طفولةُ التين والورد تدلقُ اللسانَ عبر ألبوم الذاكرة،
تُذكّرني حينما جرحتُ نفسي مرارا بمنجل البراءة السخيّ،
طفولةُ الماء والركض خلف غفلةِ الطائر.
حتى الفراشات التي مددتُ لها يدي ثم أطلقتها تحوم الآن فوق رأسي.
ولي يتراءى مُعَلمُ الدينِ الذي كان يشكّ دبّوسه بين اللحم والظفر،
ويحتسي الخمرَ في المسجدِ سرا.
مغازلة النجوم وتعدادُ الغيوم والخوف من الطناطل بعضُ حياتي.
كنتُ أعبرُ النهرَ مثل كلب هارب. كانت الكلابُ تلعبُ، والرجالُ تنبحُ.
ثغاء شاة في حالة الطلقِ والجزّارُ يفتلُ شاربيه، وزوجه تبكي.
هكذا يبدأ الحبُّ، حوله الموتُ والمنجلُ.

النسيانُ يسألني: ماذا أتذكر؟

الصفعةَ الأولى: باسمِ الأبوة،
والذرق الأول: من حمامة البيتِ،
والعضةُ الأولى : من كلبة الجار،
والنطحة الأولى : من جاموسة في الطريق،
والرفسة الأولى: من حمار شاكسته عند الجماع،
والحجارة الأولى: من جارنا الذي راود الحمارَ على أتانه،
والرجّةُ الأولى: في الهروب من النهار عبر الليل في قارب المنفى،
والقرية الأولى: نسيانٌ في كنف الذاكرة،
والرعشة الأولى: أوّل قذفة في الحلم،
والهِبَة الأولى: قلمُ الحبر المذهّب من أبي الذي سرقوه،
والحسرةُ الأولى: الطينُ طفولتي والكبتُ حليفي،
والكرةُ الأولى: خرقةٌ مربوطة بالخوص،
والتعويذة الأولى: عينُ الحسود فيها عود،
والشعار الخادع: أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة،
والنكسةُ الأولى: أمّيةُ الوالدين وفقد ميلادي،
والميتةُ الأولى: مصرعُ كلبنا في الطريق إلى اللصّ،
والحبُّ الأوّلُ: الركضُ وراء مرمر الجامعة،
والحيرة الأولى: كتابة الشعر،
والقبلةُ الأولى: خارج البلاد،
والحياة: رئةُ الموت،
والصحوة الأولى: حين سمعتُ في مطلع غربتي:
ابنُ العاهرة/ خنزيرٌ عربيّ
والصفعة المدوية: أنْ يخونكَ الحظُّ، ويخذلكَ اللهُ.

النسيانُ يسألني،
أنتَ والريح تسّابقان، يا أخَ الجندبِ والصلصال والعشب،
صوتنا يخدش الهواءَ، والريحُ إنْ هبتْ تَسّاقطُ أهدابُ السكون
لم نكنْ ندرك الصحراءَ،
ملكوتٌ خاسرٌ ما بعده هلكوت.

كانت الأسماكُ تقفز قرب الجرف وصيادها يتربص
والشصُّ في يديه، كلّ لحظة يشق قلب الماء،
حيث النوايا الماكرةْ، طقسَ الخشوع تلبسُ.
لوحٌ يَعْْلقُ بالجذور الناتئةْ،
يرجّهُ الموجُ حتى تبينَ الزعانفُ الصفراءُ.
حالةُ ما بعدَ الحصاد،
مشهدٌ يُشبهُ الخريف.
ينغلق الألبومُ عندَ مشارف النسيان.

13-07-2011