أَسوقُ بسيّارتي عَلى غيْرِ هُدىً..
الطَّريقُ طَويلةٌ مِن هُنا إلى الفَرح.. كَمْ من خَيْبةٍ تَلزم حتّى أُحسُّ بِه يُعربِدُ في جُوّاي؟؟
.. ما زالَتْ الطُّرقات تَحتفِظُ بصَدى المُظاهَرات،والزُّجاج المَكسور وَالحِجارة عَلى الأِرْض..
رمادُ الأعلامِ والأحلام المَحروقة.. وصُوَر لرُؤساء دُوَل لا نَعْرفَهم إلاّ حينَ يُنَكّلونَ بأَعدائِنا فنَحْتَفي بهم.. أوحينَ يُنَكِّلونَ بنا فَنُنَكِّلُ بهم.. وَدَمعاتُ وَطنٍ لمْ نَحتَرِف إلاّ الصُّراخ بإسْمِه في المُظاهرات، وَإقامَةِ مهْرجاناتٍ تُمجِّد شُهَدائه وَنَدْبُك مِن أَجْلهم دونَ أنْ نَتذكَّرُ أسمائهُم...!!
...
quot; بـيـب..!!! quot;
يَعْلو زامُورٌ خَلْفي ، وَصوْتُ صُراخ السَّائقِ وَشتائِمه عَلي..
- غبي!! عاليمين عاليسار.. حدِّد!!
أُردّدُ بصَوْتٍ خَفيض..
- هااا! طالَما كُنْتُ مَع اليَسار؟؟!!
.. أُكْمِلُ سَيْري
وَتتراقَصُ أَحْداث حَياتي أَمامي مِثْل عاهِرةٍ رَخيصة..
أَهي الأَحْلامُ التَّي تَسْبحُ في اللَّعنة.. أَمْ الخَيْبات التَّي يُوزِّعُها إِلهٌ أَرْعَن..؟؟
أَمْ بَقايا وَجعٍ تَوضَّأت بِه الذَّاكرةُ ذاتَ مَطر.. وَغَيْمةٍ عَمَّدت الجَسدَ بحُمّى النِّضالِ وَالفِكرةِ التَّي لمْ نُتْقِنها يوماً، وَلكنّا كُنّا دَوْماً نُبارِكُها.. !
سَنَواتُ العَمل الحِزْبي..وَالإِجتِماعاتِ في بُيوتِ الرِّفاق.. وَكِتابَةُ المَنْشُورات على دُخان السِّيجارُ الرَّخيص وَالويسكي المَحلي وَأنغام الأُغْنيات الجَميلة.. سامي حواط خالد الهبر وَالرَّفيقاتِ الرَّقيقات...
الجَريُ في الأَزقَّةِ الضَّيقة خَوْفاً مِن سِياط الحُكومة.. وَساعاتُ الخَوف..
لَحَظاتُ النِّضالِ لأَجلِ quot;الفِكرةِ وَالإِنْسانquot;..
كَيْف يُمْكِنُ اخْتِزالَها جَميعها في ماضٍ حزْبِيٍّ بَغيض..!!
( تَفَضَّلوا بِقُبولِ اسْتِقالَتي..)
نَسْتَقيلُ مِنَ الأَحْزاب دُونَ أَنْ تَسْتَقيل َ ذاكِرَتُنا..
نَحْنُ ما اشْتَهيْنا إِلاّ وَطَن.. وَهُمْ أَرادُوا مَلكُوتُ الله..
أُحِسُّ بِملحٍ يَفُور عَلى وَجَعي إذْ أَتَذكَّرْhellip;
كُنْتُ أَضيع، وَأَشْرُد مِنَ بَلَدٍ إلى بَلَدْ..
وَاليَباسُ يَتسَلّلُ إلى الرُّوحhellip;
وَألْهثُ وَراءَ اللَّون القُرمزي، وَأكاليلِ الشَّوكِ..وَالبَحثُ عَنِ الفِداء..
جُدْران السِّجنِ وَأرْصِفته وَالبَساطيرُ التَّي تَدوسُ رَأْسي..
وَعَيْناها hellip;!!
أَعْتَرِف الآنْ أَنَّهُ في تِلْك اللَّحظةِ حينَ جَرُّوني مِن رَقَبتي أَمام كُلِّ الطُّلاب في الجامِعة بَعْد المُظاهَرة وَأشبَعوني ضَرْباً..أَعترِفُ أنِّي لمْ أبْكِ خَوفاً أَو ضَعْفاً..أَوْ حتّى انْهِزاماً
-كَما قالوا-
فَما الذَّي يُجْبِرُ رَجلاً عَلى تَجاوزِ كُل مُحَرَّماتِ الرُّجولة ليَسْكُبَ مِنْ عَيْنيهِ دَمْعَةً تأْبى أَنْ تَسْقُط في زَمنٍ سَقطَ فيه كَثيرين؛غير دَمعةٍ عَذْراء مِنْ عَيْني اِمْرأةٍ أَحبَّها؟؟!!
لمْ أَشْعُر يَوْمَها أَنّي صَغير وَمَهْزوم إلاّ أَمام دِمْعَتِها!!
كَمْ مَضى عَلى ذلك؟ ثَمان..عَشْر سَنوات!؟؟
.. الدَّمْعةُ في عَينيها نَدِيّة كَأَنَّها الآن..
أَسْتَغربُ كَثيراً مِمَّن يَذْكُر جُدْران السِّجون وَشَكْل قُضْبانِه وَحَتّى الحَصى المَرْصُوف بِأَرْضه وَيَنْسى تَقاسيمَ إمْرَأةٍ ارْتَجفت بَيْنَ يَديْه..!!
إمْرَأةٌ واحِدة قَدْ تَمْنحُكُ الإِحْساسَ المُوجِع بالهَزيمة التَّي لمْ تَعِشْها يَوْماً في ساحَةِ حَرْب أَوْ جَلْسةِ حِزْب أوْ حَتّى مُعْتَركُ سِياسة!!
..
ما زِلْتُ أَقُودُ سَيّارَتي عَلى غَيْر هُدىً
الطُّرُقاتُ تَتَشابَهْ.. السّماءُ تَصْغُر وَ الفَضاءُ يَضيق..
وَالوَطنُ يَتَهاوى..
وَحْدَها الأَحْزابُ مازالت حَبْلى بالرِّجالِ.. وَالخَيْبات..
أَشْعُر بِرَغْبةٍ في كِتابةِ قَصيدة..
كَمْ قَصيدة رِثاء يَحْتاجُ الوَطنُ في حَفْلِ تَأْبين!!!
أَتَوَقّفُ بِسَيّارتي عَلى حافَّةِ الطَّريق..
وَأَتوقَّفُ أَنا عَلى حافّةِ الذَّاكِرة..
أُمْسِكُ قَلَماً وَوَرقة صَغيرةٍ..
وَأَشْرعُ بالكِتابة..