محمد فهد من الرياض: في نوفمبر 2008 حزم الجاران توم تيزلي و تشارلز وليامز حقائبهما في أول رحلة لهما إلى الشرق الأوسط، كان ذلك لحضور المهرجان الدولي للموسيقى في البحرين، بهذا ابتدأوا سلسلة من الزيارات للمنطقة شملت فلسطين شهر رمضان الفائت. البارحة، كانت ليلة مثل أي ليلة في الرياض، الطريق إلى النادي الأدبي تسبقه زحام معتادة، الأغلبية في منازلهم بعد يوم طويل من العمل، لم تكن سوى ليلة أخرى في التقويم، مع هذا فما كان داخل أروقة النادي لم يكن بقدر نعاس المدينة. تعاوناً مع السفارة الأمريكية قدَّم عازف الإيقاع توم تيزلي و المغني الأوبرالي تشارلز وليامز ليلة طربية وشعرية لها حلاوة المرة الأولى للأشياء. افتتح الأمسية رئيس النادي الأدبي بالرياض الدكتور سعد البازعي بكونها ليلة للتعرف على الموسيقى الأمريكية والتي هي جزء من التفاعل الحضاري والتواصل الضروري، فصَّل بعد هذا في الكلام عن الشاعر الأفرو- أمريكي لانغستون هيوز وعن طبيعة شعره وتأثيره في السياق الشعري الأمريكي. تحدث بعدها الملحق الثقافي الأمريكي بالسعودية عن الطبيعة الصراعية في امتزاج الفنون خصوصاً تلك التي جاءت عن طريق الأمريكيين من أصول مستعبدة، امتداداً للحظة الشعرية للانغستون هيوز وصولاً إلى الزمن الحالي ببلوغ الرئيس أوباما منصب رئيس الدولة. ليكون الوقت بذلك ملائماً للبدء بأغنية إفريقية مشهورة بصوت ويليامز يرافقه إيقاع قوي من طبل تيزلي. في جوابه لأحد أسئلة الحضور يخبر وليامز بأن البداية حدثت وقت ما كانوا أعضاء هيئة تدريس في أحد المعاهد الموسيقية، حين قدم عليهم الموسيقي الأمريكي الراحل ماكس روتش فكرة غناء مقطع من الخطاب الشهير لمارتن لوثر كنج الابن (لا زلت أؤمن). الفكرة الصغيرة التي تحولت إلى عرض متكامل لإنشاد الشعر، النثر، والحكم في قالب مسرحي وصوتي رائع. مع هذا فالواقع أن شهرة وتميز تيزلي ووليامز ليست محصورة في عرضهما المشترك، لكن في كونهما فنانين منفردين لكل واحد شهرته الخاصة به. فبينما يشتهر تيزلي بكونه أحد أهم فناني الإيقاع في أمريكا، تشهد بذلك ألبوماته الكثيرة والتي حققت تماساً مع الإعلام والدوائر النخبوية في المجال وأبرزها مجلة (مودرن درمر)، زيادة غلى إذاعة موسيقاه في الكثير من الإذاعات، وحضوره للكثير من المهرجانات داخل واخارج أمريكا. في

الزنجي يتكلم عن الانهار

لشاعر العرق الأسود لانغستون هيوز
ترجمها عن الامريكية عبدالقادر الجنابي

عَرِفتُ انهاراً.
عرفت انهاراً قديمة قدم العالم وأقدم من
جريان الدم البشري في عروق البشر.

عميقةً كالأنهار أصبحت روحي.

استحمَّيتُ في الفرات عندما كانت الأفجارُ غضّةً
بَنيتُ عَريشاً قرب الكونغو وهدهدني لأنام
نظرت إلى النيلَ وشيّدتُ الأهرامات فوقه
وبينما كان لنكولن ينحدر صوب اورليانز*،
سمعت غناءَ نهر المسيسبي ورأيت حناياه الطينية
تتحول في المغيب ذهبا.

عرفت انهاراً:
قديمة، انهاراً غسقاء.

مما باتت روحي عميقةً كالأنهار.

* يقال أن تصميم لنكولن على انهاء العبودية، قد بدأ عندما زار نيو اورليانز للمرة الأولى وهو شاب.

المقابل يشتهر رفيقه وليامز بكونه أحد الأصوات الأوبرالية التي وصل بها تفوقها إلى تقديم عرض في (لِأوبرا جارنير) في باريس عام 2005، زيادة على الكثير من العروض في أهم صالات أمريكا مثل مركز كينيدي، وكارنجي هال. عزز هذه الشهرة إقامته في برلين، ميونخ، زيوريخ وفيينا. يدرس الآن وليامز الصوتيات والموسيقى المسرحية في أحد مدارس واشنطن الموسيقية. التميز في الانفراد وفي الاجتماع للفنانين لم يحرم من لم يفهم الإنجليزية بالاستمتاع بطبقات صوت وليامز وإيقاعات ليزلي متعددة الآلات والأصوات. بدأها وليامز حين قدم عدة قصائد للانغستون هيوز تمايزت ما بين الطبقة الحزينة للإنسان العاني، وبين طرافة شفافة وذكية وازن بينهما وأفلح في إيصالها المغني وليامز. مجيباً سؤالي عن الطريقة التي يمكن بها تهيأة الجمهور للموزانة ما بين طقس حزني وكئيب وبين آخر فرائحي ويصل للكوميديا: بأن ذلك هو حال الحياة؛ فالوقت الذي نكون فيه سعداء هو ذات الوقت الذي نُتبعه بحزن، والعكس. أما عن الجمهور فيقول بأنه لا يعرف ماالذي ينهي الأمر دائماً باتصال لا مرئي، حركة غريبة تحرك مزاج المستمع. منتصف كل مقطوعة يتحول ليزلي إلى شخص متعدد الصوتيات، يده تجري في كل مكان، وعلى أكثر من آلة، في انسجام صوتي متقن جعل الأغلبية في حالة نشوة وطرب. تابعت الأمسية مجراها بإلقاء قوي لخطاب مارتن لوثر كنج الابن (لا زلت أؤمن) ومن خطاب الرئيس أوباما شهر نوفمبر العام الماضي. حرك ذلك طقساً غريباً في الاستماع والاستمتاع بالنثر، أعطاه صوت وليامز الجهوري حدة ونفاذاً نادر. حرك هذا النوع من الأداء القوي لجمهور صامت السؤال بكيفية التعامل مع أصناف عديدة من الجمهور؛ فبينما يقف الجماهير ويصرخون في أوروبا وأمريكا، يصمت الشرقيون، ويستمعون بهدوء، عدا وصلات صغيرة من التصفيق الذي يتبع كل معزوفة. أجاب تيزلي بأن لكل مكان طبيعته الخاصة وأن هذا مفهوم جداً من قبلهم كفنانين، إلا أن وليامز قاطع هنا بقوله بأنه توجد طاقة يستقبلها الفنان من الجمهور أياً كان، وفي هذا النوع الصامت ثمة كلام جهوري يصلهم مع كل إيقاع وصوت مُرسل إلى الجمهور. اختتمت الأمسية بأغنية جنوب أمريكية طربية، تخللها تواصل مع الجمهور في ما إذا كانوا يفهمون لغة الطبل، حيث مع كل إيقاع كان الحضور يرد بكلمة تترجم الإيقاع المضروب على الطبل. يعيد انتهاء الأمسية إلى ما بدأه الدكتور البازعي بضرورة حضور مثل هذه الفعاليات في النادي. ما يتيح لمثل هذه الأماكن الثقافية باستقبال وإيصال صوتها لشريحة أكبر.