كامل الشيرازي من الجزائر: أصدرت الزميلة الكاتبة والإعلامية اللبنانية quot;مروة كريديةquot;، كتابها الجديد quot;معابر الروحquot; الذي تضمن عديد الخواطر والمشاغبات الأنثروبولوجيّة بين التثاقف والانثقاف، ودينامية العقل التواصلي الحواري، الموشاة بالذات المفكرة والتراث والثقافة الكونّية، ووسمت الكاتبة هذا الإصدار بقولها:quot; هو مجموعة خواطر لا تقيم اعتبارا للزمان في عالم الروحquot;.
الكتاب الصادر في طبعة أنيقة عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة (120 صفحة من القطع المتوسط)، احتوى على لوحات مشطورة بين أنوثة الوجد واللاانطفاء بمواجهة الوصل الصوفي والإبداع الروحي والخجل العذري، وتعبُر الكاتبة من خلالها لجّة تستعرض فيها معابر الروح على نحو يُسكر القارئ ويتماهى مخياله مع حنايا تعبق وتتوالى فيها النشوات.
تقول الكاتبة في الديباجة، أنّ نتاجها كتلة من الخواطر الروحيّة والمهداة إلى كل الأرواح التي ساهمت في صوغه ممن انتموا إلى عالم الحس و غيره من العوالم، وتكشف مروة أنّ إصدارها تأخر لأنه خُط منذ فترة طويلة، وتعزو ذلك إلى مواجد كثيرة سبقته منذ أعوام ولم تُنشر بعد لغرابتها وغرابة معانيها، وتعترف مروة بأنّها من وراء ارتضاءها النشر فإنّها quot;تشارك قرائها بعض جنونهاquot;، كما تقرّ المؤلفة بنزوعها إلى إنتاج نص متمرد لا ينخرط في مملكة الشعر، وتسوّغ ذلك برغبتها لصوغ خواطر والانقياد إلى مجون قلم عابر، ما يورّط القارئ ويبقيه أسير جدلية مفادها: هل ما كتب صيغ بوعي أم لحظة سكرٍ ومجون؟
وخلف ظلال حروفٍ من سحر بيروت وجمال لبنان، تتراقص لوحات مروة موشية كلمات محترقة تستحضر رمزية الأنثى بتجلياتها المادية وارتساماتها الروحية لتمزقّ الصمت وتسرف في وصف المفاتن التي تشف الشوق حتى تذوب عشقًا، وتفنى في برزخ صوفي دافئ فتمتشق قلمها كحورية هاربة من أسطورة متربعة على عرش الجمال الأنثوي الأخّاذ.
مروة كريدية عملت في ميادين ثقافية متنوعة ولها العديد من الأعمال الفنية التشكيلية والخواطر الشعرية والأبحاث الميدانية في علم الاجتماع السياسي، من مؤلّفاتها: مدائن الغربة، وأفكار متمردة، هذه الأخيرة أصدرتها الصيف المنقضي، وحملت جملة من المقاربات الجريئة في مرمى السلطة وعرين الإعلام وعوالم الإنسان وما يطبع جملة من السياقات كالدين والحقيقة والرؤى الكونية إضافة إلى ظاهرة العنف.
منتخبات من الديوان:
فَمَا حَرِيقُ حُرُوفِيَ إِلا دَمْعَة...
مَزَّقَتْ خَجَلِي
فَأسْرَفَتْ فِي الْمَفَاتِنِ...
حَتَّى التَهَبَت شِعْرًا نَزْوَتِي
فَكَم أَغْوَتْ مِنَ العُشَّاقِ نَظْرَتِي
فَمَا ابْتَرَدَتْ أَحْدَاقهُم
وَمَا مِنْ سِحْرِالأحْدَاقِ....
تَبَرَّدَت عُيُونِي
فَمَا حُرُوفِي...
إلا نَشْوة.... تُرَاوِدُ مَن بِهِ وَلَه
تَعَرَّتْ لِلوُجُودِ... غِوايَةً
فَلَيسَ الوُجُود... إلا تَجَلّ جمَاَل عَاشِقٍ ثَمِل
إِنَّ الزَّمَانَ لَيَسْتَدِيِرُ لِأجْل وُصَالِي... مُتَرَيِّثًا
وَيَنْسَكِبُ الثَّغْرُ رَاقِصًا عَلى صَدْرِي
وَيئنّ الْمَكَان لِحَنِين عِنَاقِي...
***********************************
انْمَحَى الزَّمَان عن قَلبِي
فَعَاوَدَتنِي أَحدَاثُ عَالَمِ الأزَلِ
حِينَ استَدعَت لَطِيفَتِي مَعْبَدًا تأوي إليهِ
عِندَ العُنصُرِ الأَعظَمِ المُكّتَنَزِ في عالم الغَيبِ
عَبَرتُ إِلَى عَالَمِ التَّكوِينِ عَبرَ دَائِرَةِ الهَوَاءِ
فَاستَدَارَ الزَّمَانُ يَومَ ولادَتِي
على صُورَةِ المِيزَانِ
سَتُحلقُ رُوحِي مقامُ عَدل...
وأَعُودُ إِلَى حَبِيبِي عِند انقِضَاءِ دَورِيِ
هو إيقاعِ الكون مراقِصٌ
ترقص سيرورة موتٍ مستأنفٍ
إلى صيرورة حياة حرٍّ
أولد اليوم مُجَدَّدًا
وفي كل آنة أموت فيها
وأحيا بولادتي في كلّ آن
تلك معابر الرّوح فِي رِحلة انعِتَاقِهَا
إِلى آخر عِتْقٍ عتيقٍ
عند عودتِي
إِلَى صُورة رَبِّي فِي عَالَمِ القُدسِ
*******************************
في لُجَّةِ العبور
في لُجَّةٍ عَمْيَاء...جَلَّت عن الإدراك الكَونِيّ
وَلَجت... أَبحثُ عن ياقوتَي الحمرَاء
بالقدرِ المَعلوُم و الرِّزقِ المَقسوم
المُنَزَّلِ على مَساقِط النُّجوم
****
فمعَابِرُ الرُّوحِ هذه
منها عَمِيمٌ خَالِص ومنها ما للنَّديم يَصلح
و أُخرُ متشابهات يَحمل تكامل المُتنَاقِضَات
وصمت المتكاملات
****
فما صَلُحَ مِنّه للنُّدَّماء
فإشارة لسُّكان المَملكَة الإنسانيَّة
للعبُور إلى المَملكةِ الكَونِيَّة
فيه معابر سَلام وكونيّةُ حَوَّاء
ومُجون قَلَم وللأرواح إهداء
وَ ما كانَ عَمِيمًا فليسَ للعقلاء...
فيه إعصَار وأشرعة روح في بِحار..
فيه برزاخ عِشق ومنازل وجد عند النُّجوم
ومناجاة...فيه ياقوتة روحٍ في بحر طامس لبحريّ غاطس...
****
فلا يعرف تلك الكنوز
إلا من كان روحًا دون جسد
وزال عن عالم الاوهام فولج لمقام الإلهام
و لعمري ماخرج
من ولج لّجّة العماء
فلا للنّهاية وُجود
ولا تَحقَّقَ من الغَايَةِ أحد
فغاية من غاب في الغيب
حيرة....وشهود كفاحٍ...
لشمس ديمومة أبد... لا تعرف الغياب
*******
بنتُ النُّور أنا...أفيض حنانًا...
شمالك تحت وجنتي
ويمينكَ حولَ الياقوتة الحمراء ترتسم...
و حسبي أنا شفتاك القرمزية
كم أنت جميلٌ..جميل..حُلو المذاق...
أدْخِلنِي حبيبي حانةَ زبيبٍ
أَرسمٌ اسم الربِّ بالزعفران
أَشربُه...عساهُ يُخالط
دماء أوردتي فأنا امرأةٌ كونيّة
***********************************
إليك يا لبنان المحبَّة من منفى الجرحِ
إليك يا بيروت من تغريبتي بعضًا من الحنانْ
من هناك...أطِّل إليكَ الآن أخطُّ سطورًا
ودانةً..أغزلها من دموع عيونِ الأمهات..
إكليلاً... يُرطِّبُ ترابَ إنسان
فسلامًا.... لبنان إليكَ وسلامًا لك...
من فوق كلّ الحضاراتِ من فوق كلّ الأديانْ
أعبرُ قرونًا من التقنية المدمرة....
أطوي كلّ معتقدٍ..أسلك طرقًا تتقاطع مع كل انسانْ
أعبر مستويات الوجود الآن
أعبر الواقع والذات
أطيرُ إلى أبعدِ.. من أبعدِ جَوهَرٍ
أتجاوز الأسباب... والمُسببات
أمرّ.. فوق كل الكلمات والتسميات
هناك عندَ الرُّوح تهدأ رُوحِي
و تَسكن عند إبداع... انسان
فما آلمنِي....صِراعٌ أدلجتْ أطْرَافُه
و اكتويت لجرحِ أي كائنٍ....وأعبرُ اليومَ لأجلِ إنسان