هدي ياسر: ثمة حفل في الداخل.. وحفل في الكلمات أيضا
عبدالله السمطي من الرياض: تظل العلاقة الوجدانية بين الأنا والآخر، في حميميتها أو توترها، هي المهاد التجريبي الأول لخلق حالة شعرية تنداح في شكل شعري معين، وفي ظل ذلك تسعى الشاعرة السعودية هدى ياسر إلى رسم آفاق هذه العلاقة في ديوانها الشعري الأول:quot; ثمة حفل في الداخلquot;. الديوان ينبىء بمرحلة شعرية متقدمة في فضاء القصيدة النثرية، ويؤذن بالقول إن ثمة رؤية حقيقية تنساب في داخله وعمقه.
لم تعمد الشاعرة في هذا الديوان إلى كتابة سطوح الأشياء، او مراقبتها، ورصدها، لكنها سعت إلى تأملها واستقصائها في أفق هذه العلاقة الوجدانية. الحب يتسرب بين الكلمات، الحب يفاجىء الأشياء، يعيد مهرها بالحنين، أو الفقد، أو القلق أو التوتر، لكنه يبقي على خيط شعري مجذوب دائما إلى التأمل والسؤال.
يضم ديوان quot; ثمة حفل في الداخلquot; لهدى ياسر الصادر عن quot; طوى للنشر والإعلام ndash; لندن 2009quot; عددا كبيرا من النصوص القصيرة الفلاشية، تنضوي تحت خمسة عناوين رئيسية هي: أطرد الهواء من بيننا، علبة سجائر مثلا، مذاق الأرز، بهلوان الليل، خطة النساء.
تستهل هدى ياسر بنص:quot;حالاتquot;:
لم نكترث للعيون،
كانت تحملق، وكنا نضحك
الرمال لم تكن سوى حرير أعد لنا
انفعالات الموج
زخات عطر تبللنا
حينها فعلناها على الشاطىء
ولم نكترث.
هدى ياسر تسعى لصنع مجموعة من اللقطات في كل نص. نصها الشعري القصير لقطة من تأمل، لا عناية كبيرة باختيار لغة انفعالية عاطفية أو رومانتيكية محددة. العناية باللقطة التي تتأمل أو تسأل أو توجع، هكذا كما في النص السابق، نص خارج رقابة العيون، وفعل على الشاطىء يتحدى.
وهنا يصبح للأشياء، صغيرها وكبيرها معنى ما، الضحكة، الكلمة، الزهرة، الرمل، الهاتف، الصوت، الضوء، فquot; اللوحة الضخمة على شباك معقد، بالمصادفة تبين أنها تصلح كمخبأquot;. ولا تغيب كتابة الجسد عن نصوص هدى ياسر، في جرأة جديدة للشاعرة السعودية التي تسعى للتعبير عن المكنونات المغيبة للإنسان، وتستأثر نصوص كثيرة بهذه الجرأة كما في quot; بدايةquot; وquot;فراغquot; وquot; اقتحامquot; وquot; حبيبي قال هذاquot; وفيه: quot; لست ككل البنات، أنا وفية عاشقة أبدية، لي نهدان رضاعتهما تعني كأس خمر، وأنا سمراء أبتكر الفصول، حبيبي قال هذاquot;.
نصوص هدى ياسر تأخذنا إلى تجربة شعرية جديدة في فضاء اللحظة الشعرية السعودية الراهنة، خاصة أنها تكتب بدقة، وجرأة خاصة في نصوص quot; مذاق الأرزquot; الذي تقدم فيها الشاعرة لوعتها الذاتية، عبر مشاهد أكثر حميمية وأكثر تفاعلا مع جماليات الأشياء.

صلاح القرشي وروايته الثانية quot; تقاطعquot;: الكتابة بدقة
quot;فرحان العصquot; هو بطل الرواية الثانية للكاتب صلاح القرشي:quot; تقاطعquot; (دار وجوه، الرياض 2009) يستهلها قائلا:quot; وحدها تلك الحادثة الغريبة هي ما جعلني أهتم بالعص وحكاياته، أصبح فرحان العص محور اهتمامي وتفكيري، فما فعله أسعدني مهما حاولت أن أقنع نفسي بأنه عمل شرير وانتقامي. ربما كنت أتوق إلى فعل ذلك بنفسي. كم أبدو شريرا أحيانا، كم تضطرم في داخلي مشاعر متناقضة ومجنونة، اشعر مثله بالفقد، بل وأشعر بالغيرة والحسد، يبدو لي وكأنه أكثر شجاعة وجراءة منيquot;. تقع رواية:quot; تقاطعquot; في 019) فصلا تتناول هذه الشخصية المفارقة. والمسعد في الكتابة هنا أن صلاح القرشي يكتب بدقة، فالكتابة عند القرشي كتابة نوعية، لا كمية، في روايته الأولى:quot; بنت الجبلquot; كتب عن الأماكن القديمة المنزوية في مكة المكرمة، عن الشخصيات البسيطة المهمشة. الرؤية نفسها تطل من روايته الجديدة.
القرشي أصدر قبل الروايتين مجموعة قصصية بعنوان:quot; ثرثرة فوق الليلquot; مستلهما عنوان رواية نجيب محفوظ الشهيرة، لكنه لا يثرثر بل يكتب بدقة ويسرد بحيوية.

طارق الحيدر عندما يدخل حلة العبيد
كان من المتوقع أن تثير رواية:quot; حلة العبيدquot; (دار طوى ndash; لندن 2009) التي كتبها الروائي طارق الحيدر شهية القراء والنقاد للكتابة عنها، واستشكاف العوالم التي تقدمها، فالواية تناقش مسألة شائكة وهي:quot; العنصريةquot; في المجتمع، بيد أن ذلك ربما يأخذ طريقه ndash; كعادة الروايات الجادة ndash; إلى الصدفة حين يعثر ناقد ما على نص ما ويعيد تنقيبه واستكشافه.
صدرت رواية الحيدر متخذة من اسم مكان في الرياض عنوانا لها، لكن الرواية تدور في أجواء بعيدة عن هذا المكان الذي يقطنه الفقراء من ذوي البشرة السمراء من الأصول الإفريقية، الرواية تصور العلاقة بين quot; يوسف quot; السعودي، وquot;رجاءquot; الموريتاني، وترصد تداعيات الرؤية العنصرية من خلال العلاقات التي تقيمها الرواية.
وعلى الغلاف:quot; لم يكن يوسف عنصريا أبدا، هو أبعد ما يكون عن ذلك، ليس أفضل من خضيري أو عبد، بل حتى أنه ليس أفضل من شخص غير سعودي. إلى هذه الدرجة هو متقبل للآخرينquot;. تقع الرواية في 157 صفحة، وتتضمن 20 فصلا روائيا، وقد استلهم المؤلف عناوين فصوله من الحياة اليومية، ومن مانشيتات الصحف، مباريات الكرة، والمواقع الالكترونية مثل: عفوا، الموقع المطلوب غير متاح، تخطيط علمي مدروس، ضربة حرة غير مباشرة، الوقت بدل الضائع.
الرواية تتضمن كشفا للمسكوت عنه، ورؤية جديدة لطبقات المجتمع ومفارقاتها.