ليكن دمنا مطحوناً بحوافر الخيل أو بالعربات المُجنزرة.. فهذا ما ألفناه من قصص العظماء.
هل أسرد أسماءهم حتى نتسلى معاً برؤوس كبيرةٍ تشبه حقداً لا ينقرض ولا يترك زهرةً حيَّة لصباح الخير...

البكاء مرَّ من هنا.. ثم رحل...
لم يكن قادراً على تحمل الأنين الذي يطفح من أحداقنا.. وقِربةُ الدمع الوحيدة التي نسيها.. أخذها العظيم كي يتسلى بالشفقة على محدودي الدخل.
يبدو هذا أكثر في خطابات العظيم.. القائد الأعلى لأرواحنا.. حين يبدأ باسم الله وينتهي باسمه مُدارياً خجلَ البقاءِ عظيماً إلى أنْ تشاء الكارثة.
هل يخجل العظيم حقَّاً.. بأصابعه المشدودة على صولجان يشبه قبضة الموت.
أفكر أحياناً إنْ كان العظيم يسكر أو يدخن الحشيش، إنْ كان يضحك من نكاتٍ تتلاحق مثل نوباتٍ قلبية، لكنها لا تصيب قلبَ العظيم بالمسَرَّة.
إنه يتثاءب الآن، يتجول في غرفته بالبيجاما كما يتجول ربٌ أعرج في قصره المائي، إنه يترنح بالخوف من مطالبنا التي لا تنتهي.
أطالبه فقط بطباشير وأقلام ملونة حتى لا تعذبني طفولتي المعطوبة برسم الفراشات والعصافير.

يرافقني العظيم من الصف الأول الابتدائي إلى كافتيريا الجامعة، يدخل معي غرفة النوم في ليلة الزفاف ليبارك زيادةً سكانية، تفسد خطط العظيم في سعيه إلى النهوض بأعمدتنا الفقرية.
بعد أعوام طويلة سوف أسلَّم العظيمَ لأولادي.. عهداً مكتوباً على لفائف البردي كي ينادوه.. بابا، مع أنني الذي ضاجعتُ زوجتي وتشهد ابتسامتها الماكرة كلما ضبطتني زائغ العينين على شفاهها.

العظيم.. كما نعلم.. له أسماءٌ كثيرة، منها مثلا (ربُّ العائلة).. لكنه ربُّ عائلةٍ حقود لا يترك لي فرصة أنْ أرثَ الماشية، أو أرثَ كلباً ينبح في صدري.
هل كان العظيم ربَّ عائلةٍ من كلاب؟.. ولهذا يصطف آلاف الجنود لحمايته من هؤلاء الذين لم يتعلموا فضيلة الوفاء لصورته التي تغطي الأفق.
وأينما استدرنا فثمَّ وجه العظيم مبتسماً ومرسوماً بالزيت الذي نفتقر إليه في بطاقة التموين، وإنْ كان العظيمُ يزيد الحصصَ بقدر ما يزيد كثافته الصخرية، فلا ننسى يوماً ولدنا فيه بعنايةِ أصابعه التي تعرف جيداً كيف تمسِّد رؤوسَ اليتامى.

أبي مات منذ شهرين، نادماً على انقطاع حظه عن مصافحة العظيم مرةً واحدة.. وأوصاني أبي أنْ أتخيَّر المشي بجوار الجدران.. ربما.. نعم ربما صافحتني صورةُ العظيم المرفوعة بكآبةِ أنها خالدة.

إبراهيم المصري
من مخطوط بعنوان quot;الروض العاطرquot; عام 2004