تتمهل وتتحسس موضع لقدمها علي السلم كانت تخشي أن تسقط وتحدث ضجيجا يوقظ أهل البيت. ويسألوها اين ذاهبة في ذلك الوقت من الليل؟ هكذا حدثتها نفسها وهي تخطو خارج باب البيت لم يكن هناك سوي سحابة سوداء من الكلاب الضالة تتحرك في الظلام، كانت هي الاخري بجلبابها وطرحتها أشبه بسحابة سوداء صغيرة، تمشي بطيئة مقوسة الظهر كأنها تحمل مرارات أعوامها الستين، كان الصوت الوحيد الذي يخرق ستر الليل قادم من قهوة صغيرة في أول الشارع تعرفها جيدا.. فيها كان مكانه المفضل مع أصحابه في ركن القهوة من الداخل. في البداية كان يذهب مساء كل يوم ليجلس فيها بعض الوقت ينفرد بشيشته وأصدقائه وكانت هذه الجلسة تطول يوم الخميس، ومنذ خمس سنوات أصبح هذا هو مكانه دائما لا يتركه سوى للغداء في النهار وفي المساء للنوم. لم تكن اسعد أيام حياتها ولكنه كان بجانبها حتى رحل قبل ان يصلا سويا الي النهاية. لم تعد تلتفت إلي نبح الكلاب أو الأصوات القادمة من القهوة، تتحسس صدرها لتتأكد من وجود الأوراق، يقع بصرها علي سيدة تلتف في السواد، حدثتها نفسها أنها ذاهبة أيضا، لا يمكن ان تسبقني، تحث الخطي، وقد وضعت يدها علي صدرها، أخير وصلت، المبني كله مغلق. أمام شباك بقضبان حديد فوقه كلمة معاشات جلست مسندة ظهرها للحائط ورأسها بين يديها الموضوعة علي ركبتيها، تنبهت علي صوت أقدام لتجد تلك السيدة أمامها، قامت وقد فردت ذراعيها علي الحائط كمن يحميه ولفت بجسدها، وجهها اصبح يلامس قضبان الشباك المغلق، بدا بعض الناس في التوافد علي المكان ولكنها ما كانت لتترك مكانها بأول الصف.