوه العناية بالتراث الشعبي ترويج (الالفاظ العامية البغدادية) وتبادلها وارتجالها وإذاعتها وذلك لوصف وضع معين، مدحًا او قدحًا. وهذه الحالة وإن لم تكن جديدة على الثقافة العراقية إلا انها اخذت بعدًا واسعًا في السنوات الأخيرة، وبخاصة بعد احتلال العراق. وقد جعل العراقيون منها وسيلة للتخفيف من وطأة الحنين الى عز العراق الغابر، واسلوبًا سلميًا ومدنيًا للإحتجاج والرفض والمقاومة. فنحن لو تصفحنا الصحافة الإلكترونية والورقية اليوم لأطلعنا على الكثير من المسارد والقواميس التي تضم العشرات بل والمئات من الألفاظ العامية، مع التأكيد على (العامية البغدادية) باعتبارها ام (العاميات العراقية)، لما تتميز به من خصائص فريدة في بناء اللفظة وإحكام جرسها وضبط دلالاتها، كما سنرى.
ولعل هذا العرض الشامل لخصائص (اللغة العامية البغدادية) وجمالية ألفاظها وسحر اجراسها وبالتالي الإحتفاظ بها حية في الذاكرة، سيخفف بعض الشيء من آلام الحنين الى رؤية الوطن الحبيب. الى جانب مشاهدة مناظره الطبيعية وإلإستماع الى أصوات قرائه المجودين الذين يتلون كتاب الله العزيز وتراتيل المولد ألنبوي الشريف على الطريقة البغدادية، والإستمتاع بصور ليالي بغداد الساحرة وبمشاهدة تمثيليات هزلية ملتزمة ورفيعة المستوى مثل (تحت موسىَ الحلاق) و(آني أمك يا شاكر) و(النخلة والجيران) و(الدبغخانة)، والتغني بأغاريد مطربيه وألإطلاع على نكات الهزليين وتعليقات الناقدين والإستماع الى الشعر الشعبي الناقد الملتزم وما الى غير ذلك. وكم تمنينا لو بادر المقتدرون من البغادة، أولئك الذين احتضنتهم بغداد ورعتهم واغدقت عليهم من خيرها وفضلها، نحو انشاء موقع الكتروني متخصص ومتكامل في (التراث الشعبي البغدادي) يكون مقدمة لمتاحف نوعية في بلاد المهاجر والمغتربات. وليصبح بمثابة مشفى او دار تمريض او منتجع لملايين العراقيين المغتربين، أولئك الذين تكاد الغربة تعصف بمشاعرهم، وعلى رأسهم البغادة الذين يشاهدون مدينتهم الجميلة وقد استحالت الى خرائب. واكاد أجزم بان الموقع المنشود سيقدم رسالة وطنية أمينة دونها كل هذه الوريقات والمواقع السياسية التي ما فتئت تسعى وبشكل مسعور نحو تصديع وحدة العراقيين وتشتيت كلمتهم، فتضاعف من آلآمهم ومعاناتهم.
لقد اكتسبت (العامية البغدادية) اهمية خاصة منذ امد بعيد، حيث تناولها الباحثون والكتاب بالدراسة والتحليل. فبعضهم عالج الجانب الوصفي الإجتماعي والسياسي مع التأكيد على الصور التراثية الجذابة التي تستهوي فئات عريضة من القراء، فيهم (الشيخ جلال الحنفي البغدادي) و(عبد الرحمن التكريتي) و(عزيزالحجية) و(عبد الستار القره غولي) و(عبود الشالچي) و(خالص عزمي) و(امين المميز) و(زهيراالقيسي) و(فخري الزبيدي) وغيرهم. بينما بحث البعض ألآخر في اصول الألفاظ العامية وقواعدها وتحولاتها عبر التأريخ امثال (الشيخ محمد رضا الشبيبي) و(الأب انستانس ماري الكرملي) و(الدكتور مصطفى جواد) وغيرهم. وشارك ايضا وبصورة غير مباشرة في التعريف بالعامية البغدادية المألوفة كتاب وأدباء وصحفيون امثال (نوري ثابت) صاحب جريدة (حبزبوز) و(صادق الأزدي) صاحب جريدة (قرندل)) وغيرهما.
وكان لعدد من الشخصيات البغدادية الأصيلة اثر مضاعف في اعطاء نماذج حية عن اللغة البغدادية ولهجتها المتميزة بالصورة والصوت والحركة، من بينهم قراء قرآن مجودون منهم (الحافظ خليل اسماعيل) وقراء مقام متمكنون كالفنانين (محمد الكبنجي) و(يوسف عمر) و(حسين الأعظمي) و(حامد السعدي) و(ناظم الغزالي)، وشعراء شعبيون كبار كـ (الملا عبود الكرخي) وزجالون عظام كالفنان (عزيز علي) وممثلون محبوبون كالفنانين (سليم البصري) و(سهام السبتي) و(يوسف العاني) و(أسعد عبد الرزاق) و(ناهدة الرماح) و(زينب) و(خليل الرفاعي) و(راسم الجميلي). أولئك الذين حافظوا على نكهة اللهجة البغدادية المحببة والتي يصح ان نصفها باللهجة البغدادية المعيارية التي يمكن ان تتخذ كمرجع لدراسات المستقبل في علوم اللغة واللهجات والأصوات.
ولكي نفهم المراد بالعامية ينبغي علينا اولا ان نعرف ماهي اللغة التي خرجت العامية من صلبها. فاللغة نظام للتواصل بين الناس باستعمال الصوت او الحركة او الرمز او الكلمة للتعبير عن معنى او فكرة او شأن مادي او معنوي. ويتخذ التعبير صورا واشكالا مختلفة كالمشافهة اوالكتابة اوبحركات الجسد او بالرمز اوالشفرة. اما اللغة العامية فأحد تعريفاتها بأنها لون اجتماعي او محلي من اللغة الفصحى او المعيارية. وتتميز بالجنوح عن القواعد الأصيلة وبأختلاف مفرداتها وبألوان نطقها، مع ما يواكبها من حركات الجسد المعبرة وبخاصة الرأس والعينين واليدين والكتفين.
واللغة، وباعتبارها نشاطا بشريا،عرضة للتبدل والتطور. وقد لا نبالغ إن صورنا اللفظة بالخلية الحية من بعض الوجوه. فهي تولد وتترعرع فتهرم ومن ثم تموت. اي ان حياة اللفظة ترتبط مصيريا بحياة دلالاتها او مسمياتها. وقد تعيش اللفظة دهورا طويلة (اسم أب مثلا) او تموت في بحر مدة وجيزة وبخاصة أسماء العينيات اوالعلامات التجارية العابرة. وهناك اسماء مخلدة كلفظ الجلالة (الله) واسماء الأنبياء والرسل.
ولكي تعيش اللفظة حياتها الطبيعية ينبغي ان تتوافر لها البيئة الحياتية الطبيعية وإلا لتعرضت الى الضعف والأختلال. واحد صوره فقدان اللفظة لخصائصها المتعارف عليها لدى المختصين. فقد عاشت اللغة العربية الفصحى دهورا طويلة وهي في الأوج بين اللغات السامية، قبل وبعد البعثة النبوية، من حيث الحفاظ على اصولها وقواعدها وقيمها العالية في المجتمع. وكان الناس ينظرون اليها بعين التبجيل وحتى التقديس احيانا، وذلك لنزول كتاب الله العزيز بها. فكانوا يصفون من يخطئ او يلحن بانه ضال (انجدوا أخاكم فقد ضل). وقد ظلت العربية لسان النخبة المتعلمة بعد ان داهمتها العاميات واللهجات واللُكنات المختلفة.
ولا يمكن تحديد الزمن الذي نشأت فيه العامية البغدادية بالضبط، ذلك ان نشوء العاميات، وعلى نحو تقريبي، عملية حيوية بطيئة الحركة. ويمكن القول بان بداية نشوئها الإفتراضي ربما كان زمن الفتح العربي الإسلامي للعراق بداية القرن السابع الميلادي. فحين دخل العرب المسلمون بلاد ما بين النهرين وجدوا امامهم شعبا عراقيا عريقا متصالحا، يعيش في وطن موحد، تمتد أراضيه من جبال كردستان شمالا وحتى اقطار الخليج العربي جنوبا، ومن الحدود الخارجية للشام والجزيرة العربية غربا وحتى حدود بلاد فارس شرقا، وذلك منذ العهد السومري الأول، قبل مايزيد على الستة آلآف عام.

وكان الشعب العراقي يتحدث لغة سامية مشتركة، مكوناتها وعناصرها الأساسية هي (السومرية) و(الأكدية) التي تضم (البابلية وألآشورية) والآرامية والعربية وذلك في معظم ارجاء (الأمبراطورية الإسلامية). وكان الشعب الكوردي العراقي في الشمال يتحدث اللغات الكوردية القديمة الى جانب اللغة السامية الرسمية. اما اللغة الرسمية للدولة المحتلة فكانت (الفارسية) التي استعانت (بألآرامية) ذات الإنتشار الواسع. أما سطوة (اللغة الفارسية) فامر متوقع. فقد سبق وان احتل الفرس العراق لأكثر من الف عام حتى تم طردهم على أيدي العرب المسلمين اوائل القرن السابع الميلادي. وهنالك ايضا فلول من لغات مختلفة في العامية البغدادية الأولى (كالعبرية) و(الهندية) و(اليونانية) التي كان الكهنة والمتعلمون يستخدمونها في اعمال الترجمة.
لقد انتشرت اللغة العربية الفصحى في كافة ربوع العراق وترسخت في عقول العراقيين وافئدتهم بسرعة تلفت النظر بعد ان استقر الحكم العربي الإسلامي هناك. وكان للقرآن الكريم الدورالأساس في ذلك، ولكونها لسان الحكم الجديد، على وفق نظرية العالم الإجتماعي الكبير ابن خلدون، ولأن العربية شقيقة لكل من (الأكدية) و(ألآرامية) وليست غريبة عنهما، مما يسر من عملية الإحلال. ثم رحلت ألآرامية الى المناطق الشمالية والشمالية الشرقية، حيث ازدهرت في اطراف محافظة الموصل وفي المحافظات الكوردية. وما تزال محلات بغداد التي يقطنها أخوتنا المسيحيون تتحدث (السريانية)، وريثة (ألآرامية الشرقية). كما ان اخوتنا (المندائيين) لا يزالون يمارسون شعائرهم الدينية باللغة (الآرامية) حتى يومنا هذا.

وبعد ان دخلت اللغة العربية معترك الحياة واجه معجم الفاظها سيلا من الألفاظ النبطية (العراقية القديمة) والفارسية نتيجة لتلاحم السكان الأصليين مع القبائل العربية التي كانت تستقر في الأقسام الغربية وتلك التي جاءت مع الحملة الإسلامية. كما تأثرت (العامية) ببعض القواعد والأبنية الخاصة بتلك اللغات. ومن هنا بدأت العاميات العراقية وفي مقدمتها (العامية البغدادية) بالنشوء رويدا رويدا. فقد إبتدأت بغلبة الصورة العربية الفصيحة نسبيا في بدايات العهد الأموي ثم تحولت بتوالي القرون الى الصورة التي نراها عليها الآن. وهو امر متوقع لكل لسان.
أما عوامل وملامح تأثر (العامية البغدادية) بالقواعد السامية المتساهلة، مما جعل منها لغة فطرية يسيرة المأخذ فنلخصها فيما يأتي:
(1) وقبل ان ندخل صلب الموضوع ينبغي التأكيد على الحقيقة القائلة بان العراقي بوجه عام والبغدادي على وجه الخصوص يتميزعن سواه بنطق حروف الأبجدية العربية والأبجديات الأجنبية طرا. فهو لا يستبدل (الضاد) بـ (الدال) المفخمة (دربتو بدل ضربته) ولا (الغين) بـ (القاف) (قانم بدل غانم) ولا (القاف) بـ (الغين) (غايمة بدل قائمة) ولا (السين) بـ (الزاي) (إزبوع بدل اسبوع) ولا(الثاء) بـ (التاء) (يوم التلات بدل الثلاثاء) ولا (القاف) بـ (الهمزة) (آنون بدل قانون). وهو فضلا عن ذلك قادر على تلفظ (الگاف) نحو (گمرية) و(الفی) المثلثة نحو (فديو) و(الپاء) نحو (پنکه) و(الچيم) نحو (چما){ و(الزي) المثلثة كما في الكوردية ومثاله لفظة (روز)(وتلفظ (زاؤها) بين (الجيم) و(الزاى) العربيتين.
(2) اسقاط معظم حركات الإعراب من الجمل سعيا وراء اليسر. مثال ذلك : (شِفتْ الولدْ)، (جا الولدْ)، (مريتْ بالولدْ). ومع ذلك فهو قادرعلى التمييز بين الفاعل والمفعول به : (عبودْ ضربْ سالمْ) او (سالمْ ضِِربه العبودْ)، إن اراد التقديم والتأخير للمبالغة في القول.
(3) تسكين معظم احرف اللفظة تقريبا. فالعامي يبدأ بساكن وينتهي به. وفي بعض الأحيان يتجه نحو تسكين جميع احرف الكلمة : (كْتابْ)، (حْجارْ)، (اْحسابْ)،(تْمَسْكنْ)، (تْمَقْلَجْ) و(تْشَمخرْ).
(4) اغفال الأشارة الى المثنى سواء كان مذكرا او مؤنثا واستبدالها باشارة الجمع : (هذني البنتينْ). وقد يذكرها احيانا بصيغة الجمع للمبالغة (هذني البناتْ). ويقول : (هذولا الرِّجالينْ) او(هذولا الرياجيلْ او الرجاجيل) للمبالغة. بينما نقول في الفصحى : (هاتان البنتان) و(هذان الولدان). ويعد وجود صيغة الإشارة الى المثنى في الفصحى أحد الأدلة الألسنية الكثيرة على قدم اللغة العربية وعلى مدى تطور قواعدها وإحكام ابنيتها، مقارنة بأخواتها الساميات. فضلا عن ثراء نحوها وصرفها وتنوع اشتقاقها وسعة مجازها وجمالية بيانها وقوة بلاغتها.
(5) يميل البغدادي الى القلب والإبدال سعيا وراء سهولة النطق. وهي ظاهرة موجودة حتى في الفصحى. فهو يقول (غرماً عنه) بدل (رغما عنه) و(أنعلْ) بدل (ألعن). وظاهرة التبادل بين (الجيم) و(الدال) شائعة بين البغادة. فهم يقولون: (ججاجة) بدل (دجاجة) و(مديجي احمد) بدل (مجايجي احمد) اي (ما جاء يأتي) بمعنى (ما عاد يأتي).
وابناء الجنوب يقولون (ما تا يجي). وكذلك يبدلون (الجيم) بـ (الياء) كقولهم : (هوايه = كثير) واصلها (واجد). وابناء الجنوب يقولون : (وايد) و(ييي) اي يجئ. ويقلب البغدادي (القاف) الى (الگاف) نحو (گمر = قمر) و(گهوة = قهوة). كما يقلب (القاف) الى (الجيم) نحو(جاسم)، وهو قليل. واعتاد البغدادي ايضا ان يقلب (الكاف) الى (الچیم) مثل (چمَّل = كمَّل) و(چتان = كتان).
(6) لا يكترث العامي حين يشير الى المذكر او المؤنث. فهو يقول : (هذولا الكتبْ) و(هذني الكتبْ) و(هذولا النسوانْ) و(هذني النسوانْ).
(7) نفور العامي من نطق الهمزة (النبر) إلا في حالات قليلة، مثل (أخذْ)، (إجا = جاء). فهو يقول : (رادْ = أراد)، (رِجا = رجاء)، (زهرا= زهراء). بخلاف الكثير من العرب.
(8) يجنح البغدادي نحو الإختزال والتبسيط ليجاري انطلاقة لسانه على فطرتها وسليقتها. فهو يقول : (سباطعش) بدل (سبعة عشر) و(تلبرْ) بدل (تايرْ ليفرْ) و(كونديشنْ) بدل (أيرْ كوندشنرْ).
(9) نفور العامي البغدادي الشديد من نطق بعض الأحرف الحلقية الثقيلة او المتشابهة وعلى نحو متتابع، بعكس أخيه الموصلي الذي اقتحم الصعاب والمفازات اللغوية. فهو لا يسيغ القول : (خغاعي = خراعة) و(زغغ = زغر). او كما يقول المصري (أأتلو = اقتله). والمعروف ان (الهمز) شاق على التلفظ عند العرب.
(10) سعيا وراء اليسر فانه يشتق، ومباشرة، افعالا من مصادرها الميمية وأسمائها دون إعادتها الى الأصل كما في الفصحى كقوله :
(يتمحيلْ = يبدي التحايل)، بدل قوله (يتحيل).
(يتمرجلْ = يتظاهر بالرجولة)، بدل قوله (يترجل).
(يتمصرعْ) = (يبدي الصرْع)، بدل قوله (يتصرع).
(يمضرطْ) = (يكذب. يبالغ. يتسفه)، بدل قوله يضَّرط.
(11) يلفظ البغدادي ضميري المخاطب كما في الساميات العراقية : (إتَّ = أنتَ) و(إتِّ = أنتِ).
(12) استعار البغدادي عددا من الصيغ الصرفية من اللغات السامية فتوسع في استعمالها في تخاطبه اليومي. فقد اخذ صيغة (فوعلْ) لأشتقاق فعل للمبالغة حيث يقول (ديفوعرْ = يتضور من الحر)، (يتخورَدْ = يتظاهر بالكرم) و(جوعرْ = جأر اي نهق). كما أخذ صيغة (فيعلْ) لذات الغرض، فيقول : (يتكيرَمْ = يتظاهر بالكرم)، و(يتعيقلْ= يتظاهر بالتعقل). وأتخذ ايضا صيغة (فعلوُنْ) للوصف فقال: (سعدون) و(حمدون) و(زغيرون). اما صيغة (فاعول) لأسم الفاعل فهي من الصيغ الصرفية المشتركة، كقولهم (شاقول) و(ناظور) و(صاروخ). وقد صنع البغدادي منها عشرات الألفاظ الجديدة التي قد لا نجدها في الساميات نفسها.
(13) ان اكثر ما يلفت النظر ميل البغدادي نحو ابتكارافعال ذوات دلالات خاصة تلبي حاجاته المتعاظمة. فهو حين يواجه حالة خاصة تلزمه بان يعبرعنها بلفظة شديدة الدقة قد لا يجدها في مخزونه اللفظي، فانه يتبع اساليب مبتكرة ؛ كاشتقاق فعل من اسم جامد او تغيير بنية كلمة او بإضافة احرف اليها او باتخاذ اسلوب التركيب المزجي او ما يسمى بالنحت. فقد قادته فطرته السليمة الى انتقاء فعلين او اكثر، مما يتزاحم في مخيلته، فيجمع بين بعض احرفها للخروج بفعل مركب دقيق الدلالة وسهل التلفظ وجميل الجرس. وقد زخر القاموس العامي البغدادي بالكثير من تلك الأفعال المرتجلة التي قد لا يجدها المرء في امهات المعاجم العربية. وكان غرضه من ذلك توخى الدقة والمبالغة في المعنى. كما لوحظ بان العامي لا يميل الى قبول الكلمات المضعفة، لذلك فهو يسعى لفكها باضافة حرف آخر اليها. ومن امثلة ذلك :
(أ) طشرَگْ : (بعثرَ. بددَ). واصل الفعل (طشَّ، اي طششَ). ولفك التضعيف قال اولا: (طشَّرَ)، مستعيرا (الراء) من الفعل (نثرََ). ولفك التضعيف ألآخر قال : (طشْرَگْ). اما مصدر(الگاف اي (القاف) فهو من الفعل (فرَّق). والفروق في الدلالات بين (طشَّ) و(طشر) و(طشرگ) واسعة، كما يريد البغدادي ذلك. فهو يقول: (الطفلْ طشْ المي)، أي سكب الماء و(عبود طشَّّرْ السِّبحة) اي بدد حبات المسبحة و(مرهونْ طشْرگْ فلوسه)، اي انه بدد وأضاع ثروته. فالبغدادي هنا قد حصل على ثلاث دلالات مختلفة من فعل بسيط واحد. ومثل هذا لديه الكثير.
(ب) فلگحْ : (فشجَ)، اي فرَّج مابين رجليه. وهو فعل مركب من (فقحَ) و(فلقََ)، فصار (فلقحَ) للمبالغة الشديدة. او انه فعل ذلك باستعارة (اللام من (فلق) فأضافه الى (فقح).
(ج) عنفصْ : (نقزَ، قفزَ). فعل مركب من (عفسَ) اى ساق َبشدة و(نفصَ) بمعنى دفعَ. وهو فعل للمبالغة. يقولون: (من ْسِمعْ الخبرْ گام يعنفصْ).
(د) تمَصْرنْ = (تمصَّر. تلوى بشدة). ولعله قد صنعه من الألفاظ (مَصرَ = حلب بقوة) و(مَسرَ= استخرج بشدة، ومن اسم (مصرانْ). والمعنى الذي نشده العامي هو التلوي الشديد كما يتلوى المصران المنتفخ.
(ه) نغبشْ = (بحَّث باصرار). فعل مبالغة مركب من (نبشَََ) و(نغشَ) بمعنى حرَّكََ. والنغبشة تتم عادة باليد وبالأصابع.
(و) نحبشْ = (فتشَ بإصرار). وهو مركب من (نبشَ) و(حرشَ). كما في الفعل السابق.
(ز) مْتعكرفْ = (مُتعقف) (من برد او خوف). وقد صنع من الفعلين (عقفَ = لوى) و(وتَّر، توتر= شدَّ).
(ح) مْشعفرْ = (مهدب). اي خشن الحافة. فعل مبتكر ومركب من (الشفر= الحرف. الحافة) و(الشعر).
(ط) مْهتلفْ = (رث الثياب، مشرد). اصله من الفعلين (أتلف = أعطب. أهلك) و(هتك = قطع).
((ي) تنفرشْ = (تنطع وتكبَّر). فعل مركب من (نفش) و(نفرَ). من يتشبه بطاووس نفور نطاط.
(ك) چرخلْ = (دوَّر. حركْْ. إدفعْ). وقد صيغ الفعل من كلمة (چرْخ) الفارسية بمعنى (عجلة) ومن الفعل (خلخلَ). مثال ذلك: (يالله چرخل عادْ..).
والملاحظ انه كلما كان البغدادي متقدما في مضمار التعليم اقتربت الفاظه من العربية الفصحى. لكن تلفظه ولكنته يظلان يحملان سمات (أطراف) بغداد واسواقها ومقاهيها.
ولقد تعددت وتنوعت وسائل انتقال الألفاظ الأجنيبة الى (العامية البغدادية). ففضلا عن الأحتكاك المباشر بالناس، كما كان الحال في بدايات نشوئها، ثم اصبحت هناك وسائل آتصال كثيرة ومختلفة كالكتب والصحف والإذاعات والفضائيات والأنترنيت والمواقع الألكترونية وسواها، وكذلك بواسطة السلع والخدمات المستوردة. وهي جميعا عرضة للتبدل والتغير تبعا للتطور الحضاري في العالم. فنحن لو نظرنا مثلا في الأسماء الأجنبية لمواد الزينة او التجميل التي كانت معروفة بين العراقيين قبل منتصف القرن الماضي وتلك التي استعملوها بعد ذلك التأريخ وحتى اليوم سنجد مدى التغير الذي طرأ على موادها واسمائها. ففي البداية استعملت البغداديات:
(الحنا) و(الوسمة) و(السبداج) و(الديرم) و(الدگ) و(الطين خاوة) و(النخالة) و(حجرالحمام) و(الجفت) و(الخطاط) و(الكحل) و(الوسمة) و(الشنان) و(دهن الزيت) و(صابون رگي) و(مي ورد) و(ريحة بنت السودان) و(حْجول) و(خلاخيل) و(سلاح) و(خزامة) و(بُرگع) و(پوشية) و(عبايه حبر) و(صايه) و(بابوج) و(قبقاب دبابة) وغيرها. وهي اسماء تبدو غريبة بعض الشئ عن نساء الجيل الجديد. وفي اعقاب تلك الحقبة انتقلت البغداديات الى المواد العصرية الآتية:
(الميشْ) و(الكاري) و(الگرصون) و(الميزمپليه)و(الپيرم) و(الشامپو) و(الكريم) و(المانيكير) و(الپاديكير) و(اللوشن) و(الماسك) و(البراشر)، و(اللپ ستك) و(الشيد) وسواها. وهذه الالفاظ تبدو هي الأخرى غريبة عن الغالبية العظمى من البغدايات من الجيل الماضي.
وحصل عين الشئ على اسماء الأطعمة. ففي الماضي تمتع البغادة بأطاييب الصحون من المطبخ البغدادي العريق، نذكر على سبيل المثال هذه الباقة من الأكلات التراثية اللذيذة:
(دولمه) و(برده پلاو) و(كبة حامض) و(پاجه) و(هريسة) و(المريس) و(خبزعروگ) و(عروگ طاوة) و(كلباسطي) و(شيخ محشي) و(فشافيش) و(طاس كبابي) و(آبْ گوشت) و(حميس) و(پاصطرمة) و(محروگ إصبعه) و(زرده وحليب) و(قوزي على تمن) و(طرشانة) و(مطبگ سمچ) و(كيبايات) و(ممبار) وكليچة) و(كاهي) و(بورگ) و(سمبوسگ) و(داطلي).
وأكثر ما يخشاه البغدادي الأصيل هو ان يفقد المطبخ البغدادي يوما ما نكهته الطيبة ويتجه، شيئا فشيئا، نحو المطبخ الأفرنجي التفه الذي نشأت بينه وبين عطور الدارسين والقرنفل والكبابة والكمون ومي الورد خصومة دائمة، وسممت اطعمته المحفوظة الأصباغ المحرمة والحافظات الكيميائية من شقيقات ملح البارود. وقد ضمت قائمته ما وصفوه هم انفسهم بـ (الجنك فوود) او (الطعام المنفي) والمصنوع اصلا من (الفضلات). ومن بين صحونهم المألوفة :
الـ (روست) و(چلي فراىْ) و(كريم چاپ) و(همبرگر) و(هوت دوگ) و(كورن فليكس) و(فرايد چكن) و(وكنتاكي چكن) و(شيك ـ ان ـ بيك) و(بيگل) و(سي فوود) وسواها. ومن يد ري فقد تدخل مطبخنا العتيد مع ريح التغيير الديمقراطي الجديد.... صحون العقارب والعناكب والأفاعي والكلاب !.
لقد تراكمت طوال القرون الماضية الآلاف من الألفاظ العامية في القاموس البغدادي. بعضها عربي وبعضها سامي وبعضها الآخر اجنبي كالتركية والفارسية واليونانية والإنكليزية والفرنسية والإيطالية وألإسبانية والروسية وغيرها. والمعروف ان اللغات المختلفة تتبادل الألفاظ والقواعد فيما بينها تبعا لقوة كل لغة ومدى مناعتها وحصانتها. ولقد وجد الباحثون، وفيهم الشيخ الشبيبي، بان (العامية البغدادية) لم تتغير كثيرا منذ احتلال المغول للعراق وحتى خروج العثمانيين منه عام 1916. وقد بدأت رياح التغيير تهب عليه في اعقاب إقامة الحكم الأهلي او الوطني في الربع الأول من القرن الماضي. فلو اخذنا انموذجا من القاموس البغدادي أثناء تلك الحقبة لوجدناه يضم الفاظا سامية وسامية / عربية مشتركة واجنبية كثيرة نسبيا. فمن الألفاظ السامية (سومرية وأكدية) والتي وردت في القواميس السومرية وألأكدية. وتلك التي جاءت بعدئذ عن طريق الآرامية. وكذلك السامية / العربية المشتركة التي مايزال يترنم بأجراسها الجميلة البغادة وحتى يومنا هذا، نذكر منها:
بارية، باطية، بستوكة، بطم، تاله، تبلية، تبن، تركيس، تشرين، تموز، آب،جراب، جبن، جمار، حلفا، حنطة، حمص، ماش، شكر، مى، سكان، حنظل، خر، خرنوب، خلال، كبريت، كراث، دبس، دخن، نفط، زمبيل، سابل، ماصولة، تكان، سفينة، بوري، سماق، مسكوف، شِجر، تعروزي، سرسري، مرخ، فاخ، سليمة، رگة، صريفة، صگلة، كرَّز، دوش، جت، عود، عودين، شاغ، أكو، إتَّ، إتِّ، إتو، منو،، سدارة، أبو، أخو، خاك، ديان، غبرة، نطر، أوُ (بمعنى عندما).
اما اكثر الألفاظ مدعاة للنقاش حول اصلها فهي كلمة (أكو) العراقية الفارقة بمعنى موجود. فقد اشار اليها اقدم المراجع وهو المعجم السومري (هالوران)، إذ اعطى لفظة (أكا) اكثر من معنى، لعل اقربها الى (أكو) البغدادية هي معاني (يعمل، يفعل، يفعل شيئا ما)، و(يعزق العشب) و(يعمل على الارض). اما في الأكدية اللاحقة فوردت بصيغة (أياكانا) بمعنى (حيث) و(هنا). ومن الطبيعي ان تتطور وتتغير معانى الألفاظ بمرور الزمن بحيث اقتربت لفظة (موجود) من معنى (هنا). وكثيرا ما يستعمل البغدادي حين تناديه او تسأله كلمة (هنا) بمعنى (عندي) و(موجود). وعلينا ان لاننسى ايضا بأن لفظة (أكو) قريبة من الفعل العربي (يكون) بمعنى (يوجد).
ومن ناحية أخرى نجد ان لهجة ابناء تكريت والموصل وجيرانهم من آلآشوريين والكلدان قد اقتربت من الفصحى في نطق الكثير من الكلمات العامية لأسباب موضوعية لا مجال للبحث فيها ألآن. وكانت لهجة اليهود العراقيين قريبة من ذلك ايضا.
ولقد تركت (اللغة الفارسية) كثيرا من الفاظها، وخصوصا مصطلحات الصناع والحرفيين. وقد بدأ بعضها بالتلاشي لصالح المصطلحات الأوربية بينما ظل الآخر قيد الأستعمال، وخصوصا المصطلحات الإجتماعية. ومن امثلتها :
آهينْ، أويزه، دسْترْ، إسْتخرد، أُسطه، بابوج، بخت، باس، بس، بادْگير، تيزاب، تكْ، چارَك، چاره، چاقوچه، صُرُم باره، قرْم باره، چُرُكْْ، خربوش، خُرده، خُرَّكي، ديوْ، راسطه، زَبانه، زورْخانه، زنبلك، سَخته، سِركال، سِيپايه، شوره، صُرُمايه، طرشي، كار، هِيچ، مَردانه، مَيانه، ميوه.
اما اللغتان التركية والمغولية فقد تركتا كثيرا من الألفاظ، وهذه بعضها :
آچغ، آسقي، أسكي، أطرقچي، أغاتي، أفندم، إكي گوزم، بجغ، بندله، تتن، ترسْ، تره للي، ترلگ، چالش، چالغی، چامرلوغ، خاشوگه، دالغچي، دگیل باخ، دوشگ، دوشمچي، دوندرمه، رچیته، سگمنچی، سنگين، شقايچي، صاغ، عونطچی، قازوغ، گوزلغ، مدانشه، ويرْ، يازوغ، يشلتغ، يغنش، دوشمچی، چقمقچی، دامرچي، تكمچي، قندرچي.
اما ما يتعلق بالألفاظ الأوربية التي غزت العامية بعد الحرب العالمية الأولى فهي كثيرة ومتنوعة وتتناول مختلف حياة البغادة، وخصوصا العلمية والتقنية والحرفية منها. وقد عالجها البغدادي ببراعته المعهودة بالإختزال والقلب والإبدال والتكييف حتى تمكن من حشرها داخل المنظومة البنائية / الصوتية للغة العربية. وقد ساعده على ذلك تمكنه من نطق كافة الحروف كما المحنا. وفيما يلي نماذج قليلة منها تخص اصلاح السيارات لضيق المجال :

Accelerator سكليته
Tire lever تلبَرْ
Needle نذلْ
Carburettor كابريته
Check valve چكْ ولْ
Adjustment أجستنْ
conditioner Air كونديشن
Bonnet بنيد
Radiator راديته
Front-drive wheel دراي ويلْ

و قد نجد في (معجم العامية البغدادية) الكثير من الألفاظ المجهولة الأصل بعضها قد ضاع لبعد زمن استعارتها اولتعرض ابنيتها الي تبدل شديد ذهب بمعالم اصولها. والبعض الآخر ارتجله البغدادي لحاجة ضرورية. ويدخل ضمن ذلك الألفاظ التي صنعها وقام بنحتها فاصبحت تحت رحمة اجتهاد وفتاوى الدارسين. من ذلك مثلا (جعنكي) و(دنغوز) و(جعمقة السيارة) و(حبربش) و(جنجرص) و(خرنگعي) و(هتلي)...الخ. اما الفاظ ألأيمان اوالسباب البذئ (الفشار) والتي تفننوا في ارتجالها فهي كثيرة ومثيرة، حتى دفعت بالمرحوم (الشيخ الحنفي) لتأليف كتاب خاص بها، لكنه لم ير النور!.
وقد لاحظتت ايضا عشق (البغدادي) للغته بحيث اتخذ منها اداة للتسلية والمزاح والمعابثة، وبخاصة الشباب. فقد استعملوا الرموز والشفرة في التفاهم والتواصل فيما بينهم حين يكونون في دائرة الخطر، كمشاهدة پليص (شرطي) او انضباط عسكري من بعيد. وهنا يصيح احدهم بأعلى صوته (عداىْ) او (واغشْ)...الخ. حينئذ يأخذ الجميع الحذر ويلتزموا بالسلوك العام. لكن من اجمل ابتكارات (البغدادي) تفننه في خلق لغة رمزية لايفهمها سوى اعضاء شلته حيث يستخدمونها حينما يكونون في مواقف تتطلب السرية والتكتم، كمراكز الشرطة مثلا. ويتلخص ذلك الإبتكار بقلب الألفاظ التي يسهل قلبها رأسا على عقب تقريبا. والمدهش انهم يتحدثونها بذلاقة وبسرعة. وللتوضيح نذكر هذه العبارة الشبابية الطريفة :
(فِشتْ دالخ علط نم تيب ويا لعي الحاربة ما ملسوا لعيَّ)، وترجمتها العامية (شفتْ خالد طلعْ من البيت ويا علي وما سلموا علىَّ)!؟.
وهنالك الفاظ كثيرة تشترك فيها العربية واللغات السامية، وهو امر متوقع. فاللغة العربية وبقية اللغات السامية انحدرت من لغة واحدة هي (السامية ألأولى) او (السامية ألأم) (پروتوسيميتك). وبعضها جاء أصلا من (السومرية). ومما يثير العجب ان يلتحم بعض الكتاب في جدال عقيم لا طائل من ورائه حول اصول الألفاظ البغدادية إن كانت عربية او آرامية او سريانية او فارسية او تركية، حتى اخرجوا النقاش من اطر الدراسات اللغوية او التأريخية او التراثية الى الخندق القومي او السياسي الضيق. ذلك الخندق الذي لايخدم سوى الغلو والتعصب. وهنالك كتاب ومؤسسات اجنبية راحت هي ألأخرى تغير من أصول ألألفاظ العربية في المعاجم الأنكليزية الكبرى وردها الى أصول لاتينية او إغريقية لإهداف خبيثة ومكشوفة تدل على الإفلاس ألأخلاقي والفكري والحضاري لأصحابها.
ولقد اصبح من المتعارف عليه بين جميع العلماء بان اللفظة، وأيا كان اصلها ومنبتها، تكتسب هوية اللغة القومية او الوطنية السائدة شريطة ان تدجن فتأخذ الصورالمحلية بناء ولفظا وجرسا. ولقد عملت العربية ومنذ قرون طويلة في هذا الإتجاه فاستعارت الفاظا اعجمية مثل (دفتر) و(نموذج) و(استاذ) و(اساطين) وغيرها. ولقد عرف العرب هذه القاعدة منذ قرون عديدة والتي تقول بان كل كلام يتحدث به العربي فهو عربي. لكنهم مع ذلك كانوا يشيرون الى كونه من الدخيل ان كان اعجميا، او ان يشار الى كونه نبطيًا او سواديًا وذلك لأغراض أكاديمية بحت. اما ما كان منها اسم علم او عين او رمز اجنبي دولي فينبغي ألإحتفاظ باسمه الأجنبي كما هو، سعيا وراء التوثيق العلمي الدولي، على ان يظل خارج نطاق عمليات التصريف او الأشتقاق العربيين. إذ ليس من المعقول ان تحي شخصا اسمه (جون) فتقول له: (مرحبا يوحنا)، وتنتظر منه ان يرد التحية بأحسن منها او بمثلها في ألأقل!.

* أكاديمي مغترب من العراق
[email protected]