الجرذ

عند المدخل مباشرةً، على امتداد اصطدام القامة بظل بوابة الحديد القاسية، كان وجهك يرتفع بطيئاً للشكوك. وكان الحائط يضّمك ضاحكاً. تتكاثف الجدران لتصنع قلادتك/ السماء حلم مؤجل لكون السقوف من رماد الوقت/ الهواء أنفاس عفنه لكون الجدران لا تحتمل مسامةً للحياة/ هكذا تحدودب في سقفكَ الواخز، عازفاً بمدى قسوة البوابة التي لا تسمح للأحلام أن تطرق على سهوةٍ صغيرةٍ في منامٍ عابر... عوائق تعيق وصوتك يرتدي اللوّن الأصفر عند الإحراج المزمن،. قوافل العالم تنأى عنك الى جهةٍ أكثر جفافاً من التصور والدهشة، تعالت الأصوات من حولك:
- في السجن.
- محض دعابات.
- احذر السياج مكهرب.
- الوقت للقتل.
- البلاط جدار الأرض.
- حبل.
- الضحك ضرورة لابد منها.
- ابتسم للموت.
- أيها القرنفل الخجول.
كانت الأصوات تخرج قليلاً، قليلاً لكنها أكثر من المطر تنسحب روحك الى ضفة أخرى وأنت تفكّر بـ ( كيف) ومتى أو الى متى؟ ومع هذه الأكداس كانت المرتفعات تنمو حولك وأنتَ تتوزع بين هشاشة السماء المحرّمة والهواء الفاسد... إنّه ادّعاء أن تدافع عن نفسك بفُتات الإرادة. لذلك احزم بقاياك وغادر، لقد بزغت شمس صغيرة وجاءك صوت تاقه... أخرج ايها الجرذ... وطأتْ قدماك سراب المدينة، سقطت عيناك على أطفال يعبثون بغيمة من نفايات الأزقّة.. ما زال الجدار في رأسك َ يحجب طعنتك القادمة للفجر.. لاشيء مجرد هو قادم... ستصل بعد ذلك الى لا شيء آخر... ذهاب.. مجرد أماكن وأسئلة.. تحت السقف المفضي الى العدم، قال طفلك الوحيد الذي سيرث الجدران.. بابا.. انتصبت في داخلك الممرات المغلقة... اسئلة مشردة/ النهر ماء مسجون بين ضفتين/ الفجر كذبة مكررة/. انتبهت البيانات اليك، لوحتْ شرفات البقاء، وداعاً.. وداعاً. دائماً وداعاً.. اقتربت السماء وأصبحت سقفاً يلامس فروة رأسك، والأفق جدار جوار الأنف.. أستدعيك للاستسلام و التسليم، للسؤال والمسائلة والكبت والضحك المتحقق بفعل الخيبة والبكاء في حالة المكوث في أماكن الروث وحيداً... نقاط داكنة على الجلد، وعكة في الرأس، لوية في الأمعاء، لوثة في الدم وتراب... تراب قديم لصناعة القبور، تراب للأغوار السرية، تراب للتيمم، تراب لتشويه المساء عند المواعيد، تراب لملء الأفواه التي تطلب المزيد، تراب العودة الى الأصل... اجتمع من حولك القوم لايراك سوى من يراك./ في المصيدة على حافة المعدن، تحت سطوة الباب المقفل ابداً، وشيء أضيق من هذه السماء البائسة.../ البحر تجاعيد طارئة تحاول الإفلات. جاورتك الكلمات المذهبّة، دخلت سروالك وسرقت رجولتك/ سنكتب عنك للمشهد/ لا وقت نبذره من أجل الحقيقة/ النار وحدها للتطهير/ حملتك موجة التجمهر، وانكسر بكَ الغصن المطّل على وادي الأسف، تدحرج أمامك الضباب وتأريخ سهل الانزلاق من فوّهة سوداء/ البقاء للأدهى/ تحركت أطرافك بسرعة كمحاولة لتجاوز بوابة الحديد المضحكة القسوة... اصطدم لهاثك بالشعارات المتدلية والهياكل المحنطة.. تركتَ تقاسيمكَ ونزعتَ ملامحكَ.. تشمّمتَ بأنفكَ المدبب تضاريس الكون (( ودخلت الجحر)).

سلالم

حبيبتي هذا المساء يدخن سيجارته
ويرميني مع الذكريات..............
ربما أموت غداً دون أن أراكِ......
حبيبتي، لنبتهل لأمريكا
لتجعل قلب الله يرق، فيرحمنا غداً...

*****************

لأنه كان يعتمر قبعته الفارهة، أفزعته احتمالات بيض كانت محمولة على أكتاف من رخام.. جاء بعد أن تأكدت الشمس من وقع أقدامه على بقايا حلم. وعندما التصق الحذاء برغبة شبقة على قدميه، توقف الاحتكاك.. توقف هذا الذي كان يتوقع له أن يستمر حتى شيخوخة أعضائه.. توقف عن البوح هذا الاحتكاك الحلو، توقف هذا اللعين.. توقف لأنه ربما قرأ الحروف وكأنها علامات اختبار لقوة النظر. اقترب من مسار الكعوب وكأنه خرج عن النص.. وانتهى به المطاف الى الصعود دوماً، بالضبط كما كانت البداية.. الصعود.. الصعود.. ولأن القبعة كانت مميزة مثل وصمة عار في مؤخرة التاريخ. فهو يصعد صاعداً الى الصعود الذي لا يخفي سوى الفضائح. تقترب منه السلالم، والسلالم هي الأسئلة التي علقها الآخرون بدبابيس الانفعال على واجهة المفاجأة.. إجمعوا هذا الورق المتطاير على سطح الأرض، أريد ورقاً.. أريد ورقاً يا ناس.. أريد ورقاً لأكتب، لا وقت، دفعته الموجة.. إصعد.. أريد ورقاً أبيض لأدون هذا النص الذي أراه يحلق على سلم بعيد.. إصعد.. لا وقت لذلك، إصعد ودفعته الموجة.. أريد ورقاً صحياً لأمسح نظارتي الطبية أو أمسح مؤخرة الوقت من غبار الأحذية.. لا وقت.. ودفعته الموجة. إصعد.. أريد ورقاً نقدياً لأشتري قليلاً من الهواء.. قلنا لاوقت (إصعد يا زلمه) ودفعته الموجة.. إصعد.. وحلق طائراً، هربت السلالم بعد أن صادقت حذاءه وتركته مع قبعة فارهة، تحكي عنه خيبات وانكسارات، وتشير للآخرين على خارطة الوجود الى المدينة التي قذفته بعد أن سرقت ماضيه بكل ما يحمل من تفاصيل..جاء بعد منتصف العمروهو يلهث من شدة قلقه من ذاك الذي يركض خلفه، لم يكن سوى حرف العين الذي يكيل له الطعنات بكل الوسائل، وهو يصعد مبتغياً الصعود الى الفوق.. ذلك الفوق المؤجل كحلم منتظر.. حرف العين ثعبان، او نمر جميل سريع الوثوب، سريع الفتك، الصعود أمام العين اختراق لحدود القوة.. صعد سلماً مؤدياً الى المخدع.. عادةً في الممر المعتم تتكور الميم على شكل سلم يحضن نساء يتعجزن بسرعة، ويبعن الكرامة مقابل قطع نقدية مصنوعة من معدن عفن، يتشحن بسواد الليل، سواد الماضي، سواد المأتم، سواد الحداد على الموتى، موتى الحروب، الحروب العملاقة، الحروب المضحكة، ذهب الرجال، وبقي السواد يحيطهن، ينتظرن النهايات أو ينتظرن لحظة انتظار الساسة الذين تناسوا ما تركوه من سواد ومن تجاعيد على الوجوه. يبعن السواد للقردة المتقافزين في الممرات وعلى الأرصفة، ولأنهن يطمحن بأكبر كمية من قطع النقود، تراهن يبعن جميع أنواع الماء في أبواب (الكراجات) والمساجد، وأنواع السجائر التي تجعلهم يحرقون طموحاتهم وملفاتهم السرية ويركضون الى الصعود وهم يلوكون العلكة التي يظنون أنها تتسبب في الشهرة، وهن يبعن بصمت كل شيء.. يباغته الصوت.. يا عالم.. والله يا عالم بدينار..بدينار.. هذا الهواء كله. (خذوه بليرة) (بليرة يا شباب) (بليرة كل كل هذا الهواء الذي حولكم بليرة يا ناس).. صعد سلما ملغوماً وكان ينتصب حرف الألف كعملاق رهيب، لا يبدو عليه أبداً أنه حرف علة مريض.. مضحك هو هذا السلم، يحتوي على حرف الألف..مخدوع به.. ربما لا يعلم أنه حرف معلول، يتخذ منه مساعداً على اعتبار أنه يجلس في الوسط مثل الملوك.... آه تؤلمني لحظات الصعود... إصعد.. لم يتبقى الاّ القليل وتصل.. هناك في النهاية ستجد.. ليس هناك ما يؤكد اليقين.. لكن اصعد، واصعد، والاّ ما جدوى هذه السلالم الممتدة من قعر القلب الى الأحلام.. إصعد.. إصعد.. السيارات تنام على رصيف الانتظار، الوافدون يتراكضون تحملهم الأمتعة، حقائب سود، وربطات عنق للف الأكياس المتخومة بخرق مستعملة مستوردة من بلاد الإيدز الجميل..
يقول أحدهم: حقاً إنه يوم جميل، يستحق أن يباع (ببريزة).. الحمد لله، أحدهم يعمل ثمان وأربعين ساعة في اليوم مقابل (ليرة).. ولقمة الخبز بصفعة. آنذاك داهمه النوم، ترك ملابسه وذهب للنوم... النون خرافته الأخيرة، تغلق الباب وتتركه في برد السلالم وحيداً. داهمه سواد الصراصر في ليل النون..سواد الماضي الذي ما زال ينتظر لماذا أيها النون تختمين ليلتي بالشمع الأسود. تضحك النون وتهرب. تصير مثل هلال يحضن نجمة ويختفي في البعيد. النون تهرب بعد أن تسرق وجه الحبيبة وكلمات الوداع والنوم. لا يوجد سلم يؤدي اليها. تتشابك السلالم أحياناً فلا يصل أحد وينتهي الصعود.. صعود. إصعد أيها الشاب ولا تقف هكذا أمام الحروف الأربعة.. إصعد ولا تقف هكذا، فما هي الاّديون سخيفة فلا تعرض نفسك للكارثة. جاء واثقاً منتصباً كالموت يطرق أبواب المستشفيات، يحمل عافية الله على كتفيه ويصرخ... افتحوا الأبواب... أريد ورقاً وانكسر ذليلاً كالقمر، ماداً يديه، يلتقط ورقاً بائساً مقابل كليته النابضة بالحياة. وغادر بكلية واحدة حزينة تندب حظها، وهو يغلف الرسائل ويبشر الأهل والأصدقاء... أنه يستطيع أن يشتري الهواء منذ الآن وحتى أوان آخر... إصعد أيها الشاب( شومالك ) ما جدوى هذه الكلية التافهة أمام رزمة الورق المرسوم بعناية... إصعد يا رجل فما جدوى هذه الأوراق الحقيرة أمام كلية نابضة بالحياة مسكونة بروح الله... إصعد ولا تدع هذه السلالم تربح الجولة. أنفض جيوبك من ذكريات السواد، واغسل يديك من آثام الآخرين واصعد... أهلك يفرحون بالوريقات ويحتفلون بذكرى استئصال كلية ابنهم المسوّر بالحروف الأربعة... إصعد من أجل أن ترقص الأشياء من حولك ويبتهج الآخرون.. إصعد واتبع ودعهم يتبعون أثارك، إصعد ودع أوراقك ببهجة الاحتفال، ولتضع وسام الفرح على جبينك. فما جدوى هذه الكلية المزيّفة وهي تفرز سائل بعروقك. أتركهم يحتفلون وهم يحتطبون تيجانك ويلفون التبغ بوريقات تتلوّى خشية ان تقع منها الذكريات، ذكريات الماضي الأسود والحداد، حداد دائم للموتى الدائمين، موتى الحروب، الحروب المضحكة.. أصبح لدينا ورق البياض، لنرسم الحرب، ما رأيك أيها الشاب؟ لماذا لا تعرني رأسك، سأعطيك ( شلن ) او سأمنحك اللجوء الإنسانسي في المريخ.. ها ما رأيك؟ لماذا لا تعطيني كليتك الثانية الأخرى، وسأمنحك دقائق لتحلم... سأمنحك فرصة لتعمل كالآخرين، وتضحك عند نهاية العمر كما يفعلون عادةً... ماذا تريد أكثر من هذا؟ أسنانك متسخة بالبؤس...
تنتحر أسنانك، لأنك لا تضحك أحياناً...
فأصعد.. إصعد ليس ثمة ما يعيق... إصعد فما هي الاّ جبال صغيرة، وما هي الاّ قرون فترة وجيزة وستعيش وسيملأ الهواء رئتيك حد التخمة...
سينجلي السواد لأنك ستصعد دائماً...

عمان 1994

ديناصور نسي أن ينقرض

هجم علينا من شاشة كانت بمثابة حائط الدموع لنا جميعاً، نحن الذين اتفقنا على دحره ونسيانه بعد فترة لا تزيد على بضعة أمتار من الوقت، كانت تلك فكرتنا عندما أوحت لنا النبوءات بأنه قد يكون من المتعذر عليه أن يذهب بعيداً عن أحلامنا، هكذا يأتي مباغتاً عندما تحين لحظة إدراكه لما سيحدث ويعشعش فوق رؤوسنا ويقهقه، وهو يطالعنا نتخبط ضائعين، وهو يضحك بكل قدرته على القسوة، وهو يرى دموعنا تدرج في سجله، وهو يطوق صورنا بصوته... عندما يمر التيار الكهربائي عبر سلك التلفاز فإنه حتماً سيرمي علينا شتائمه الممزوجة بموسيقى عصرية، يتسلل عبر أجسادنا، ويتمدد متكاسلاً أو متكلساً، يذكرنا دائماً بجثة جدنا حين اختفت بعد شروعنا بالبكاء، فأسلمنا بنفسه وبيده الواثقة الى لوعة حقيقية من الضحك المتواصل لمدة ساعات جدارية مزخرفة بأحلام فنان فطري، ربما تربطه به صلة قرابة من بعيد أو قريب. كان كلما يتنكر بزي ما فإنه يبث فينا مللاً لزجاً، أو ينزل علينا مطراً من نعاس أسود، أو يطعمنا بمنقاره الجارح كفراخ مدججة بالشهوة وهي ترى الهواء لأول مرة. قال الحكماء منا إنه لا يمكن القضاء عليه إلا بموتنا جميعاً، وقال آخرون إنه مسكين كيف يقضي أوقاته لا بد أن يمضغ أجسادنا، لكي يديم أسنانه في الأقل... وهكذا ينفخ مثل بالون عملاق يستعمل للإعلان عن مخازن مليئة بالضجر... وهكذا صرنا تابعين له مولعين بما يملي علينا من طقوس مقرفة، كأن نذهب الى قاعة عرض خاصة به، أو نتوحد في غرفنا التي وجدتْ له أساساً، أو نمضغ طعاماً ليسقط في جوفه، ثم يتجشأ في وجوهنا ماطاً أذنيه جانباً بهيئة متغيرة مثل غيمة تتلوى فوق مقبرة تتسع باستمرار، ويستعرض أسنانه الجاهزة لقتل ابتسامة ستولد...
قال لنا جدي بعد أن مات بفترة لا تزيد على سبع كوارث، إن هذا الوهم حقيقة مدمرة، لذلك قررنا الانصراف اليه تماماً لكي نخفف من وطأته على جدران غرفنا المزينة بصور أمواتنا ونجومنا المفضلين من أهل الفن. الفن. الفن. نواجهه عادة بدخان السجائر فيتلوى بشكل ثعبان أو طير يحلق في جماجمنا. الشاسعة الفراغ. حاولنا بطرق مختلفة أن ندحره أو ننساه، لكن دون جدوى. صعدنا صعدنا مجتمعين الى صالة الرقص وأخذنا نضرب الأرض بأقدامنا ونهز رؤوسنا وأبداننا، فشاهدناه وقد تحول الى غبار، ثم صار صوت الموسيقى سوطاً يتأرجح في يده. وانهار يجلد أفكارنا وقد ازرقت مؤخرات أفكارنا من شدة ضرباته المبرحة، فهرعنا متهالكين عندما شاهدنا المطرب وقد انشطر الى أعداد كبيرة منه، وراحوا يتقافزون مع صخب الموسيقى، يسحقون ضحكاتنا التي كنا ننوي تجفيفها للموسم القادم فخرجنا الى الشوارع، رأيناه وقد أخذ يصرخ بصوت محركات ثقيلة ومنبهات صوتية مفزعة، دخلنا الى الأسواق فرأيناه يتحدث عن أسعار مختلفة وهو يتشكل بين حين وآخر وينمسخ الى مخلوقات مبررة الوجود...
قلنا لا مفر إذن من الانحناء أمامه والتصفيق له لما يمتلك من قدرة عجيبة على النفوذ الى أعماقنا، فرحنا ونحن نتصوره يطلق الرصاص على رؤوسنا وأجسادنا باردة يسحبها هو وقد تحول الى نهر يجري الى جهة مجهولة... تجمهرنا جميعاً أمام باب مملكته ورحنا نهتف... يا لك من ضجر جميل.


نص في الظلام

الى كاظم ادريس


سينتبه قليلاً، ليمرر يديه باتجاهين متعاكسين إشارة لتضارب الموضوع، وينطق بكلمة أجنبية تضقي مسرحة مقصودة لنهاية الأمر... يقف مرتبكاً... يمسح زجاج البنايات برموشه، ويجمع عبارات المودة في طيات ثيابه، ويطارد أشباح الزيف حيث زحام المارة. هناك سأرقص رقصتي اليونانية... لست بسقراط أو فولتير... لست (حسن حافي) أنا مجرد كاظم... أجرجر أحمال أسلافي... وأحلم برقصة تهتز لها شكوكي المتحجرة على جدران الخيال... تدخل المدينة في عينيه فيضحك ويؤشر مع نفسه ثغرات الدخول بين الآخرين، أنا لا أدخن، لا أحب التبغ... إلاّ أنني كثير التباهي أثناء نفخ الدخان بوجهك... لا أشرب الكحول إلاّ من أجل العزلة بين الغرباء... النساء يخرجن من أجلي... كل نساء الشوارع يرفعن لافتة لمضايقتي... سأدلّك الآن على شيء ينفعك أبداً... يدي تمسك يدك دليل على وجودنا معاً... يا للعار... لست ديكارت... أنا مجرد... اسمع... عندما كان التلاميذ يتجمهرون حولي يقول أستاذ... فأقول أستاذ... أستاذ. لست شكسبير... أنطق الانجليزية لأنني لا أصلح لغير ذلك... الضحك صديق الجنون... وأنا بينهم حيث أسباب معقولة للضحك... قررت أن أدلك على شيْ... إنه الخيط الواصل بين الواقع والخيال... ولكوني أمارس ترجمة بعض أعمال صديقي (بيكون) فأنا أترك الفلسفات والمدارس حيث يجب أن تكون بعيدة... وكذلك تلاميذي لأن العلامة الكبيرة التي تشدنا هي المفترقات لكون الطرقات دائماً تبدأ لتنتهي... أنا ألازم الساحة الدائرية وأسير دون توقف قسري... هه... التعب... أشار بيده الى لوحة تبدو فيها امرأة بثياب رثة، تحمل طفلاً يبكي، ولوحة أخرى لمجموعة قرويات يملأن جرارهن من جدول شديد الزرقة... لست بيكاسو، لقد صرفت وقتاً لرسم لوحات كثيرة، لم يتبق منها إلاّ القليل... كنت ألعب بمزج الألوان لإارفق مع لوحاتي عبارات موسيقية... أنظر هناك في زاوية المسمار أعلّق دائماً آلة العود، ارتقيتُ السلم الموسيقي وفي القمة اتكأتُ على فراغ ألهاوية..لست موزارت لكنني أضعت زمنا من عمري في ترويض أناملي على ألأوتار.. عاد ليشير لي أن أنتبه أكثر.. هذا عود قديم.. ألله يرحم زرياب.. فكّرت مرارا أن أن أحطمه، سيكون حطبا معتّقا لتنوّر أمّي ألتي تصنع أرغفة سوريالية هائلة الفن... مضى دهر طويل وهو يتدلى مشنوقاً بمسمار الزاوية... حتى التلاميذ الذين ينصتون لمحاضرة الانجليزي يهمسون.... ابتسم وهز رأسه هزات أسف... أشيع خبر(GOOD) على أنني كاظم وليس سواه... مرر يديه باتجاهين متعاكسين، عني... لستُ فخوراً بذلك... كنت أراهم مصادفة في المدرسة... التلاميذ طبعاً... الشاي اكتشاف كبير... كانوا دائماً في غير ما هم عليه مسبقاً... قبل أن أراهم، لذلك كنت ألاحظ دهشتهم على أثر ضحكتي المبررة ألا تشرب؟... يقال إن المدرسين أيضاً يضحكون، لكنني لم أشاهد أثراً لذلك لأنهم يرتدون عادة أقنعة سميكة... يقولون أستاذ فأقول أستاذ... أستاذ ويبقى لساني مفتولاً على الذال... الى أن يصادق الضحك الجنون... وأنت... لو تساعدني فقط كنت سأدلك على ما يغنيك عن كل شيء... لكني ليس سوى كاظم المولع ببداية ما يأخذ الى الضجر، بضعة وثلاثون عاماً من النفي داخل الجسد... يا أخي والله العظيم... صدقني... أنا لا أجلب الأشياء من جعبتي الخاصة... بل هي الأشياء هكذا، نفسها الكلمات المرتبة تتحول الى شعر بتغير أماكن المفردات... هاك خذ... هذا الدفتر، إنه يحتوي أهم قصائدي التي لم أنشر منها كلمة... ذلك لأن اسمي كاظم... رحمة على روحك يا بدر بن شاكر... لقد تجولت كثيراً في البصرة، قرأت كثيراً أبيات المتنبي والمعري في غرف شارع بشار، حتى أن الجنود الذين معي غادروا وتركوني ثملاً في بيت فطومة العاهرة... لقد كتبت فعلاً قصصاً قصيرة، آه لو أني أحمل غير هذا الاسم... غسان كنفاني ليس اسمي فكيف لي أن أتمّ قصة صالحة... والرواية الوحيدة التي كتبتها للنهاية وضعتها في تنور أمي خشية أن يزعل كلود سيمون يا للخيبة... هل تعلم أنني في المستشفى فسرت أغلب الأمور المستعصية علي، عند حركة المرضى فأثناء الصعقة الكهربائية، ربما كانت الذروة في تلك اللحظة هي ما يجب أن أتوقف عنده. يقولون في أوراق التقارير أن (كاظم) مصاب بالهذيان، لكنهم يجهلون معنى تلك اللحظة... يا أخي إنها مسألة موهبة... ينظرون الى وجهي بعد معاينة صغيرة للملف، يحدقون بالفراغ الذي أشغله، كانت امرأة ابتداء بالشعر ونزولاً الى العينين الهائلتين حتى القدمين حيث كانت في مقدمة الصدر فتحة بداية النهدين. تكلمت بالانجليزي مع الآخرين عن خسارتي... يا للدهشة، إنه سر هائل هذا الشعور الذي تبعثه بي النساء الفاتنات. لست كازانوفا... لكن قلبي قلب كاظم... يقولون لي قلب سمكة... قلت لها أنت طبيبة غنية تتقنين الانجليزية وترتيب المساحيق على وجهك، لك جمال مذهل... مددت يدي لكسر الحاجز بيننا... فضحك الآخرون واتهموني بالتطاول... فقال الأشيب... خذوه، خذوه... إجعلوه ينام.
وكان بعد ذلك أن يدخل تطاير المرئيات في أنفاق وغرف لاهثة برائحة الأبط، واهنزازات الأسرّة عندما تبدأ الصعقة فيسود الجماد وتجحظ العيون بانتظار بداية مسرحية اليوم، حيث تدخل أكواب الشاي تشاركني دوري، فأوزع أشخاصي على الخشبة... عشرات المرات أخطئ في توزيع الأدوار، مسرحية واحدة كلها أخطاء... آه لست يونسكو فأنا كاظم... يتجمع حولي التلاميذ، أستاذ نحن نقوم بأدوار لا نعرف لها معنى. مسرحية غامضة... نرجوك أن توضح لنا بعض الشيء... قلت لك إنها مسألة موهبة... وإلاّ ما الذي أقف من أجله في مكان ممنوع الوقوف؟... اكتشافات متتالية لعلاقة ملامح الناس... فأضحك... فيقولون الضحك صديق الجنون... أخطو وراءها، تنورتها منتفخة الى درجة لا تصدق، سيقان قاسية البياض وزنود عارية صارخة الإغراء... آه يا قلبي يا قلب السمكة عندما نادتني المفاتن المتناثرة شرعت المس، كانت الشمس بوجهي ورأسي على الرصيف وهم يقفون وقفة تحد مضحكة... يا لي من مجنون، يا لهم من مجانين، أنقلبُ على قفاي أراهم من الأسفل أكثر وضوحاً، أكثر ألماً، أراني بينهم، رجال المقاهي والأرصفة، أتجول حتى أصل تلك الدار التي لن أدخلها مستقبلاً. إنها مسألة حصلت معي فعلاً... مرر يديه باتجاهين كانت فتاة لطيفة بائسة، قبلت أن أخطبها... في الكلية نقرأ مراجع ضخمة تحضيراً للدراسات(No) متعاكسين...
العليا، هي تدرس نفس اختصاصي، تقول إنها معجبة بهدوء أطرافي، فيداي مسبلتان كشحص مشنوق، وأنا معجب بنظارتها الطبية واكتناز منطقة الورك أثناء التقوس على منضدة القراءة، لذلك دخلت دارهم وجلست مع والدها أنظر الى صلعته وكرشه بفضول، قلت له إن حياته فارغة كفقاعة مثلي، اندهش وهو يسمعني، ثم غير الحديث وتكلمنا كسماسرة عن زواجي من ابنته، والحديث بجوانبه يناقش التسهيلات التي تؤدي الى نومي معها، وأصبحت لغة الشرط سائدة، ويجب وينبغي وكذا، ثم علاقة الشرف بغشاء البكارة، وعبر عن شعوره بضرورة قدسية الحياة المشتركة، وتغيرت تقاسيمه عندما أفرط في اللغو عن العادات المهمة والتقاليد الراسخة، بعد ذلك وجدت نفسي خارج البيت وهو يرتعد هامّاً بطردي، كل ذلك لأنني لم أشاركه الرأي، أو لأنني حاولت أن أفاجئه بضرطة من فمي... رسم بإصبعه علامة نصر... شاي... قدحين... الأمر لا يختلف هنا غرفتي أكثر ضجيجاً من المقهى. عفواً سأذهب، هناك ما ينتظرني من أعمال مهمة في المنعطف، عند الزاوية حيث يتكون الشعور المطلق بهيمنة الأفكار القائمة أبداً... لن أكترث لرؤية المجنون المرمي تحت عربات الباعة وهو ينشج أصواتاً تتدحرج كصور ناصعة الضوء. في المصح يتحول المجنون الى شخص آخر هل ترى؟... ذاك... إنه مجنون حقاً لقد كان يرقد بجانبي، كان يرسم لوحات عجيبة بغائطه على البلاط، يضربونه في الصباح بعدها يضحك وهو ينظر الي ليؤكد لي تأثير لوحاته على الآخرين. يمسحها وهو يشير الى أنه سيرسم غيرها غداً، سبق أن قلت إنها مسألة موهبة أنظر، إنه متأكد مما يتحدث عنه... إنه يطلق أسماءً جديدة على ما يرى، لا علاقة بين الدال والمدلول، هي ذاتها تلك اللحظة، لحظة ارتباط الحواس دفعة واحدة لتبرير إدراك متفق عليه بين العين وما تشاهد. خرج مسرعاً فتبعته، يحرك رجليه فقط، من حد الحزام فما فوق ميت أنا ميت... لاحظ... الإنسان الآلي، الناس الآليون... كم أنا فخور بنفسي، سأجلب العار لعشيرتي... يشيرون الى شذوذ حركاتي في الطريق... ولا يستطيعون رؤية القطار المتسلسل لحركة أقدام الناس. الناس الذين يتعبون في اللهو تعباً يخلف تعباً... ( الآخرون هم الجحيم) أي يا سارتر الرائع... اسمع لقد كان يجلس معي في نفس المقصورة، عندما تحرك القطار الى...لا أتذكّربالضيط لكنّي كنت مغادرا أثينا.. كتل هائلة من تراب قديم وخضار يكاد يكون احمر. الوان متموّجة تقفزعكس الاتجاه، تدورفي الاحداق، تطرق باب النوم، يرتفع نشيد الخدر ويتوهج الجلد بدبيب الانفصال. يصنعون أنين القطارات، دافعينه بقسوة، فيغور منزلقا بين التراب والهواءفي أعماق ألملامح ألسالفة،لتتذكر الروح آلاف ألاجساد ألتي تقمّصتها قبل ألمجيء لهذا المقعد ألمهيأ للاحتواء.. يتركون وجوههم مرسومةعلى زجاج الذاكرة وهم يدفعون بكلّ ثقلهم عربات الحديد وطعنات القلب لملوحة البحر ومرارة ألخيال.. رأيتهم على غيمة ينسجون تأريخي ويصطادونني بغية تجفيفي لموسم قادم. يتناثرون حولي ابدا. يخطّون تجاعيدهم على خارطة عمري...شعرت بوجوده، لأنه لم يكن جالسا معي، أنفاسه تناغي الصفير الناجم من إنزلاق العربات بين التراب والهواء.. يجلس جانبي وذلك لأن في المقعد رسم لمؤخرتين.. انتبهت إليه.، ذهب عن سماء كانت ترقص معي.. كتل من تراب قديم.. لا.. لم يكن معي احد.. فقط أتهيأ للوصول لذروة الانفصال.... تتجمع وجوههم.. تفاصيل تفاهات ما كان تطاردنا.. كنت.. أنا شخصيا معي..قلت لصديقي ألصيدلي.. أريد ما أغسل به رأسي فأنسى حتّى إسمي،أنسى، نسي، ينسى نسيان،.. أسمال الملامح، مايصل عن طريق الأذن، الانفصال أو الخلود في عدم مؤقت..يا أستاذ.. ياأخي ويهزّني من كتفيّ ويهرب من نظراتي لأنه لم يكن معي على المقعد..... ذلك محض تهيؤات كون المقعديحتوي رسما لمؤخرتين.. رغم ذلك فقد أبلغت بعضهم بفعلته المستهترة ذلك من باب ألاحتجاج لكن الجميع كانت وجوههم ضاحكة وكروشهم تهتزّبقهقهات عدوانية أشعر بأنها مؤامرة، يقولون.. أستاذ كاظم لماذا لاتجد لك إمرأة تخفف عنك أثقال الجدران ورؤوس المفكرين المدلاة من على رفوف المكتبة؟ لماذا لاترضخ؟ هه.. لاحظ.. يقولون.. الطبيعة لاتخطيء.. ما هو الخطأ؟ أن نحلق شعرنا بالموسى أو نتركه ينمو أبدا.. في كلا الحالتين نبدوا مجانين وخاصة اذا كانت الأيدي مسبلة متدلية كجثث مشنوقة.. ألخطأ.. هل هو التنفس أو ألذهاب الى ألاماكن في الزحام حيث المشاهير المتنكرين.. أميّزهم وأضحك، يهربون تاركين دهشة الآخرين وفرصة التحدث الى الجدران.. أعترف وأقول والله ألعظيم.. كلّ هذه ألأشياء طرق سهلة للوصول الى الصعقة الكهربائية لأن هذا أكثر من أن يتحملّه صديقي( حسن حافي ).. إسمع، بما إنك أكثر فضولا من جدتي، فأني سأحكي لك حكاية موت صديقي الذي رأيته بعد يومين من وفاته مرتخيا على مصطبة والذباب يشاركه لعق لعابه ألأبيض... قالوا لي بأنه مات في ألليل.. وجدوه متدليا باستقامة الباب.. شيء مضحك والله.. كان ثملا كالعادة.. المفتاح في الداخل... الباب بحاجة لمفتاح.. يريد أن يدخل وينام.. هذا ما يفعله كل يوم.. لكّن المفتاح في الداخل.. كيف سيجلبه.. والمفتاح قصير والمسافة سحيقة والنوم عالمه القرمزي ... قالت صفيحة ألأزبال إصعد وكن طويلا، فرح لتلك الفكرة.. ألآن، هو أطول... مدّ يده أليمنى ورأسه، ضرب باصابعه الهواء، صرخت ألصفيحة لنهاية التحمّل... إنحنت.. إبتعدت عن حذاءه... رفس الهواء.. بقي نائما حتى صباحات مكررة، ولم يستطع أحد إيقاظه بعدها.. وفي الصباح قالوا لي أنا أيضا ... حاول أن تكون كما أنت... كاظم.. وإلاّ.. لا.. لا أنا أكره الخمر.. ولا صلة لي بالإساءة لأحد.. هم فقط كانوا يريدون ذلك.. يدفعني أحدهم على جدار أسود، ويصنع دوي ألصفعة بين كفه وفكّي المكسور، أو يفرّني في ألهواء بطريقة لا أعيها، مسألة موهبة كما قلت.. لماذا؟ هل يجب عليّ فعلا أن أطيع ألأوامر وأترك ألأرض..؟ .... ثابت، إلى ألوراء در.. عادة سر.. إلى أللقاء قلت لك لديّ ما يشغلني.. وهناك ما ينتظرني من أعمال.. أنت صديق بائس ومقرف.. فلا تحاول إستدراجي، هه.. فقط أتلو عليك ماكتبت وأنت تستمع حاول أن، تتصور.. فقد وهبتني الشوارع وأنوف ألأخرين القدرة على تصور مايخفى... دحرج نفسه وتمرّغ، ثم جاء صوته هادرا.. قدماي فوق لساني تحت، ألحس ألظلام .. أترك ألصدى وأصابعي... خذ هذا صوتي، سجلّه، ربما يأخذك ألحنين يوما وتلعنني أنا ألذي أجلب ألعار لعشيرتي.... نص في ألظلام... أدرت آلة ألتسجيل وإنطبع صوته رخيما، بائسا.. ظلام هي الكلمات عند الرحيل وسخام يلوّث عطر الطواويس قبل إنتهاء ألربيع أو قبل أن تجني ألفصول ثمارها من مجّسات ألراكضين خلف بعضهم، يفتحون ألثغرات في ألظلام، ويحثّون حول إصطياد ألفرائس فراشات من رصاص مبقّع أو مبرقع عادة خشية ألّلا فضائح... تعرف ألغزلان متى يكون ألضريح مهيئا لإحراق مدن شيدتها هجرة موسم ألظلام على سواحل لمياه جافّة تبعث صديدها متوّجا بالزمرد أو بالخفافيش لافواه تقظم ألأنامل لتستريح ربع وقت وتغادر، بمعنى تغادرراحتها، لنخلد لقظم ألأعضاء ألأخرى.. وفي ألسراديب ينتبه ألظلام يحدّث بوجه يبدو غير مستعار عن شمس تعشقه أو يعشقها، لكنّ لتلك ألعين ما يوخز كالمطبات، كالركض.. نعم عندما يتسنّى للحقول أن تلامس ألأقدام.. وألدخان عجينة يصنعون دمى يقتلونها، على إعتبار إنها غير صالحة للحب.. وألمآذن تنصرف عادة لتجلب ألغبار نقيا من الطهر، لأن ألكحول رديء ألسلوك و(سدهارتا) وحيد بين ضجيج ألظلام وعبيء ألمساومة حول إلتقاء ألفجيعة.. هكذا تبنى ملامحه وهو يفترض نظرة ألآخرين جزافا والطبيعة ساحرة تماما... فقد آن لبطل إسطورتنا أن يتداعى من فرط ألإنتظار وألأصوات.. تتلوّى ألأصوات على السطوح، ألأسرّة، ألفناجين..... أصوات ألراكضين خلف بعضهم، يفتّشون عن ألظلام.. كوّة ألمساحيق.. جمهرة ألاقاويل.. يتسربلون، لأن ألوقت عصارة تهضم، وهم يعلمون مالذي ترمي إليه حركة أي شيء، تقوّسات في ألطين، أو حسرة تستمر في ألتأويل.. ولكي لا يختلف الجمع بلون ألطواويس، يلجأون لنار باردة، أو يحدّقون بالمرايا، يطالعون صورا لنا أو لنا.. وعند ألضوء نلوذ بالإقباس ونحدد باطراف ألأصابع مدنا نطلق عليها حروف أسمائنا، ليظهر فوق إنغلاق ألجفون لون ألمياه ولون إنشغال ألظلام بالعقم، ووضع لمسات اولى لمصاهرة ألبرك أو معاشرة ألديدان، ديدان ألمقاهي والتبغ، ديدان ألسراديب، تأكل لحم ألظلام، وتؤجل حاضرها لتصنع ألأمس دائما..من غيرهم يرتّل صمت ألظلام ووحشة ألمهرجان؟؟ يتسربلون تحت معجزةإسمها ألتقويم، أو إسمها ألإنطفاء.. سنوات قصيرة وتمدّ ألنساء أذرع ألتسوّل وغبشة إنهدام ألأسرة بموت ألشفق وانهيار أعمدة ألخيمة، لأن ألفتيان يتلقون ألظلمة بانعدام ألطواويس وأستفحال ألكهولة...... هموم صغيرة بقدر ألعمر وجمهرة لحروف شاخصة بين رجال ألفشل وطقوس ألتهيؤ للإ فراز.. يستطيل ألتراجع فجأة ليهدم غيوما مضرجة بالسؤال ويرمي على من تدلّى زهورا مزيفة كالنساء ويقرأ سورا لم تنزل بعد.. من غيرهم يرسم بين ألأفق والثياب خيطا من ألشك وينتهز ضحكة الفجر لرسم ألعواصف ورسم ألسياج؟؟؟ .. ليطلق كلّ حمائمه على أقصى درجة من ألهياج.. كذلك على من فقدت لبنها بأفواه شردتها ألسيول، أن تترك رداء من نسيج ألحروف على ألخارطة، والراكضون خلف بعضهم يتشممون ألحصى لشدّة ما يتّضح من سفه على ملامح ألكوكب... يتلمسون فراغا، علّهم لايعثرون على كارثة ألبهجة، وقابيل تخونه ألشجاعة فيفعل... ألفراغ يتكسّر فوق ألرؤوس فيتّضح وريد ألظلام، كذلك ألذباب والحنظل وصوت إرتطام ألأسنان... هل ثمة مايدعو للعجلة أو ألتريث؟ للبوح، للصمت؟؟ كل ألتفاصيل ملفّقة لأن ألوقت عصارة تهضم،والبكارة تمتص ّعصير ألعظام، والغذاء جمر بين ألسراويل وزغب ألجلد.. وألمسافات تفتقر لردم ألمرتفعات الـي تؤشر القناع.. ألراكضون خلف ألراكضين يتلثمون بسائل أحمر، ليقع خلف ألجدان هيكل سعيد من فرط ألموت.. صعود، ثم صعود لإرتقاء ألفجيعة، وألرمل يكتب تأريخ ألموجة، يشكلّلون بالرماد ألوان لوحة ألغروب، ويطاعون صورا لنا أو لنا.. تختمر ألأصوات في المسامع للذين يدفعون أسنانهم خارجا، يرتمون عليهم، يذبحون ألهواء فتكون الموائد جاهزة للضحك،جاهزة لمجرد كونها جاهزة فحسب.. يبيعون ألمقاعد ويسرقون ألجلوس.. أصابع للقضم واخرى تعبث بمؤخرة ألوقت، أو تسترق ألسمع خطئا وليكن لون ألوقت حمارا نؤجل فيه ختم حوافرنا ونحكي عن شيء نجهل حدّ فضاضته، يبحقلون بما هو آت منّا، يغرسون ألزلزال في ألمرآى... يتدثر ألأفق بانعدام ألطواويس ومقتل ألصوت على طريق ألبر ّ وحيدا.. وحيد بين جمهرة ألخزي وظلام ألكلمات لايصنع سوى لحظة ألموت، وللموت لحظة وحيدة تتناسل ولا تعي... وهم دائما من حول مايدور، لذا فالحمائم يغادرن ضريح ألحب في شرفات ألرماد... يتسربلون.. يتسربلون.. من غيرهم روّج لليل وصادر عطر ألطواويس.. يستفيقون من يقظتنا، يرسمون جدراننا، يعبثون باسنان ألسياج... ألآخرون سوط يجلد نسمة، سوط يضحك من شدّة ألتعب ألآخرون ظلام.. يروجوننا بيننا، يحملون برفق إصفرار أشجارنا.. تلتهب ألمصطبات ليرسم صبح غريب عن لون ألطواويس، ينشر ذبابه نحو جهاتنا، جهات ألديدان، ديدان ألمقاهي وألتبغ.. تلتحف ألنسمة بالسياط خشية ألراكضين خلف ألراكضين.. يحفرون ألثغرات كي تموت شمس قريبة.. من غيرهم دلّ عيون ألمساء لنهر ألدموع....؟؟ من غيرهم حدد تأريخ ألقفز على فراغ سائل؟... يتسللون.. طوبى للغربان بلونها ألزاهي تبشر بالعقم.. ولهم ماعلينا من تواريخ ننكرها وتتكاثر بيننا كالجذام... يولدون من إحتراقنا في نزهة خربة، يلوكون طراوتنا كي لا نعجن ألحروف لصنع قلائد ألكلام، لنسدّ ثقوب ألتصنت خشية أللافضائح.. حفنة صغيرة من الإحساس تسحب رذاذ ظلامها حين تبتلّ جبهة بماء ألتواشيح.. يقفون لننس أقدامنا دون رصيف.. لهم لعبة إصطياد ألفرائس، ولنا أن نقبّل بقايا ألضحيّة عند مساء يتكرر.. فنحلم بالعدول عن تناول ألممكن، أو ألذهاب إلى ألقمر بلا حذاء.. يملؤنا ألخضوع.. فنركل ألأرض ونستفيق من دهشة ماسخة، حيث إنعدم ألطواويس وتعليب ألظلام في جماجم صفر.. يبذخون بالعدو خلف ألجنائز، وينسون ما يذّكرنا بإنصراف أللحظات.. يتركوننا على أرض مالحة بلا قمر وحيد.. و(سد هارتا) ذلك ألمهذب ألمفجوع يغيّب رأسه بتجاه قبلة ماسخة، ويقرأ سورا لم تنزل بعد.. لأنهم يعلمون مالذي ترمي إليه حركة أي شيء.. إنغلاق ألجفون لرؤية ألنساء والضخور ألصالحة للشرب، أو ألنهوض بأقصى حالات ألأفق لرسم ألسياج، حيث تزدحم ألأقدام لطبع بصمات ألجريمة على براءة ألله.. يتسربلون متّشحين بالعصافير أ, بانتهاك طلعة ألشمس، ليتركوا مياه جافّة على ألخارطة... يسفّهون ألتجاعيد معترضين مياه ألزنابق ألآتية من عيون ألنساء ألمثخنات، يلوكون جثة فارهة ويقذفون مطر ألسواد على أبراج ستولد، يحمّلون مطايا ألعصر أزهار ألدخان وشعيرات ألأبط حين تنصرف ألملائكة للتغوط.. من يبعثر ألتواريخ؟ من غيرهم يصنع درب ألتأوه، أو يضع حجراعلى درب كي تجيء شرفة من تواريخ النزوح إلى سواحل حالمة.... يصلون دائما لمفترقات يرسمونها على صلبان ألإنتظار،على أن يجيء صوت ألتشرّد حالما تنتهي ألمعجزة.. هذه زهرة ألصوت تمتطي فراغهم،، يدفعونها إليهم، إلى جهاتهم ألمجهولة.. مسلوخ وجه ألحدائق، يرتدون ألفضائح ألمالحة في أعياد ألموتى، يقذفون ألحرائق في ألرئات ألباردة، حين تموت ألألوان في سجلاّت ألقداسة ألمنتهكة.. ألحب غدا إسطورة في زمن يبحث فيه ألظل عن جرادة واحدة.. هذه زهرة ألصوت والرماد وألأنامل ألمجرّدة( مقبرة تنمو ورؤوس ألأولاد تدلّت منها أحلام كانت أنثى وخرائط كانت عمياء، مرّوا في درب حروف، فكانت كلمات ألله بكاء ).. إنصرف ألجمع لسرد حكاياخربة، حول نزوح نزوح جياد باغتها مطر أسود في فجر أصفر.. محتمل أن تسقط جثث لرياح تأتي من جهةألأقصى، فيعدّون أصابعهم من أجل سلامة وجه ألشيطان.. هم يظنّون ألشمس وصفار ألوجنات وقتل ألصدفة وسخونة كلمات ألتجريح في لقاء ألحب ألعابر وشرب ألحجارة عند ألضرورة وألبوح للفراغ بتأثير إمراة فاتنة.. هم يظنوّن بالفعل ما للاشياء من صديد وصدود ضدّنا.. هم لايظنوّن شيئا سوى ما يظنّون، لأنهم عند ألتسربل في ألطرقات ودماء إلصغار، يجعلون ألصلاة في أوقاتها وألسلالم ت}رجح أقدام ألتواريخ ألمنصرمة ألتي ستولد.. يتسربلون عند ألولوج، أو يتوسدون أحلاما مزقّتها جيف ألوسائد.. ترتمي ألأكاليل على وهم ألقبور حين يضيع عطاس ألظلام في ليالي ألبرك ألمتدلية... ألأنفاس معجزة لديدان ألحرائق وألملابس ألمحشوّة بفتنة أللحم ألمتفسّخ تقود لعكّاز فاره سينجو من إختناق أكيد بين ألأبطين.. تمدّ الثعابين أقدامها لرسم علامة ألصليب، كذلك تموت ألشفاه عند رسم ألقبل.. لأنهم يحفرون ألهواء لتختفي أوصال ألمتحمّسين للفضائح.. كن هكذا أيها ألصوت... كبيرا..... وافيا.. مستسلما.. لربما تختفي منافذ ألعبور فجأة ويضيع سخام , تستدل شرفة لعطر الطواويس.. ينشرون صورا لنا على حبل ألغسيل، لجمع ألغبار طيلة أميال من ألسنين، يجذبون ألفقاعات لحصاد مزرعة ألشوك... ألوجوه ملفّقة والأنامل مهيأة للقضم.. وهم على إستعداد لحمل جثّة ألوقت وعرض ألفضائح في ألدكاكين أو عيون ألصغار.... يفضحون مواكب ألفراغ ويبعثون للأخرين أطيافا من ألركض والإنتحار،، يرددون للريح أن تستريح من ثقل ألجسد.. تتآكل ألمنصات وتهدأ ألمعجزات ألنافقة دون وعيّ منهم.. ونزحف كعادتنا ألى وهم من حرية قليلة، كأن تكون بكاءا أو حوارا باردا عن شيء مؤجل في ألغروب.. يداهمون ألخمائل لينتحر ألماء بين أيادينا ألقديمات... لا طائل من غيوم ستأتي أو مساء مشرّد لجمع أقدام على رصيف سينمو.. قال شيخ طاعن بالحرب... لابأس يبعدونني إلى حجر في ألمحيط، فهناك صبح حدّثني عن موعد ما، عن جرح سيسخر من طقوس ألراكضين خلف بعضهم... قال شيخ توهم ألشمس،، لابأس، يبعدونني لأكون أكثر قربا.. ياللفراغ ألمكسور، ياللمعجزة.. ياللصدق ألمعلب بأقفاص الجماجم.. كلّ ألمسالك ألتي تؤدي إليهم، لا تؤدّي إلاّ إليهم.. يتأقلمون في ربوع موزّعة لإنعدام ألطواويس.. الصخور تضحك، آنذاك تلتهب ألمفارق لنسخر من أقدام يخنقها غبارألطريق أو فضائح الجدب، ونقرأ سورا لموت قمرنا ألوحيد الضائع ألصيت،.... ياللهشاشة.. كذباتنا ذاب عويلها في صهيل ألنهار، وعدنا نسامر شمسا أو ترابا قديما.. تكدّسي يا شمسا سوداء.. آن لنا أن نعيد إصطفاق ألباب خلف جثتنا ألقادمة تحت ثقل من رياء ونفوذ لايأت.. آن لنا أن نكوّر صوت اليمام، وندحرج ألمواعيد للنهاية.. للنهاية ألتي سوف تولد حتما لإجل أولاد لايموتون بلا سبب، ولاينهزمون لسبب رثّ، ولا يتركون ألأغاني تنوح دون نوافذ تشرق وتترآى في عيون تتكاثر على مر ألدروب..............................................................................لم يكن ذلك إلاّ صوت مجنون.. وراح يخطو.. ون.. تو.. ثري.. إنتصب واقفا ياألله... أكتفي بهذا ألقدر من ألثرثرة، سأعود لفرصة أخرى، لأقول ألمزيد عنهم هم الذين مهدّوا لنا ألطريق على أن نتكاثر مع ألذباب.. سوف يأتي يوم ونضحك.. تأكد.. هه...... إنطلق بعدها في زحام ألمارّة رشيقا.. يقذف كلماته على ألجانبين.. أزرع في رحم الشارع مرارتي متآخيا مع ألأفق، أدنو منكم.. أدنو.. أدنو.. يا أوراقي ألتي قتلها ألإنتظار.. خذوا يا أصدقاء.. هذه الكلمات.. فقط ألكلمات ستبقى وكلّهم للريح... ..... لم أعد أسمع صوت كاظم.. لم أعد.. عندما تحركت ألسماء فوق ألرؤوس.. لقد كان ألأفق نقيّا، وهو يشقّ الزحام كفارس عاد منتصرا من فرصته ألوحيدة.... أنتبه قليلا مدّ يديه باتجاهين متعاكسين وأختفى. 1991