مرة ً في الليالي البعيدة كنتُ جالساً امامَ نهر تجري فيه المياه الأولى وكل ماءٍ هو ماءٌ اوّلٌ وههمَمتُ انْ ادخلَ فيه اطرَبني انْ اصيرَ قطرة ماء في المياه وقبل انْ... تذكرتُ اني واقفٌ على حجر يتمايلُ كلما تمايلتْ قدماي فخفتُ انْ ادخلَ في التمايل العظيم او في ما يُماثله والذي قد يكون ابدياً وتذكرتُ... بعد انْ نسيتُ انّي وضعتُ ابريقَ الشاي على نار اوقدَها ابي بعد انْ فقد فضيلة السمع قبلَ موته بايام وصار الحديث معه عبر التلفون مستحيلا فرأيتُ... ولم اعرفْ اني رأيتُ وربما لم ارَ اصلا طالما بقيت احمل اليقين القديم ذاته في انّ الحجر لا يعرف انه حجر وانّ الشجرة لا تدركُ انها شجرة وانّ حيواتَ البحر عديدُ اجسادٍ ونفسٌ واحدة كي ادرجها في قائمة الطعام فآثرتُ انْ لا اكونَ الماء ولا الحجرَ ولا الوردة التي يشمّها صبي في السابعة من العمر او صبية في العمر ذاته ولا ما بينهما... وهو الزمهرير الاكبر وارجوحة العوالم البالية في ثياب التكاثر وربما كان في يدي ما لمْ اكن اعرفه مِنْ انّ النهر ذاته نام في فراشي ولم اشعرْ به وآثرتُ انْ اضع خدّي على الحجر الذي كنتُ واقفا عليه فنادتني إمراة تقفُ على الضفة الاخرى او في وسط النهر لستُ اكيدا من هذا لضعفٍ في عينيّ وهشاشة في ذاكرتي تدّعي انني كنتُ زوجة ً لها وتدّعي اكثرَ من ذلك انني كنتُ زوجة لنساء كثيرات غيرها ولكنهن خرجنَ منها وغادرنَها وانني انجبتُ منهنّ اطفالا كثيرين دخلوا النهرَ منذ دهر ولم يخرجوا منه وعلى الابِ الورع التقيّ الصالحِ ان يتـّبع ابناءه حيثما اقاموا او ارتحلوا حتى وانْ كان الرحيل نحوَ لا جهة حتى وانْ كان في المناديل عيون كثيرة لا تكفّ عن الجريان واكوابُ شاي تنتظرُ اليدَ التي تحملها وتسكبها وتضعُ الاطفال في اسرّتهم قبل انْ يهجعوا في التراب بحقائبهم وثياب نومهم لكنني في الواقع اليومي اتيهُ كلما نظرتُ في المرآة واستفيق فلا افيق واتعددُ في اسماء كثيرة تنمحي في اول المطر وفي اجسادٍ كثيرة تذهب الى الحرب ولا تعود... تذهب الى الزيارة ولا تعود تذهب الى المسجد ولا تعود.... وفي مساءات تتكرر كلّ مساء وفي نهارات شموس فادحة يحملها عابرون عراة ً بأحذية رملية ورايات مرقطة بجلد نمر وراس عنز من القرن الاول الهجري حتى يومنا هذا الذي نحن فيه وبرفقتهم كلاب سود وآنية من نحاس وعظام... وقبل انْ اتذكرَ.. اشياءٌ كثيرة اخرى نسيتـُها في ليلة قبل انْ أولدَ فيها وربما بعدَها اردتُ ان اعودَ الى مصطبة امام بيتٍ بحديقة دون سياج خرجتْ منه نسوة بعباءات سود كشفتْ احداهن عن وجهها من وراء النقاب ولم يخالجني الشك من انها احدى الامهات اللواتي سكنتُ في ارحامهن دهورا فجفلتُ واضطربتُ واضطربتْ في يدي اقداح الشاي ومسبحة ابي وحقيبة اخي وغريزة الحياة والموت ثم وبّختني واحدة منهن بقنديلها الذي يتدلى من كتفها على عدم العبور او الدخول في النهر ومنعني الحياء من انْ اتقرّبَ اليها اكثرَ او لعلـّه الخوف من ان أصلَ الى الشك الحقيقي الجميل المريح فنادتني بلهجة مَن تعرفُ تماما مَنْ تكونُ هي ومَن اكونُ انا وانْ كنتُ في الواقع اليومي لا اعرف شيئا عن ذلك ولا عن سواه... ولا حتى التي ليس منهن ...كما اظن.. والتي قالتْ لي كمنْ يضع جمرة في اليد ومعها قـُبلة لا تحاولْ الدخول في النهر ظنا انك الاب الورع التقيّ الصالح كي تصيرُ قطرة ماء فيه.. . كلهم دخلوا قبلك ولم يصيروا .... ليس لعلـّة فيهم... وليس لعلة في النهر ذاته ... ولا لعلة فيك او في أمر آخر لاتعرفه انتَ ولا انا ولا واحدة منهن ولا حتى لعلة من العلل القديمة الميتة منذ القرن الاول الهجري في قرن ثور ولا لأنّ كل ما تراه هو التصور المجرد الذي هو سيّد الموقف بعد انْ غادَره الباص ولم يتوقفْ ولا حتى ولا... فابقَ فيه ولا تبارحْ فانكَ باق ٍ لا محالة فيه سواءً رغِبتَ في الامر ام لمْ ... واضافتْ قبل انْ يتلاشى ضوء القنديل في يدها ويغمرَها الظلام... لستَ في الموت اصلا ً لتخشاه بل اخشَ الحياة لأنكَ فيها...