نبيلة رزايق من الجزائر: جاء العرض الأول لفيلم quot;حراقة quot; لمخرجه مرزاق علواش سهرة يوم الخميس الماضي بالعاصمة الجزائرية بفرحتين لعشاق الفن السابع، الأولى عرض الفيلم في حد ذاته بغض النظر عن ما قيل أو ما سيقال عنه لاحقا بعد مدة من انتظاره وبالنظر لتراجع الإنتاج السينمائي الذي بدأ ينحصر نوعا ما خلال السنوات الأخيرة، فعلى قلة الأفلام الجزائرية وما يقال عنها من طرف النقاد والمختصين داخل وخارج الجزائر، إلا أنها تحقق المعادلة الصعبة وتفتك الجوائز بالمهرجانات السينمائية الدولية كما حدث مع فيلم quot;حراقةquot; الذي تحصل مؤخرا على ثلاث جوائز بمهرجان دبي، وعلى النخلة الذهبية للطبعة ال20 لمهرجان بالنسيا للسينما المتوسطية باسبانيا، فان تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي، وان يتمخض بحر السينما الجزائرية ويأتي بفيلم quot;حراقةquot;خير من لا شيء وان يكون الفيلم إنتاجا مشتركا أو وطنيا المهم أن يكون.
والفرحة الثانية مصالحة الجماهير الجزائرية وعودتها لقاعة كانت من قبل مغلقة فقد تم عرض الفيلم بسينما quot;سييرا مستراquot; التي رممت مؤخرا من طرف السلطات المحلية الجزائرية.هي من أقدم قاعات العرض بالجزائر تعود لعهد الاستعمار الفرنسي وكانت تعرف بسينما quot;هوليودquot; وغداة الاستقلال وعلى عهد الرئيس الراحل هواري بومدين تحول اسمها من quot;هوليودquot; إلى quot;سيرا مستراquot; تيمنا بالثورة الكوبية و جبلها الذي كان يأوي ثوارها و يحمل نفس الاسم. وكان أول المتفاجئين بإعادة فتح هذه القاعة المخرج مرزاق علواش الذي اعتلى منصتها وقدم طاقم فلمه بعد أن روى للحضور كيف عبرت quot;حراقة quot; من quot;هوليودquot; الى quot;سيرامستراquot;.
الفيلم وعلى مدار الساعة والنصف تطرق لظاهرة الهجرة السرية أو كما يعرف في الشارع الجزائري quot;الحراقةquot; وكيف يحاول مجموعة متكونة من عشر شبان من بينهم امرأة الفرار من مشاكل الوطن الأم إلى جنة الغرب التي يحلمون بها. الا أن التخطيط للرحلة ومسارها ونهايتها يمر بالعديد من المشاكل كان خلالها صوت الممثل quot;نبيل العسليquot; بداية لتلك الأحداث من خلال لقطة انتحار quot;عمرquot; وبطاقة هويته ممزقة أسفل رجليه وهو صوت الراوي يكشف على فحوى الرسالة واسباب انتحاره لأخته quot;ايمانquot; (لمياء بوسكين) التي قررت فيما بعد أن تكون ضمن المجموعة.
يمكن أن تقول ان الفيلم عبارة عن إرشادات سينمائية امتزجت بين التسجيلي والواقعي عن كيفية القيام بهذه المغامرة الانتحارية بين ضفتي المتوسط، والتي تحصد منذ سنوات أرواح العديدة من الشباب من مختلف الفئات وقال المخرج مرزاق علواش ان فيلمه مبني على قصص واقعية استقاها من أفواه الذين عايشوها و انه لا يحاول ان يقوم بدور الأستاذ بل السينمائي الذي يسجل لحالة اجتماعية خطيرة تنخر في جسد الدولة. وقال أيضا أنه استند في توزيع أدواره على كوكبة من الوجوه الشابة المتخرجة من معهد الفنون الدرامية بالعاصمة وكذا من ممثلي مسرح مدينة مستغانم الساحلية التي تقع غربي العاصمة الجزائرية وهي المدينة التي صورت فيها غالبية المشاهد الخارجية التي كانت طاغية على الفيلم، بالاضافة الى سواحل مدينة مونبليه الفرنسية رفقة فريق جزائري فرنسي مشترك.
قصة الفيلم كانت بسيطة ومتواضعة حاول المخرج ولم يوفق تجسيد واقع مر عاشته مجموعة من شباب في عمق البحر. ومنذ بداية الفيلم لم يتمكن المخرج من شد الانتباه إليه إلا عندما انطلق في المرحلة الفعلية quot;للحرقةquot; حتى أن جماهير قاعة quot;سيرامستراquot; تفاعلت وكانوا يصفقون كلما شبت معركة بين مجموعةquot;الحراقةquot; أو عندما تمكن قلتهم الوصول لبر الأمان. كما اخفق مرزاق علواش في التقرب سينمائيا من الصراع النفسي الذي كانت تعيشه أفراد المجموعة التي كانت في الأصل غير منسجمة نفسيا و اجتماعيا وحتى جغرافيا وهي التناقضات التي أدت إلى مشاجرة اثنين منهم الشرطي والشاب المتدين ريما في إشارة من المخرج للعشرية السوداء التي عاشتها الجزائر وكثيرا ما تطرق إليها المخرج في أفلامه السابقة وكيف ان حتى المتسببين في الأزمة هم أول من يفكر في الهجرة. لكن نهاية من نجوا من المغامرة لم تكن وردية فبعضهم لم يكن يعرف السباحة بحكم انه من المناطق الصحراوية بقوا في في الزورق الذي تعطل على مشارف السواحل الاسبانية اما الشبان الثلاث: لايمان وحكيم وسمير فبعد عناء وشقاء السباحة من عمق البحر الى ساحله ألقى عليهم القبض من طرف الشرطة الاسبانية فاعادت من اعادت وسجن من بقي بمحتشدات المهاجرين الشرعيين.
رغم هذا كانت هناك عناصر ايجابية بالفيلم فالموضوع في حد ذاته يعتبر من المواضيع الجديدة التي بدأت تتطرق لها السينما الجزائرية، بالإضافة للإضاءة و الديكور الطبيعي الذي استغل طيلة أحداث الفيلم و الموسيقى التصويرية التي كانت من إمضاء دافيد حجاج. هذا بالإضافة لبعض اللقطات السينمائية التي لازالت عالقة بالذهن كالمناظر الليلية واكتمال القمروالزورق في وسط البحر او منظر الغروب علما ان التصوير بعمق البحر ليس بالأمر الهين ويحتاج لقدرات تقنية وفنية معتبرة وعالية.