كانت أياماً جميلةً.. يلتقون فيها يومياً، بعد العمل، كانوا ثلاثي في في كل شيءفي السفر والعمل، وحتى في اختيار نوع الصحف والكتب، وعندما ينتهون من المناقشة بما جاءت به الصحف وأحداث الساعة، يحتدُ النقاش بينهم، يبادر أحدهم بالحديث، إن مصادرة الحريات من أولويات الدكتاتورية المستبدة، وتعتبرها خطوة ضرورية لكّم أفواه الشعب، فعليه تنفرد بإصدار صحف وأدبيات خاصةبها، ومنع أي فكر ينافسها.
يعقب الأخر:ـــ
أضف إلى ذلك، قمع حركات التحرر، والحركات الديمقراطية. ترتفع أصواتهم بصورة عفويه مما يلفت نظر الجالسين في المقهى لهم ويهدأ النقاش. ثم يثير أحدهم برأي جديد يختلفون حولهُ، ألا ترون بتيجةلهذا الضغط، يصبح الإنسان غريباً في بلدهِ، أو سجيناً، وهو أشد أنواع الغربة، وما أدراك ما الغربة.!
يرد عليهم ثالثهم:
يجيبه أخر:ــ
كلا، بل عليه إن يناضل لإسترداد حريته، وطرق النضال عديدة ومتنوعة.واخيراًيصلون إلى نتيجةٍ، أما بالاتفاق، أو يؤَجل الموضوع بعد جولة جديدة بلعبة الدومينو، أو الطاولي، على شكل دوري، ودائماً تبدأ بالنكتةِ والضحكِ، وتنتهي بالتحيةِ والقبلات، ودفع المشروبات والاتفاق على مكان السهر أما عند أحدهم او مكان يتفقون عليه يقضون ليلة، أما حمراء شديدة الاحمرار، أو بيضاء صافية كقلوبهم، كانت الضحكةُ لا تفارق شفاههم، يشعرون بلذّةٍ خاصة، كان أحدهم إذا ألقى عليه التحيّةِ ـ يسلمك كتاباً أو دورياً، كانت التحيةُ (كيف الكيف) هي دليل على إن الأمور تسير بشكل ممتاز، مرّت أيامهم أشبه بالإحتفاليه مما أستفز عين الإخطبوط مدً يدهُ الخفية، فكانت جادةٌ أن تفرق شمل الأصدقاء والأهل، يدُ ملوثةٌ بدماء الكادحين والمثقفين الأحرار، شعروا بذلك وهم متفقين عليه علًقَ، أحدهم (عين الحسود فيها عود)... وفي مساء يوم جديد، جلسَ الاثنان ينتظران صديقيهما الثالث كان يسودهما حزن داخلي، وعدةُ تساؤلات يطرحها كل واحد ٍ على نفسه:ــ هل تدخلت أيدي أُخرى وأخذت صديقهما؟ أم ماذا؟
اتفقا إنّ أحدهم يذهب للسؤال عنهُ عسى أن يكون التأخير خيراً.
وقالَ أحدهم:ـــ الغائب حجته معه، كان صاحب المقهى يقطع عليهم تفكيرهم..
ـــ شاي لو حامض ؟
ـــ كانت الإجابة.... شاي، وبروح أبوك على قول إخوتنا بالخمسين.
ــ يا جماعه أين ثالثكم ؟ ـ
ــ أجابَ احدهم:ـ
ــ في الطريقِِ إلى المقهى، عنده ضيوف.!!
كان عذراً لتأخير صديقهم.. إستمر بالحديثِ والمناقشة وهم يشغلون أنفسهم بلعبة الدومينو، وبين فترة وأُُخرى، كان النقاش يطغى على اللعبة، ويستمر اللعب، انتهت أُُمسيتهم، وذكًر احدهم الأخر أن لاينسى السؤال عن صديقهِما.
تبادلا التحية وتفرًق الاثنان، كل َفي طريقه احدهم اندمج في زحام شارع الصيادلة، وأخر في شارع الوطن، وكان ثالثهم يسلك شارع الثورة، وأخيرا يجمعهم طريق واحد يوصلهم إلى ملتقاهم..
وهما في الزحامِ، يتحادثان عبر لقاءهم الروحي، كان بينهم خيطُ خفيٌ عبر الأثير، يربط بينهم لكن تعطل أحد الخطوط، قطعته أذرع الإخطبوط، ولكن هناك عدة طرق للاتصال ِ به ِ.
كان صباحُ اليوم التالي، مليئاً بالعمل والاتصالات. ذهبَ إلى بيتِ صديقهما طرق الباب.. فكان الجواب:ــ
خرجَ مساءً ولم يعد لحد الآن، ونحن في قلق ٍ عليه ِ
أحسَ إنً شيئاً غير إعتيادي حدث كان ينتظرُ الصباحَ بفارغ الصبر. ذهبَ إلى المقهى مبكراً انتظر صديقه طويلا ً، عقارب الساعة سببت لهُ قلقاً إضافيا مما جعله يطيل النظر إلى ساعته، ساورته شكوك، قد انتهى الوقت المتفق عليه مع صديقه ُ
ــ أجاب َ بهز رأسهِ بالنفي، وقال تريد شاي أوحامض ؟.
ــ لاشاي ولا حامض أنا تعبان.
قام مسرعاً.. عسى أن يجد َ تفسيراً لتأخير ِالاثنين عن موعدهما.أحس إنه فقد النطق والقدرة على التفكير.إنهما تؤم حياته، لم يسبق وان افترقوا، منذ زمن. ساورته شكوك عدة، خرج بعد أن لفً جريدته ودسَها في جيبهِ الخلفي. كان شارع
الصيادلة يموج بالناسِ ِ، غابَ وسط هذه الموجه البشرية، إلى حيث يريد مرً
اليوم الثاني والثالث وأيام، ولم تلتقي الطرق الثلاثة. في طريق واحد على المقهى ظل َ مكانهم صامتاً، بدون نقاش وضحكات. وفي ذات يوم، جاء ثلاثةُ أصدقاء وجلسوا في نفس ِ المكان وعلى نفس الطاولة صاحَ أحدهم:ـــ
ــ أخي صاحب المقهى، اثنان شاي وحامض واحد، ولا تنسى الطاولي معك.
ــ نظرَ صاحب المقهى إليهم، إنًها وجوه جديدة لم يرها من قبل، هل يبادر ويسألهم
عن الأصدقاء الثلاثة... يتردد ويقول:ـ
الدنيا ليس لها أمان، يُحدثُ نفسه مرًة ً أُخرى ووجوههم لا تدل على الخوف، إنهم نفس الوجوه الخيرة، وأيديهم تدلُ على أنهم عمال، إنها خشنة، وبقايا أثر العمل عليها، فأجابهم بالسلام:(كيف..الكيف) رفع الثلاثة رؤوسهم مستغربين.. وكان ردهم بصوت ٍ واحد:(على كفيك).!!
تركهم بعد إن وضع طلباتهم على الطاولة ِ، وقد إطمأنً أنهم أصدقاء جدد، يحملون معهم الحبَ للجميعِِ، واستمر في عمِله، وبعد وقت ليس بالقصير سَمِِعَ نقاشهم يأخذ طابعاً غير إعتيادي.. قال في نفسه:(هذا المكان فيه سر الله الحافظ).
إقتربَ منهم قليلاً بطريقة لاتلفت النظر وقال أحدهم:ـــ عمي.. ترى قبلكم جماعة يتناقشون وبنفس الطريقة ولا أدري (كيف كيفهم).
سادهم صمت في تساؤل، ونظر أحدهم إلى الأخر.
قال أحدهم:ــ يا عم لاتخف هذه فلسفة الحياة، إنها لا تسير بطريق مستقيم، واستمر النقاش.... تركهم صاحب المقهى وهو يقول:ـــ
نفس الإصرار على الحرية ولكن الطريق طويل..
/ تموز/1978
- آخر تحديث :
التعليقات