عبدالقادر الجنابي من باريس: هناثلاث قصائد نثر وقطعة نثرية كتبها تراكل في بداياته الأدبية عنوانها quot;وحشةquot;. قام صالح كاظم بترجمة، عن الألمانية،quot;ليلة شتاءquot;، quot;رؤيا وسقوطquot; وquot;وحشةquot;، وquot;تحوّل الشرquot; ترجمها عن الانجليزية سركون بولص. وفضلنا ان ننشر،المقدمة النقدية quot;شيزوفرينيا السرد:قصيدة النثر عند جورج تراكلquot; في مقال منفصل (بعد أسبوع)، حتى يكون للقارئ مجال للتأمل واستنتاج الأسلوب التراكلي التفردي في كتابة قصيدة النثر. نود هنا فقط ايضاح نقطتين: الأولى هي أن قصيدة quot;ليلة شتاءquot; موضوعها مستمد من حادث عاشه الشاعر، بعد ان قضى ليلة تخللها شجار في حانة قرب انزبروك، مشى الليل الشتائي كله وهو في حالة سكر شديد، تحت هطول ثلج عاصف باتجاه انزبروك، فوجدوه في الفجر نائما في كومة الثلج أمام باب بيت صديقه لودفيك فون فيكر الذي سكّنه عنده. والثانية أن كلمة quot;رؤياquot; Offenbarung في عنوان القصيدة الثانية تعني أيضا في الألمانية رؤيا قيامية وهو المعنى المراد في القصيدة حيث عدة تلميحات الى رؤيا يوحنا القيامية. لمعرفة سيرة الشاعر وتجربته الشعرية انقر هنا

ليلة شتاء

هناك ثلج قد هطل. ثملا من النبيذ القرمزي تغادِرُ بعد منتصف الليل الحيَّ المظلمَ حيث البشر يجتمعون حول نار موقدهم الحمراء. آه أيها الظلام!
زمهرير أسود. الأرض صلبة، الهواءُ مذاقه مر. نجومك تتجمع صائرةً علامات شر.
بخطوات متحجرة تخطو نحو جسر سكة الحديد؛ بعيون مستديرة، مثل جندي يقتحم خندقا. إلى الأمام!
قمرٌ وثلج مرّ.
ذئب أحمر يخنقه ملاك. ساقاك تصلان أثناء السير مثل ثلج أزرق وابتسامة مليئة بالحزن والغرور مما يعود وجهك جامدا وجبهتك شاحبةً من شهوة الجليد. أو تنحني صامتةً عِبر نوم حارسٍ سقط في كوخه الخشبي.
صقيعٌ ودخان. قميص من النجوم أبيضُ يحرق ألكتفين وعقبانُ الرب تمزّق قلبـَك المعدني.
أوه التلة المتحجرة. بسكونٍ يذوب الجسدُ الباردُ منسيا في الثلج الفضي.
النوم مظلمٌ. الأذن تتابع طويلا ممر النجوم في الثلج.
عند اليقظة، دقت النواقيس في القرية. النهارُ الورديّ يأتي فضيّا من البوابة الشرقية.
(ترجمها عن الألمانية صالح كاظم)

رؤيا وسقوط
غريبة ٌ الطُـُرق التي يسلكها المرءُ ليلا. تجولتُ نائما مارا بغرفٍ حجرية يشّع في كل منها ضوءٌ هادئ في شمعدان معدني، وحين أستلقيتُ مرتجفا على سريري أطلّ عند رأسي الظل الأسود للغريب فأخفيتُ صامتا وجهي بين يديّ البطيئتي الحركة. قرب النافذة تألقت زهرة السوسن زرقاءَ، وعلى شفة الحيّ الأرجوانية عادت الصلاة القديمة، وهطلت من العينين دموعٌ بلورية تبكي العالم المرير. في هذه الساعة كنتُ الصبيّ الأبيض في موت ابي. بموجاتٍ زرقاء جاءت الريح الليلية من جهة التلِ، وحين راحت الشكوى المبهمة للأم تشتدّ مجددا، رأيت الجحيمَ الأسودَ في قلبي: لحظة َ سكون لامعة. بهدوء أطلّ من الجدار الجبسي وجه غريب- صبي يموت- جمال عرقٍ يعود الى بيته. ببياض القمر أحتَضَنتْ برودةُ الحَجَر الصدغين، أبتعدَت خطواتُ الظل على السلالم المهدمة: رقصة ً قرمزية في الحديقة.
صامتا جَلستُ في حانةٍ مهجورة تحت السقف الخشبي المُسخّم وحيدا أشرب النبيذ. جثمانٌ مشعّ ينحني عبر جثمانٍ مظلم وعند قدمي حَمـْلٌ ميت. من زرقة التعفّن جاءت صورة الأخت الشاحبة ونطق فمُها المدمى: أطعنْ أيها الشوك الأسود! آه ما زالت ذراعيّ الفضيتان تئنان بفعل العواصف الهائجة. الدم ينزف من رجليّ الجميلتين مزدهرا في طرق الليل التي يقطعها جرذيٌ على عجلةٍ وهو يصيح. أضيئي أيتها النجوم حاجبيّ المقوسين. القلب ينبض هادئا في الليل. شبحٌ أحمر أقتحم البيت بيده سيف مشتعل، ثم هرب بجبين ثلجي. آه أيها الموت المرير.
وتحدث صوتٌ مظلم من داخلي: نِسري كُسِرعنقه في الغابة المظلمة، ما إن برز الجنون من عينيه القرمزيتين. ظلالُ شجر الدردار طوقتني، وضحكة الينبوع الزرقاء وبرد الليل الأسود، حيث أني في هيئة الصياد المتوحش لاحقت حيوانا ثلجيا، وفي المغارة الحَجَرية مات بدني.
ملتمعة ً سقطت قطرةُ دمٍ في كأس النبيذ الوحيد، وحين شربت منه وجدته أشدّ مرارة ً من الخشخاش، وأحاطت برأسي غيمة ٌ سوداء: الدموع المتجمدة للملائكة الساقطين. وبسكون سالَ الدمُ من جرح الشقيقة الفضي وهطل علي مطرا ناريا.
عند طرف الغابة أريد أن أسيرصامتا، أفلتت من يديه الصمّاء الشمس المُشعرة: غريب على هضبة المساء، يرفع باكيا بصره عبر المدينة الحجرية، حيوان بري يقف بلا حركة وسط سلام البيلسان، قلقا ينصت الرأسُ الغافي، أو سـتأتي الخطوات المترددة للغيمة الزرقاء عند الهضبة، أحجار جدية. الى جانبها البذور الخضراء يرافقها الغزال عبر الطرق الطـُحلبية للغابة . بيوت القرويين قد أ ُغلقتْ أبوابها صامتة وفي سكون الريح الأسود تأتي شكوى الشلال الزرقاء مخيفة.
لكن أثناء هبوطي عبر الطريق الصخري أنقضّ علي الجنون فصرختُ في الليل بصوت مرتفع. وحين أنحنيتُ بأصابعي الفضية عبر النهر رأيت وجهي يتركني. إذ ذاك تحدّث الصوت الأبيض معي قائلا: أقتلْ نفسك! متحسرا نهض ظلُ صبي في داخلي ونظر نحوي مستبشرا بعيون بلورية، فوجدت نفسي أهوي الى الأرض تحت الأشجار وتحت قبة النجوم.
جولة ٌخالية من البهجةِ وسط صخورٍ موحشة بعيدا عن البيوت المسائية، بعيدا عن القطعان العائدة، بعيدا تنحني الشمس المغربة على حقل بلوري وأغنيتها المتوحشة تهز المشاعر وصرخة ُ الطير المتفردة تموتُ في هدوء أزرق. غير أنك تأتي بلا ضجيج ليلا، حيث أستلقي بعينين مفتوحتين قرب الهضبة، أو مضطربا وسط عواصف الربيع. ودائما أشد ظلاما يحيط اليأس بالرأس المقطوع، ترعب العواصف المخيفة الروح الليلية، تمزق يداك صدري الذي لا نفس فيه.
حين دخلتُ الجنينة عند حلول المساء، وأنفصلتْ عني صورةُ الشر السوداء، أحاطت بي سكينة الليل السوسنية وقطعتُ في زورق قوسي البحيرة الهادئة فمسّ جبهتي المتحجرة سلامٌ عذب. صامتا أستلقيتُ تحت أشجار الصفصاف القديمة تحت السماء الزرقاء المليئة بالنجوم وأثناء موتي التدريجي ماتت في أعماقي المخاوف والالام ونهض ظلُ الصبي الأزرق مشعا في الظلام:أغنية عذبة، أرتفع بجناحين جميلين عبر قمم الأشجار والمنحنيات البلورية وجه الأخت الأبيض. بخفين فضيين هبطتُ السلالم المليئة بالأشواك ودخلتُ القاعة ذات الجدران المطلية بالكلس. بهدوء كان الشمعدان هناك يتقد وأنا دفنت في الكتان القرمزي رأسي صامتا، إذ ولدت الأرض جثمان طفل، صورة جميلة غادرت ظلي ببطء بذراعين مكسورين ومثل سقوط الحجر سقط الثلج ندفا.
(ترجمها عن الألمانية صالح كاظم)

وحشة

1
لم يعدْ هناكَ ما ينتهكُ صمت الوحشة. عبر قمم الأشجار المظلمة الأكثرُ قدما تمرّ السحب وينعكس ظلها في المياه الزرقاء الخضراء للبركة التي تبدو بلا قاع، سطحها لا حراك فيه كما لو كان في خشوع حزين، ليلا ونهارا.
وسط البركة ترتفعُ القلعة نحو الغيوم بأبراجها المدبّبة وسطوحها الخَرِبة. العشب ينتشر على جدرانهاالسوداء المشققة وأشعة الشمس ترتد عن نوافذها المستديرة العمياء. في باحاتها المظلمة المخيفة تحلـّق الحمامات باحثة عن مخبأ لها في شقوق الجدران.
ثمة ما يخيفُ الحمامات ، فهي تحلق متردد ة ً وعلى عجل مرورا بالشبابيك. تحت، في الباحة يُمكن سماع خرير النافورة هادئا ورقيقا. من حوض النافورة البرونزي ترشف الحمامات العطشى بين حين وآخر الماء.
في الردهات المتربة للقلعة يمر أحيانا نفسُ حمى عميق يجعل الخفافيشَ تحلق مرتعدة ً. عدا هذا لا يوجد ما يعكّر الهدوء.
أما قاعات القلعة فهي متربة سوداء! جدرانها مرتفعة، عارية وباردة، تتراكم فيها أشياء ميتة. من خلال النوافذ العمياء يتسرب أحيانا شعاع يتيم سرعان ما يبتلعه الظلام. هنا مات الماضي.
هنا تجمد الماضي على شكل وردة وحيدة مشوهة، يمر الزمن على ظلها بلا إكتراث.
كل شئ هنا محاط بصمت الوحشة.
2

لا يجرؤ أي كان على دخول الحديقة. فأغصان الأشجار تتشابك في بعضها آلاف المرات،فتبدو الحديقة مثل كائن حي عملاق. تحت سقف هائل من الأغصان يُهيمن ليل لا ينتهي وصمتٌ عميق. اما الهواء فهو ملئ بروائح التعفن.
أحيانا تستيقظ الحديقة من أحلامها الثقيلة. فتشع منها ذكرى ليال رطبة تملأها النجوم ومخابئ سرية كانت مغمورة بالقبل والعناق وليالي الصيف الرائعة الجمال، حيث يخلقُ القمر صورا مضطربة على الأرض المظلمة، وثمة أناس رشيقين وأنيقين يتجولون بحركات ذات إيقاع منتظم تحت أوراق الأشجار، يهمسون لبعضهم كلمات عذبة مجنونة ترافقها بسمات رقيقة واعدة.
بعد ذلك تغرق الحديقة من جديد في سباتها العميق.
على المياه تنعكس ظلال الزان الأحمر والصنوبر ومن أعماق البركة يمكن سماع همهمة عميقة وحزينة.
البجعات تطفو على مياه تتلالأ، ترفع رقابها المستقيمة الرشيقة ببطء الى الأعلى. أنها تعوم حول القلعة الميتة ليلا ونهارا.
على أطراف البحيرة هناك زهور زنبق شاحبة وسط أعشاب ذات لون صارخ، ترمي ظلالا أكثر شحوبا منها في الماء.
وحين يذبل بعضها يطل غيره من الأعماق.أنها شبيهة بأيد نسائية صغيرة لا حياة فيها.
أسماك كبيرة تعوم بفضول يَطلّ من عيونها الزجاجية الجامدة حول الزهور الشاحبة، ثم سرعان ما تغوص الى القاع بلا ضجيج.
كل شي مشبع بصمت الوحشة.

3
مطلا على هذا المشهد في غرفة مهدمة تقع في البرج يجلس الكونت. ليلا ونهارا.
انه يلاحق بنظره الغيوم التي تمر على قمم الأشجار مضيئة ونقية. يبتهج إذ يرى الشمس وهي تتألق من خلال الغيوم مساءا وقت الغروب. و ينصت للأصوات التي تأتي من الأعلى: نعيق طائر يمر قرب البرج، أو أزيز الريح العاصف إذ يمر بالقلعة.
هو يراقب نوم الحديقة الثقيل والعميق، ويتابع بعينيه البجعات العائمة في المياه المتلألئة، وهي تسبح حول القلعة. ليلا ونهارا.
المياه تشع خضراء-زرقاء. وفي الماء تنعكسُ الغيوم التي تمرّ عبر القلعة، ظلالها تسبح مضيئة تشع النقاء ذاته الذي تحمله. زنابق الماء تشير اليه مثل أياد نسائية صغيرة لا حياة فيها وتنحني أمام أصوات الريح المنخفضة حزينة وحالمة.
الكونت المسكين يراقب كل ما يحيط به من موت مثل طفل صغير أحمق أصابته اللعنة ولم يعد قادرا على الحياة، إذ يبتعد مثل ظلال الصباح.
انه لم يعد ينصت سوى للإيقاع الحزين لروحه: الماضي.
حين يحل المساء يشعل فانوسه القديم المسّخم ويقرأ كتبا كبيرة صفراء (مصفرة الأوراق) عن عظمة وروعة الماضي.
أنه يقرأ وقلبه يدقّ ويشعّ حمىً حتى يغيب الحاضر الذي لا ينتمي له. ظلال الماضي الضخمة تقترب منه، و ها هو الآن يعيش حياة آبائه الجميلة الرائعة.
خلال الليالي التي تمر بها العواصف على البرج، فتصرّ قواعده وتطلق الطيور أمام النوافذ أصواتا مذعورة، يُهيمن على الكونت حزن لا اسم له.
على روحه المتعبة ذات مئات السنين تحل لعنة.
إذ ذاك يلصق وجهه بزجاج النافذة ويبحلق في الليل. هنا يبدو له كل شيء ضخما، مريعا ومخيفا كما في الحلم. العاصفة تعصف بالقلعة كما لو كانت تريد أن تكنس كل ما هو ميت وتنثره في الريح.
غير انه ومع انتهاء وهمِ الليل المضطرب مثل ظل مستحضر، يتسرب من جديد صمت الوحشة إلى كل شيء.
(ترجمها عن الألمانية صالح كاظم)


تحوّل الشر

خريف: خَطوٌ (اسود) على حافة الغابة؛ دقيقةُ هلاك أخرس؛ جبين المجذوم يصغي مرهفا تحت الشجرة الجرداء. مساء مر منذ زمن بعيد على أدراج الطحلب: نوفمبر. يُقرع جرسٌ ويقود الراعي قطيعا من خيول سوداء وحمراء إلى القرية. تحت شجرة البندق صيّاد أخضر يبقر حيوانا برّيا. يداه، بنّيتان وصامتتان، ترشحان بالدم وظلّ الحيوان يتأوه في الأوراق، فوق عيني الرجل: الغابة. غربان تتفرق: ثلاثة. يشبه طيرانها سوناتة مليئة بنغمات شاحبة وسويداء رجولية: سحابة ذهبية تنفرط برهافة. بالقرب من الطاحون، يوقد الصبيةُ نارا. اللهيب أخٌ لأكثرهم شحوبا وآخر يضحك مدفونا في شعره الوردي؛ أو أنه مكان للقتل تمرّ عبره درب حجرية. شجرة البربريس اختفت؛ يحلم الواحد سنة في الهواء الرصاصي تحت الصنوبرات. رَوْعٌ، ظلام أخضر. بقبقةُ رجل يَغرق: من الغدير النجمي يسحب صيّادٌ سمكةً سوداء ضخمة لها وجه مليء بالقسوة والعُته. أصواتُ القصب، ورجالٍ يتشاجرون وراء ظهره، ثمة من يُقلع عبر مياه خريفية متجمدة في قارب أحمر، عائشا في ملاحم سلالته المظلمة وعيناه مفتوحتان بتحجّر فوق ليال ومهاول عذراء. شرير.
ماذا يجعلك تقف بلا حراك على الأدراج المنهارة في بيت آبائك؟ سواد رصاصي. ماذا ترفع بيد فضية الى العينين: بينما تغرق الأجفان كأنك ثملتَ على الخشخاش؟ لكنك عبر الجدار الحجري ترى السماء الملأى بالنجوم، دربَ التّبانة، زُحَل: أحمر. الشجرة الجرداء، هاذيةً، تقرع جدار الحجر. أنت على الأدراج المنهارة: شجرة، نجمة، حجر! أنت، حيوان أزرق يرتجف قليلا؛ أنت، الكاهن الشاحب الذي ينحرهُ على المذبح الأسود. آه لابتسامتك في الظلام، حزينة وشريرة، بحيث يشحب طفلٌ في منامه. وَثبتْ من يدك شعلةٌ حمراء فاحترقت فراشةُ ليل. آه لمزمار النور؛ آه لمزمار الموت. ماذا جعلك تقف على الأدراج المنهارة في بيت آبائك؟ في الأسفل، على البوابة، يطرق ملاك بأصبع من بلّور.
آه لجحيم النوم؛ زقاق مظلم، حديقة سمراء. شكل المرأة الميتة يرن بخفة في المساء الأزرق. ترفرف حولها أزهار خضراء وقد غادرها وجهها. او أنه ينحني شاحبا فوق جبين القاتل البارد، في ظلام الرواق؛ عبادة، شعلة الرغبة الأرجوانية. النائم، هالكا، قفز من الأدراج السوداء وغاص في الظلام.
غادرك أحدهم على مفترق الطرقات وها أنت تلتفت وراءك لوقت طويل. خطوة فضية في ظل أشجار التفاح المشلولة. الفاكهة تبرق قرمزيةً بين الأغصان السوداء وتسلخ الحيّةُ جلدها في الأعشاب. واها! الظلام؛ العرق الذي ينفرز على الجبين الجليدي والأحلام الحزينة بالنبيذ الذي تشربه في حانة القرية تحت عواميد السقف التي سوّدها الدخان. أنت، والوحشة لا تزال، تختلق جزرا وردية من غيوم التبغ الداكنة وتنتشل من الذات الباطنة صرخة تنّين هائج عندما يصطاد في البحر، ورؤوس الصخر الأسود تكتنفها عاصفةٌ وجليد. أنت، معدن أخضر وداخل رؤيا نارية تريد أن تمضي ومن تلّ عظام تغنّي أزمنةً معتمة والسقطة النارية للملاك. واها! اليأس الباركُ بصيحة خرساء إلى ركبتيه.
يزورك رجلُ ميت. الدم السافحُ نفسَه يجري من القلب، وتعشش لحظة لا يُلهَج بها في جبين أسود: بقاء قاتم. أنت ndash; قمر أرجواني عندما يظهر ذاك الآخر في الظل الأخضر لشجرة الزيتون. يتبعه ليلٌ لا ينتهي.
(ترجمها عن الانجليزية سركون بولص ونشرت أولا في العدد السادس، السابع من quot;فراديسquot; نوفمبر 1993)