محمد الحمامصي من القاهرة: أكد الناقد الكبير د.جابر عصفور في كتابه الجديد quot;في محبة الشعرquot; الصادر عن الدار المصرية اللبنانية هذا الأسبوع أنه يحتفي بالشعر لأننا نحتفي بالإبداع، ونحتفي بالإبداع لأننا نحتفي بالحياة في تطلعها إلى الغد، وقال: كل إبداع بحث عن الممكن، وسعي وراء ما يظل حافزا للخيال على التطلع إلى المستقبل الذي يلوح من وراء الحاضر كالوعد. ولذلك كان الشعر، كالإبداع الذي هو منه، قرين الحرية ونقيض الضرورة، وليد السؤال الذي لا يرضى بالراهن، وابن اللحظات الحدِّية التي تجمع ما بين الأزمنة في زمن التحوّل الذي يرى في مرايا الحاضر ما ترهص به أخيلة المستقبل.
وتساءل د.عصفور هل كان ذلك البعد من الشعر سبب الوصل القديم بين الشعراء والأنبياء؟ وأضاف: الأمر ممكن، فالنبوة تنطوي على معنى الكشف عن الغيب ورؤيا المستقبل. ولولا ذلك ما نبهنا الفيلسوف العربي أبو علي بن سينا إلى أن الشاعر في القديم كان ينزل منزلةَ النبيّ، فيعتقد قوله، ويصدّق حكمه، ويؤمن بكهانته، مؤكدا المعنى نفسه الذي قصد إليه، بعد ذلك بقرون، الشاعر الإنكليزي بيرسي شيللي عندما أخبرنا، في دفاعه عن الشعر، أن الشعراء كانوا يدعون مشرعين أو أنبياء، في فجر العالم، لأن الشعر يضم هاتين الصفتين ويجمع بينهما، فالشاعر لا يشاهد الحاضر فحسب كما يتراءى بعمق، أو يكتشف القوانين التي تنتظم الأشياء، وإنما يرى المستقبل في الحاضر وأفكاره هي بذور أزهار الزمن الحاضر وثماره اللاحقة في آن. والشعراء مرايا تنعكس عليها الأشباح الهائلة التي يلقيها المستقبل على الحاضر.
وليس من الضروري أن نمضي مع شيللي وأشباهه في الإعلاء الرومانتيكي من شأن الشعر، إلى الدرجة التي ننزل بها الشاعر منزلة أشرف العالم وأفضلهم، فالأهم هو تأكيد الدلالة التي تصل الشعر بالمبدأ الإبداعي الذي لا يكف عن التطلع إلى المستقبل، لأنه مبدأ لا يكف عن التأمل في عالم يظل في حاجة إلى الكشف، كما يظل في حاجة إلى الاكتمال الذي لا يتحقق في تمامه قط. هذا المبدأ الإبداعي الذي ينطوي عليه الشعر هو ما يجعل منه، بحق، بذور أزهار الزمن الحاضر وثماره اللاحقة في الزمن المستقبل.
وكشف د.جابر عصفور أنه عندما نتحدث عن شعرنا العربي، من هذا المنظور، فإننا نتحدث عن الحضور القديم الجديد لإبداع الحضارة العربية، سواء في تطلعها المتكرر إلى المستقبل في كل حركة من حركات تجديدها، أو في تأكيدها وعي المستقبل بكل تجربة طليعية أنجزتها، وذلك في ميراثنا الخلاّق الذي يؤكد روح التجريب والمغامرة، تلك الروح التي ورثنا بعض عنصرها المتقد، إلى جانـب ما اكتسبناه، عن أسلافنا الشعراء الذين سعوا إلى إدراك laquo;ما لا يتحرى بالعيونraquo;، وجربوا كثيرا وكثيرا كي يصلوا إلى نظم laquo;واحد في اللفظ، شتى في المعانيraquo;، مؤمنين بجدوى الشعر التي آمن بها ابن الرومي عندما قال:
وَمَا الـمجْدُ لَولاَ الشِّعْرُ إِلاَّ مَعَاهِدُ وَمَا النَّــاسُ إِلاَّ أَعْظَــمٌ نَخِــرَات
ولم يكن من قبيل المصادفة أن تحتفي الحضارة العربية بالشعر، دون غيره، وتضعه في مقدمة فنونها، وتجعل منه laquo;ديوان العربraquo; الذي يجمع مآثرها ومفاخرها، معارفها ومداركها، لأنها وصلت بين قدرة الشعر على تجسيد الذاكرة الإبداعية للأمة في ماضيها، وقدرته على الكشف عن وعود الزمن الآتي في مستقبلها، فكان الشعر علامة هذه الحضارة وهويتها الإبداعية. كما كان الشعر، في الوقت نفسه، سمة تجدد هذه الحضارة، وآية قدرتها على الحوار مع نفسها، في حوارها مع غيرها من الحضارات. وظلَّت الحياة المتجددة للشعر العربي قرينة قدرة التجدد في الحضارة العربية، لم تتوقف هذه الحياة، أو يتقلص دافعها الخلاّق، إلا عندما تعطلت قدرة التجدد في هذه الحضارة، وفقدت جرأة التقدم وسماحة الحوار ورغبة المغامرة وغواية التجريب.
وأوضح د.عصفور: ليس أدل على ذلك من أن الحضارة العربية، في لحظات ازدهارها، ربطت بين الشعر ومعنى المعرفة التي تتجدد بها الحياة، ووصلت بينه ومعنى الحكمة التي يعمر بها الكون، وذلك منذ أن أطلقت هذه الحضارة على laquo;الشاعرraquo; اسم الشاعر لأنه يفطن إلى ما لا يفطن إليه غيره، وجعلت كلمة laquo;الشعرraquo; دالة على laquo;الشعورraquo; الذي هو المعرفة والدراية والخبرة الجديدة، فظلّ الشعر، عند العرب، علما لا علم فوقه على نحو ما روي عن عمر بن الخطاب، في دلالة غير بعيدة عن الدلالة المضمنة في القول المنسوب إلى عبد الله بن عباس: تعلموا الشعر فإنه أول علم العرب ومنذ أن تحدث أبو تمام عن الشعر الذي لولاه ما عرف بغاة الندى من أين تؤتى المكارم، وعن القصيدة التي تتجدد بها الحياة في دورة الخصب والنماء، فإن الشعر يواصل حضوره الخلاّق في الحياة العربية التي بادلته رغبة التجدد، ويواصل الشاعر العربي المجدّد الحفاظ على النار المقدسة التي ورثها عن أسلافه، تلك النار التي ظل ينفخ فيها من روحه الخاص ما ظل يمنحها طابعها الفريد في كل محاولة. ولذلك حفظ الشعر العربي المعنى الموجب للتقاليد التي وصلت اللاحق بالسابق وصلت الإضافة، ووصل الحضور المتجدد الذي يتأبى على جمود التكرار ووخم التقليد. وكانت التقاليد الشعرية، في هذا البعد، نقيض التقليد، والوجه الآخر من أوجه الابتداع الذي يقاوم الاتباع.
وقال د.جابر عصفور: هكذا ظل الشعر العربي، في تجدده المتصل أو المتقطع، شبيها بحضور العقل الذي وصفه أحمد شوقي، في قصيدة من قصائده، بأنه قديم الشعاع كشمس النهار، جديد كمصباحها الملهب، لأنه يؤكد معنى الانفصال في الاتصال، ومعنى الإضافة في علاقة اللاحق بالسابق، ومعنى الحضور الذي هو توتر بالوعد. ولذلك فإننا عندما نحتفي بالشعر، في سياقنا العربي، نحتفي بالإبداع القديم كشمس الوجود العربي، وبالإبداع المتجدد كمجلى الشمس المتغيرة كل صباح.
هذا الحضور القديم الجديد، المتصل المنفصل، هو مفارقة الشعر العربي التي تجمع علاقاته ما بين المؤتلف والمختلف، المتقارب والمتباعد، فتعلمنا إمكان الجمع بين الأجيال المتباعدة والتيارات المتعارضة، في أفق الحوار المتفاعل بين الأطراف المتكافئة، وفي دائرة وحدة الحلم الذي ينطوي على تنوع الوسائل المتعددة في الوصول إلى وعد المستقبل. ويعلمنا هذا الحضور نفسه معنى آخر من معاني الوحدة القومية للثقافة العربية التي ينبغي أن تقوم على تعدد الأصوات لا الصوت الواحد، وعلى التنوع لا التنافر، وعلى التسامح لا التعصب، وعلى تعدد المراكز لا المركز الواحد الأحد، فالتعدد والتنوع والتسامح، كالحوار والتفاعل والتبادل، هي بعض طرائق الثقافة في تحقيق وعد المستقبل الذي يحلم به كل الشعـراء.
وأشار د.جابر عصفور إلى حاجتنا إلى تأكيد هذا الوعد في هذه الأعوام التي يحاول فيها البعض الرجوع بنا إلى الماضي الجامد، وحجب أنوار الاستنارة عن حياتنا الحاضرة، والحكم علينا بالسجن الأبدي في سلاسل الاتباع والتقليد التي هي سلاسل التبعية والتخلف. وحاجتنا إلى الشعر، في معركتنا مع هذا البعض، هي حاجتنا إلى أنوار الإبداع الذي يسهم في القضاء على الإظلام، وهي حاجتنا إلى الحرية التي تقاوم الضرورة، والابتداع الذي يقاوم الاتباع، والابتكار الذي ينفي الحضور الجامد للتقليد، لأنها حاجتنا إلى المستقبل الذي يتولد من توقد السؤال وانطلاقة المغامرة وحيوية التجريب. واحتفاؤنا بالشعر، في هذه المعركة، احتفاء بمبدأ الرغبة الذي يحرر الروح والوجدان والعقل والحاسة، ويندفع بنا في تلهب التمرد على كل ما يحول بيننا وبين انطلاقة الحلم. يحدونا في ذلك إيمان عميق بمستقبل مختلف للشعر، هو بعض إيماننا بمستقبل مختلف للثقافة العربية كلها، لأنه بعض إيماننا بقدرة الطاقة الخلاقة للإنسان، في كل مكان، على التجدد والتحول والتغير. هذا الإيمان العميق بالمستقبل علامته إبداعنا العربي المعاصر الذي يتمرد على جمود عناصره، ويتحرر من القيود التي تكبله لينطلق في الآفاق اللامحدودة من حرية التجدد التي لا ينبغي أن يقيدها أحد، أو تحجر عليها سلطة، مهما كانت المسميات والمبررات، فلا إبداع دون حرية، ولا مستقبل من غير المغامرة الخلاّقة للإبداع الحرّ.
وما أحوجنا، مرة أخرى، إلى تأكيد وعد المستقبل في هذه السنوات التي نقترب فيها من نهاية أول عقد في القرن الواحد والعشرين والألفية الثالثة من الميلاد، فنقترب من زمن مختلف كل الاختلاف بين أزمنة البشرية، في مسيرتها الطويلة وأحلامها العريضة. وحين نتطلع بالشعر، وبواسطة الشعر، إلى العقود القادمة من القرن الواحد والعشرين فإننا نتطلع إلى دور مغاير للإبداع في عصر أكثر جذرية من عصور التقدم الإنساني، وإلى دور مختلف من أدوار الحدس الخلاّق الذي لابد أن يصل وصلا غير مسبوق ما بين إبداعات العلوم والفنون في الكشف عن فضاءات المعرفة التي لا حدّ لاتساعها أو تغيرها. لقد كان السؤال عن جدوى الشعر يطرح نفسه على كل مرحلة من مراحل تقدم البشرية، ومن ثم كل مرحلة من مراحل تطور العلم، على نحو فرض تعدد أشكال وألوان الدفاع عن الشعر، ولكنه أصبح، الآن، يفرض لوازمه بقوة أشد، وإلحاح أكثر، خصوصا في هذه السنوات التي عبرت بنا مطلع القرن، متطلبة نوعا جديدا من الدفاع، وصيغة جديدة من تبرير الحضور، وشكلا مغايرا من فهم الأدوار. يستلزم ذلك أننا دخلنا عالمًا يخايلنا بما لم نستعد له، أو حتى نتأهب عقليا وشعوريا لما يجعلنا جديرين بامتلاك مفاتيحه.
وقال د.جابر عصفور: إذا كان سؤال المستقبل في علاقته بالشعر، وسؤال الشعر في علاقته بالمستقبل، يفرض علينا أن نعيد النظر في الإجابات التي نمتلكها في تبرير الشعر، منذ أن طرد أفلاطون الشعراء من جمهوريته إلى ما بعد آخر الذين أطلق عليهم موراي كريجر اسم laquo;المدافعين الجدد عن الشعرraquo;، في كتابه الذي يحمل هذا العنوان، فإن إعادة النظر تعني التفكير الجذري في المشكلات التي لم تكن موجودة من قبل، والآفاق التي لم تكن معهودة، وعلاقات الأنواع التي تحولت عما كانت عليه. لقد قضى العلم على وظيفة الشاعر العرّاف الـذي يـدرك ما وراء الغيب. ولم يعد للشاعر المتأله أو المتنبئ المكانة التي احتلها في العوالم التي يعود كل شيء فيها إلى مركز واحد، هو تجسيد لمركزية اللوغوس التي نقضها عصرنا الذي ابتدع مفهوم الذات المزاحة عن المركز. واختفى الشاعر البطل المنقذ مع اختفاء الرؤية (التموزية؟) التي تستعيد عالما يقوم على مركزية الزعيم الذي يرجع إليه كل شيء في الأمة التي لا تعرف وحدة التنوع أو معنى التعدد وأصبح الشعر نفسه نوعا من الأنواع الأدبية بعد أن كان النوع الأعلى الذي لا يدنو من مقامه السامي نوع آخر. وها نحن نزداد إدراكا، في فعل الممارسة وعلاقات الاستقبال، إلى أن القصائد التي أخذت تجذبنا إليها أكثر من غيرها هي تلك التي تبين عن نموذج جديد لشاعر يسير مخاتلا، بطيئا، ضاحك العينين، لا ينتبه إليه أحد لأنه لم يعد يزعم لنفسه أداء دور الشاعر الخالق شبيه الإله الوثني، أو حتى شاعر القبيلة، أو الصورة الأخرى للزعيم الواحد الأحد، وإنما دور الإنسان البسيط الذي لا يملك سوى أن يرقب ما حوله، معيدا إنشاء كل شيء بواسطة المجاز الساخر والمفارقة الإيقاعية والسؤال الذي يتجلى من خلل الكولاجات التي تصل بين ما لا يتصل في العالم المملوء أخطاء. وها نحن نرى، حولنا، في أنواع الإبداع التي نتلقاها، كيف أن العلاقة بين الأنواع لم تعد محافظة على تراتبها الموروث، وأن هذا التراتب نقضته متغيرات التاريخ ومستجدات الواقع وتحولات علاقات الاستقبال. وقبل أن نسمع عن الكتابة عبر النوعية، وتداخل الأنواع، أخذنا نسمع، منذ سنوات، عن زمن الرواية التي سرقت من الشعر شعريته، وتحولت بما جعل نجيب محفوظ يطلق على فن القصة شعر الدنيا الحديثة، في مناظرته الشهيرة مع العقاد في أربعينات القرن الماضي، وذلك في سياق متصاعد دفع ناقدا جهير الصوت، مثل على الراعي، إلى أن يعدد من المبررات ما شجعه على أن يطلق على الرواية لقب laquo;ديوان العرب المحدثينraquo;. ونسمع، بالإضافة إلى ذلك كله، عن خفوت صوت الشعر في عصر المعلومات الذي أصبح سمــة مجتمع ما بعد الصناعة، وعن الذين يصفون غربة الشاعر ووحدته وتوحّده، في عالم تغير كل شيء فيه، وتشظّى كل شيء فيه، داخل قرية كونية، تجمع ما بين متناقضات نزعة العولمة والنزعة العرقية، وما بين تعارضات الاتجاه الإنساني والاتجاه الأصولي، كما تجمع ما بين معنى الاعتماد المتبادل ومعنى التعصب الذي لا يعرف التسامح أو حتى قيمة الاعتماد المتبادل.
وأضاف د.عصفور: إذا كان أدونيس سأل يوما: ماذا يفعل الشعر في مدن تزدهي بجدبها؟ فإن السؤال نفسه يتكرر ملحاحا اليوم، ولكنه يقترن بعشرات من الأسئلة الجديدة عن ماذا يمكن أن يفعله البذار الجديد للشعر، في عالم لم يعد فيه موضع للمطلقات أو السرديات الكبرى التي تساقطت مع الإمبراطوريات التقليدية في الشرق والغرب، عالم لا يزال يشهد امتداد كبرى الموجات الديمقراطية في تاريخ البشرية، وينتج أعظم المخترعات العلمية بأعلى درجات التقدم التكنولوجي، في الوقت الذي ينتج أعنف أشكال التعصب الاعتقادي والعرقي وأكثر أشكال الهيمنة المحدثة تخييلا ومراوغة.
وإذا كان نموذج الشاعر القديم، البطل، المنقذ، المخلص، شبيه الآلهة الوثنية، المتنبئ، تخلى عن موضعه لنموذج أكثر تواضعا بما لايقاس، وأكثر إنسانية بما لا يغيب عن الإدراك، فإن نموذج الشاعر الجديد الذي يرهص بنموذج شاعر أجدّ أصبح قرين المتسائل الذي يعرف أن السؤال أهم من الإجابة في كثير من الأحيان، وأن الشك علامة العافية في كل الأحوال، وأن البحث الذي لا يكف عن توليد السؤال من السؤال هو سر الحضور المتجدد للإبداع. وبالقدر نفسه، فإن هذا النموذج الجديد للشاعر أصبح قرين المتشائل الذي يمزج التفاؤل بالتشاؤم، مثلما يمزج الإيقاع باللا إيقاع، أو يستبدل بالإيقاع الموزون الإيقاع النثري، غير عابئ بصرخات أو تهديدات الكبار الذين صغروا أو الذين ملأتهم الشروخ، فنسوا ما كان تحرريا في ماضيهم، مستبدلين به دفاعا جامدا عن تقاليد أكسبوها قداسة وهمية. لكن الأهم من هؤلاء أن الشاعر الشاب، اليوم، يدرك، إذا كان شاعرا حقا، أنه يعيش مفرق فصول تتوتر مابين الرماد والورد، في زمن ملتبس لا يسمح بحدية الألوان أو المشاعر أو الانفعالات، أو حتى جذرية الحقــائق والأفكــار التي لا تعرف النقض، فكل ما في هذا الزمن لا يستجيب للشاعر إلا بوصفه موضوعا للسؤال الذي لا يجد إجابة عنه سوى سؤال يولّد السؤال، في سياق معرفي لا يعرف برد اليقين أو راحة الإجابة النهائية. ذلك هو الواقع الذي يواجهه الشعر، الآن، في تحوله صوب المستقبل، وفي حلمه بالمستقبل، وهو واقع ليس فيه من يقين يفيد الشعر، في سؤال المستقبل، سوى يقين القدرة على مساءلة الحضور الذي يعني مساءلة الهوية والوظيفة، ومن ثم مساءلة الإمكانات التي نتصورها محققة وعد المستقبل ولكل شاعر، ومن ثم لكل جيل، حريته الكاملة في المساءلة والمغامرة والتجريب، ما ظل منطويا على اللهب المقدس للشعر.