ليندا عبد العزيز من القدس: في نهاية الاسبوع الماضي شهدت مدينة القدس، مدينة السلام، وفقا لاغنية فيروز، حفلا ختاميا لمؤتمر quot;الفن لغة الحوارquot; تتويجا للمنتدى السنوي لتعزيز اواصر الصداقة والسلام بين فنانين يهودا وعربا، من خلال فنهم التعبيري. والتحمت فيه اناشيد السلام والاخاء باللغة العبرية والعربية والانكليزية مع اثنين من عمالقة الغناء داود داؤر من اصل ليبي الذي يلقى فنه الاعجاب في كافة انحاء المعمورة، ولبنى سلامة الحيفاوية التي تهتم بالاغاني الكلاسيكية وتؤدي دويت مع عدة فنانين اسرائيليين باللغة العبرية. وغنى داؤر اغنية quot;بحلم بيكquot; لعبد الحليم حافظ، بينما غنت سلامة لحنا عبريا شاعريا بصوتها الملائكي. وغصت قاعة العرض الارستقراطية في مبنى مركز الشبان المسيحيين في شرقي العاصمة بالحضور الناشط والفعال، يهودا وعربا، يتمايلون بين ليالي الصيف لفيروز وترانيم دينية من التوراة وسط التصفيق الحار... وغمرت هذه الاجواء روح من التفاؤل والتقارب احوج ما نكون اليها، في ديارنا هذه.

سبق هذا اللقاء احتفال السلام العالمي في مدينة حيفا التي استضافت المطربة اليزت البرازيلية الاصل، التي تغني من صميم حياتها، تصوغ كلماتها وترسم الحانها بابداع منقطع النظير. وهي تدعو الى الاخاء والمحبة والسلام بين الشعوب. تل ابيب احتفلت قبل ذلك ببضعة ايام بمهرجان العود السنوي بعد ان ارفض مهرجان العود الدولي في القدس والناصرة. وها نحن على عتبة مهرجان الرقص الشعبي العربي في مدينة ايلات مقابل ميناء العقبة الاردني الذي يستضيف طالبات من عشرات مدارس الرقص الشعبي العربي في البلاد وفنانات تحترفن الرقص وتتولعن به، قدمن من كل ارجاء المعمورة لعرض فنهن. ولا نغفل عيد الاعياد في حيفا بمناسبة حلول الاعياد اليهودية والاسلامية والمسيحية الى غيرها من المهرجانات والاحتفالات.

ولا يسعني في هذا المقام الا ان ابحث عن تفسيرلظاهرة المهرجانات عموما، التي تتصدرها مهرجانات السلام- وهي تعكس ثقافة جماهيرية للمصالحة والتسامح تشمل جميع شرائح المجتمع الاسرائيلي. عشرات الالاف من المشاركين، على امتداد فصول السنة يؤومون مختلف المهرجانات حتى المتخصصة ن منها بالأكلات الشعبية، ويخيل للناظر أن هذه الدولة في اجازة صيف تكاد لا تنتهي ابدا، مما يذكرني بطريفة عربية وفيها تلميح لما سيرد لاحقا.

عاد طالب عراقي في الثانوية الى البيت حاملا معه شهادة المدرسة في ختام السنة الدراسية وقدمها الى والده للتوقيع عليها كما كان متعارف عليه. وصعق الوالد بالفشل الذريع الذي مني به ابنه في جميع حقول التعليم: الادب، الرياضيات، الهندسة، التاريخ، الجغرافيا والاحياء. غير انه توقف لحظة عندما وقع بصره على الموضوع الوحيد الذي تفوق فيه ابنه: الغناء، حيث حصل فيه على درجة امتياز. فثار غضبه وانهال على ابنه بالضرب قائلا: ولك على هذا صخام الوجه، هم عندك خلق تغني؟ اي على خلفية هذا الفشل في المواضيع الدراسية فكيف يسعفك مزاجك ان تغني؟

وعلى غرار ذلك تتعاقب المهرجانات في اسرائيل الواحدة تلو الاخرى، وكأن المشاركين فيها بمعزل عن المشاكل اليومية! فاين هي ازمة المياه والفواتير المنتفخة التي تطرق ابوابنا في هذه الايام؟ وهل نسينا اضراب مؤسسة التأمين الوطني على خلفية مطالب بمكافأة الموظفين والبطالة في شمال البلاد التي تعدت ال- 10% ناهيك عن الاوضاع الامنية حيث اصيبت مؤخرا شابة اسرائيلية بجروح متوسطة بعد ان طعنها فلسطيني، فيما قام متطرفون باشعال النار في مسجد انتقاما على قرار نتنياهو تجميد الاستيطان مؤقتا فيما انطلقت الزعامة الاسرائيلية بدون توان بالتنديد والتوعد والاوساط الامنية تسعى للوصول الى الجاني قبل ان تتفاقم الاوضاع...وفي اشبه ما يكون بأعجوبة تم ضبط عشرات الاطنان من الاسلحة الفتاكة من كوريا الشمالية في طريقها الى احدى الاذرع الارهابية في الشرق الاوسط مع احتمال كبير انها استهدفت زرع الدمار في بيوتنا.

الحقيقة ان هذه المهرجانات التي يتغنى فيها الجمهور بالسلام ويحلم بمستقبل افضل تعكس العقلية الاسرائيلية التي تعيش تحت ضغوط مستمرة تجد لها منفذا للتهوية في التجمعات والنشاطات المبرمجة. وباتت كل بلدية تعكف على ابتكار مهرجان خاص بها لاستقطاب الجماهير، على ضوء التوجه العام لدى الشعب الذي يميل الى توظيف كل ما امكنه في العمل والترفيه وقطف الثمارفي اقصر وقت ممكن، على اساس انه لا علم لنا بما سيأتيه القدر غدا. هذا التوجه متاثر بالعقلية الغربية التي تكرس كل طاقاتها لاستغلال اقصى درجات الذات من منظور زمني محدود، مما يجعل من الوقت كنزا سريع الفناء ويدخلنا في دوامة نستهلك فيها طاقاتنا دون ان تترك لنا متسعا من الوقت لتوظيف مشاعرنا في الغير سواء من الاهل اوالاصدقاء، على عكس ما هو دارج في الشرق، حيث ان الوقت في وفرة والعجلة من الشيطان. والقناعة متيسرة والجيرة متوفرة. وعجلة الزمان تدور بطيئة متأنية. أين نحن من ذياك الزمان؟ والى اين تقتادنا هذه الهرولة المتواصلة بحيث ليس لدينا وقت لأي شيء!
نحن على سباق منهك مع الزمن وما علينا الا الاقتباس من جيراننا ومن حكمة الشرق. فهل هناك من يسعفنا بمهرجان للتأني على الطريقة الشرقية؟