YOUSSEF CHAHINE A BOBIGNY

صلاح هاشم: بمناسبة تنظيم مهرجان quot; تياتر او سينما quot; THEATRES AU CINEMA quot; مسارح في السينماquot; الذي يعرض في الفترة من 30 مارس و حتى 11 ابريل 2010 في ضاحية quot;بوبينيquot;. باريس، وخلال دورته الحادية والعشرين كل افلام يوسف شاهين الطويلة والقصيرة (أكثر من 37 فيلما) ويكرم نجيب محفوظ والفرنسي البيركامو الحاصلين على جائزة نوبل للأدب، بعرض الاعمال السينمائية المرتبطة بهما، يحق لنا ان نسأل، تري ماهي الانجازات التي حققها يوسف شاهين بافلامه؟
فالمهرجان الذي سوف يفتتح في بوبيني شارعا باسم يوسف شاهين يوم 30 مارس، بحضور المنتجة ماريان خوري quot; مصر فيلم quot; و د. خالد عبد الجليل رئيس المركز القومي للسينما في مصر، و حضورنجوم مصر الذين تألقوا في افلامه من أمثال: يسري و عمر الشريف ومحمد منير، سوف يتيح للفرنسيين و الجاليات العربية المهاجرة الي فرنسا من مصر والعراق و الجزائر و تونس ولبنان والمغرب وغيرها فرصة مشاهدةquot; روائعquot; شاهين السينمائية مثل quot; باب الحديد quot; وquot; الأرض quot; و quot;الاسكندرية ليه quot; و quot; ابن النيل quot; و quot; صراع في الوادي quot; وغيرها من الدرر السينمائية الحقيقية التي دلفت الي حياتنا من اوسع باب وصارت قطعة منا..

شاهين: مبحث الهوية وفن عدم الخضوع


ان يوسف شاهين الذي توفي عن 82 عاما، هو ببساطة، هرم ثقافي من اهرامات مصر الثقافية، انه اشهر واهم مخرج مصري عربي في العالم كله، وأفلام شاهين، هي كنز من كنوز وتراث مصر الثقافي السينمائي العريق. انه quot; بوابة quot; ثقافية عملاقة، الي تاريخ هذا البلد مصر الذي انجبنا وحضارته، وأفلامه في مجملها، التي تنضح عذوبة وحلاوة بحب هذا الوطن، الذي ينتمي اليه بافتخار، وعشق أهله في بر مصر العامرة بالخلق، تقدم أعظم quot; بانوراما quot; اي مسح دقيق شامل، لتاريخ مصر الثقافي والاجتماعي والسياسي، والتطورات والتغيرات التي طرأت عليه، بل لقد دخلت مجموعة من افلام شاهين العملاقة، مثل quot; الارض quot; و quot; حدوتة مصرية quot; و quot; العصفور quot; و quot; باب الحديد quot; و quot; الاسكندرية ليه quot; و quot; الناصر صلاح الدين quot; وغيرها، دخلت تاريخ السينما باقتدار من اوسع باب، وتعد الآن من quot; كلاسيكيات quot; السينما العظيمة
ان جو - لقب يوسف شاهين - هو الأب الروحي للسينما العربية الحديثة، بأسلوبه السينمائي الذي استحدثه، فهو المؤسس لهذه quot; السينما الحديثة quot; منذ بداية الستينيات في أفلام مثل quot; الاختيار quot; وquot; عودة الابن الضال quot;ن التي تتجاوز حدود الوطن, وتستشرف - بعد هضم وتمثل - انجازات السينما الحديثة - علي مستوي المضمون والشكل، في أعمال فيلليني وانطونيوني من ايطاليا، وجان لوك جودار، ورواد quot; الموجة الجديدة الفرنسية quot; في أواخر الخمسينيات، آفاق المستقبل، سينما تتجاوز الحكاية التقليدية المكررة المعادة، لكي تبحر في بحر سينما الحداثة، وتدلف الي داخل المياه من دون خوف او وجل
شاهين المتمرد ضد كافة أشكال القهر، وظلم السلطة، هذه السلطة التي لم تنجح ابدا في تدجينه وترويضه، لكي يشتغل لحسابها، هو أيضا المؤسس لهذا التيار في السينما المصرية، تيار quot; المكاشفة وسؤال الذات quot;، سينما الأنا في quot; الاسكندرية ليه quot; و quot; الاسكندرية كمان وكمان quot; ثم quot; الاسكندرية - نيو يورك quot; وغيرها، التي تطرح مشاكلها الذاتية الفردية، وتتواصل من خلال هذه المكاشفة، تتواصل بجرأة مع الآخر، وتعانق - حين تنطلق من اسرها - تعانق الوجود كله.
سينما المتناقضات هذه، التي يمثلها شاهين، هي سينما سياسية بالدرجة الاولي، لأنها تكشف من خلال أزمة الذات، أزمة وطن، وبحث متواصل عن quot; هوية quot; وهي تستكشف تناقضات المجتمع المصري في مناخات القمع السياسي والفكري، والديمقراطية المجهضة، وغياب المشروع القومي.
شاهين هو quot; رفاعة الطهطاوي quot; السينما في مصر، ففي حين يعتبر رفاعة (1801-1873) رائد نهضة مصر الحديثة، يجيي حفيده شاهين من بعده، ليؤسس لرفاعة مصري سينمائي جديد - بعد ان سافر الي امريكا وعاد وهو يحمل حلم التغيير والنهضة مثل جده - ويفرش بساط السينما الحديثة في مصر، ويحقق بافلامه، كما حقق رفاعة بنضاله وكتبه وافكاره ومدرسة الالسن- يحقق دخول السينما المصرية الي عالم جديد وعصر جديد،وتواصلها مع العالم. جرب شاهين كل الانواع السينمائية، وحقق افلاما ممتازة في كل نوع، كما في فيلمه quot; بياع الخواتم quot; بطولة فيروز الكوميدي الموسيقي، وتبعه بعد سنوات بفيلم من نفس النوع، فيلم quot; سكوت حنصور quot;، وفي quot; نوعquot; الفيلم التاريخي ايضا، حقق شاهين فيلم quot; صلاح الدين quot; وquot; وداعا بونابرت quot; و quot; المهاجر quot;، وهي افلام شلمخة علي مستوي النوع، وتحسب لشاهين، و ذلك قبل ان تصبح افلامه في ما بعد، افلاما هاربة من حدود النوع، و منفتحة اكثر علي كل التصورات والاحتمالات والرؤي، ومثيرة بالتالي اكثر للنقاش والجدل، ولم يهدأ شاهين ابدا، وكان ينفخ من روحه في نفس تلك الاجيال التي وعت درسه الحداثي، وتعلمت منه، وحتي من دون ان تلتقي به، فقد كانت افلام شاهين ذاتها quot; كائنات حية quot; او كيانات حية، مشحونة بالتأمل والفكر، ومعجونة او بالاحري مخبوزة في فرن شاهين المصري البلدي الاسكندراني بالاسي والهم والفن والضجر والتهكم والتمرد، وهي تحمل هوية مصر الجديدة، أساها وهمها وضياعها وحزنها وتمردها علي اليأس والظلم والقهر، ولا quot; هي فوضي quot; وتصرخ كفاية كفاية
ثم تروح تطوف العالم، فتصبح سفيرة لنا في انحاء الدنيا، وتمنح دور الريادة في الفن السينمائي لمصر من دون جدال وهي تشمخ بquot; الفن quot; الشاهيني، ومن دون ان يستطيع احد ان ينتزع من مصر هذا الشرف، لانه مصير مصر وقدرها.
قدرها في ان تكون من خلال فنانيها السينمائيين والكتاب والمبدعين دوما في مقدمة المسيرة، و في طليعة الثورة علي الظلم، وطليعة النهضة، والكرم المصري الاصيل، وقد كانت مصر منذ اقدم العصور أول من يفتح للمشردين في العالم حضنها،اول من يفتح الابواب لاستفبال المنفيين المعذبين والغرباء في اوطانهم وحتي داخل جلودهم، وهي تقول لهم اهلا ومرحبا، وكان هذا وما يزل دورها أم الدنيا
وأفلام شاهين بالذات، تحتاج الي أكثر من مشاهدة، لأنها أفلام تحرض - بعد استمتاعنا بقيمتها الفنية وجمالياتها الخاصة (انظر مثلا الي تكوين الكادر في افلام شاهين، الذي يحتاج وحده الي رؤية متعمقة وتحليل ودراسة مستقلة لا يتسع المجال لها هنا) تحرض علي التفكير، وتحثنا علي التعبير، بجرأة مذهلة، بل ولا تستكنف الوقاحة في بعض الاحيان والعنف - أليس العنف الواقع علينا، من طرف السلطات والحكومات اكثر قسوة وعنفا وتوحشا ودموية من عنف السينما ووقاحتها؟ - وتعلمنا منظومة من القيم، لعل أهمها قيمة التسامح. أو ليست السينما كما نري حضارة quot; السلوك quot; الكبري أولا
افلام شاهين كانت وسوف تبقيquot; مدرسة quot; تفتح أبوابها لاجيال السينما العربية الجديدة، لكي يتعلموا فيها ابجدية الفن السينمائي، ليس فن السينما فحسب، بل quot; فن عدم الخضوع quot; أيضا.