عبد الجبار العتابي من بغداد: اثارت المسرحية التي عرضت مساء الخميس على المسرح الوطني ببغداد ردود افعال سلبية عند العديد من الذين حضروا فيما كان هنالك نخبة من المثقفين تركوا مقاعدهم بعد اول 20 دقيقة من العرض في اعلان عن احتجاجهم، كما قالوا فيمابعد، للاستفزاز الطائفي الواضح الذي كان في العمل من خلال العديد من الاشارات الطائفية المفهومة والخطاب السياسي المباشر فيه لاسيما مع حضور السيد طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية العرض ورعايته له، وكان لمشاركة الفنان جواد الشكرجي سحر خاص تمثل في الحضور الجماهيري الكبير الذي كادت تمتليء بسببه القاعة على الرغم من قلة الدعاية للعمل والاعلان عنه قبل يوم واحد.

المسرحية عنوانها (المخفي invisible) وكان عنوانه الاول (تغريد البلابل) تأليف الشاعر صباح الهلالي واخراج الفنان جبار المشهداني، وأدى أدوارها الرئيسة إلى جانب الشكرجي الفنانون: سوسن شكري، مازن محمد مصطفى، اياد الطائي، فالح كريم، طه المشهداني، صباح الهلالي وزياد الهلالي، وهبة صباح، بالاضافة الى مشاركة الفرقة القومية للفنون الشعبية، وجاءت عودة الشكرجي بعد غياب طويل عن خشبات المسارح العراقية.

المسرحية تحدثت عن المعتقلين العراقيين في الوقت الحالي، ودعت إلى إطلاق سراح الأبرياء منهم ومحاكمة المذنبين وفق القانون.

بدأت المسرحية بعرض شكاوى فلمية مقتطعة من احدى القنوات التلفزيونية على جانب من حائط المسرح، ثم موسيقى رعب رافقت فتح الستارة ومن ثم كانت رقصة لفرقة الفنون الشعبية ارتدى اعضاؤها ملابس سود، وهي ذات طابع مأساوي كثيف الحزن، مع انتهائها تناهت الى الاسماع اصوات من داخل قبو، كما يفترض، يشير الى السجون السرية حيث تأتي الأصوت راجفة معبرة عن اوجاع وندم وعذابات،نسجها اداء الممثلون بتعبيرات حزينة جدا، قبل ان يسوقهم السجان القاسي الى امكنة التعذيب، او في زنزانات اخرى على سطح الخشبة، ومن هناك تبدأ تداعيات الاحداث حيث يسرد السجناء وام سجين وزوجة سجين ما حدث لهم قبل الدخول الى السجن من تهم اشارت الى المخبر السري، واظهرت الحكايات اولئك السجناء على انهم تعرضوا الى افتراءات المخبر السري واتهاماته الباطلة، حيث تتشابه قصصهم ومنها قول احدهم (جبتها من حرب لحرب لحصار لتحقيق لاعتقال، والله كفيلكم كل شي ما مسوي، كل مشكلتي انا قاعد في (بسطية) وكلما يسألوني انت ليش عندك ماجستير وعندك بسطية بكل نظام، يعني هذا اذا أكو نظام، وهم يتهموني، مرة عميل، مرة متخلف عن الخدمة، مرة.. استغفر الله، انا بس لو اعرف هذا المخبر السري اللي بلغ عني ليش؟، يا ريته ملبغ صدق، تبليغه كله كذب علمود كم دينار، حرام.. ياخذهن ويوكل جهاله، الشوك لو تسقيه مي عنبر ما يخضر ورد)!!
وهناك حوار
(سجين: هذا الوقت هو غلط، يعني نسد حلوكنا؟
السجان: هم سألني/ يابه القرار بيد اهل القرار يا مسلم
سجين اخر: هسه هم منو هم اهل القرار، يابه صار سنين والعالم تنتظر والى حد الان ماكو قرار واحد يخدم الناس.
سجين ثالث: بس فهموني.. يعني احنه في زمان غلط ومكان غلط.
سجين رابع: اي طبعا، مكان غلط وزمان غلط، ولكم انا اشتاقيت لطاسة المي اللي تشمرها امي وراي من اطلع).

وتتواصل الحوارات على هذه الشاكلة حتى العشر دقائق الاخيرة التي ينفرد بها الفنان جواد الشكرجي ليرسم عليها حضوره الواثق واللافت للانتباه بصوته القوي المعبر وادائه المعبر وهو يسكب الكلمات بتحركاته، وقد كانت لكلمات من الشاعر السياب وجود فيأخذ من (انشودة المطر) ابتداء من قوله(ومنذ أن كنا صغارا، كانت السماء / تغيم في الشتاء/ ويهطل المطر، وكل عام ndash; حين يعشب الثرى ndash; نجوع /
ما مر عام والعراق ليس فيه جوع) ومن ينطلق الى عوالم العراق المختلفة متوقفا عند المعتقلات وهازجا لـ (اخو هدلة) واخريات، قبل ان يطلق صرخته (هله برجال الجوبي) ليرقص من خلفه رجال رقصة (الجوبي)، وصولا الى قوله ان كل الاحداث ما استطاعت يوما تقطيع جذورنا من ارض العراق، حيث يكرر القول عدة مرات بحماسة.. لتأتي انشودة الختام مع تصفيق الجمهور.

جواد الشكرجي قال بعد العرض: اعتقد ان ليس المهم في هذا العرض العودة الى بغداد، بل هذا الوقوف على المسرح، هذا المسرح الذي هو حياتي وانفاسي وروحي امام جمهور عراقي هو جمهوري في بلدي وفي وطني، انا اعتقد ان هذه حياتي وكأنه انبعاث من جديد، يقظة وصحوة جديدة وانا اقبل هذا الجمهور الهائل الذي حضر الى المسرح الوطني، اتمنى ان اتواصل ولا بد ان اتواصل وخاصة على خشبة المسرح العراقي وتحديدا على خشبة المسرح الوطني والرشيد ان شاء الله.
واضاف: لا اخفي ان الدموع التي نزلت من عينيّ هي لاشياء عديدة مجتمعة ما بين المسرح والجمهور والعراق وكل العناوين الكبيرة.

واذ كان لابد من استطلاع للاراء حول قيمة العرض المسرحي واغراضه ورسالته، اعرب عدد من المتابعين اعتذارهم عن طرح اراءهم، البعض قال انه لم يشاهد العرض كاملا وخرج في بدايته واخر قال انه يفضل الصمت دفعا للاحراج، فيما اخرون اكتفوا بالقول (عرض طائفي!!)، ومع ذلك كانت هنالك اراء.

قال الفنان الدكتور ميمون الخالدي: المسرحية تطرقت الى موضوع المعتقلين في العراق وكنت اعتقد ان هذا منحى انساني ولكنني وجدت ان المسرحية تطرقت الى ان جميع المعتقلين هم معتقلون سياسيون وان المجرمين في الخارج، خارج السجن، وانا لم اكن اعتقد ان هنالك سجينا سياسيا في العراق، لان هناك منظمات دولية لايمكن ان تسكت على سجين سياسي، وبالتالي شعرت انني غير متصل بالعرض لان العرض يكذب ويريد لهذه الكذبة ان تطلى عليّ انا كمثقف، فلو كان هنالك فعلا سجين سياسي في العراق لما استطاعوا هم ان يقدموا هذا العرض على خشبة المسرح الوطني،هذا ليس دفاعا عن احد ولكن فسحة الديمقراطية في البلد جعلتهم يقدمون عرضا على خشبة المسرح الوطني، وهذا لا يعني ان البلد سجن كبير كما قال العرض من (ان الوطن هو سجن كبير وكلنا مسجونون في بيوتنا ومع زوجاتنا واولادنا) كما شاهدنا في العرض، وبالتالي فأن العرض فيه انحراف فكري كبير جدا لا يدري ما يقول انما استطاع ان يخدم الذي قدم له الانتاج.
واضاف: حتى الشكاوى التي قدمت فيلما كانت تحمل (لوكو) قناة بغداد الفضائية، وهي اشارة واضحة واعتقد ان الذين شاهدوا العرض قد قرأوها، وكذلك (هله يا رجال الجوبي) وهذه ايضا مع كلمات اخرى اوحت بالاجندة التي تقف خلف هذا العرض الذي اعتقد انه كان بسيطا فنيا ولغزه الذي اراد ان يختفي خلفه كان واضحا ولذلك الجمهور عندما غادر الكثير من المثقفين ارادوا ان يرفضوا ان يكونوا تحت دعوى الزيف.

فيما قال المخرج المسرحي رسول الصغير: انا كمسرحي اتلقى العرض المسرحي مسرحيا بغض النظر عن كل الاهداف الاخرى، انا شاهدت شيئا قريبا الى الاوبريت، الى الرقصات، الى اللوحات، يعني الجهد المسرحي الدرامي غير موجود، لان هذا بصراحة عمل مناسبات!، وعمل المناسبات يبقى محكموم بالمناسبة، فأذا كان هدف العمل الذي سمعناه بالخطاب السياسي، فهذا هو هدفه واكتفى به، ولكنني اعتقد ان اهداف العمل المسرحي اعلى بكثير من الذي شاهدناه، حيث انه خطاب اعلامي واضح ضد المعتقلين السياسيين، واعتقد ان هذا يكتب على شكل مقالة، فالهدف اكبر بكثير من خطاب سياسي.

واضاف: انا نظرت الى العمل كمسرحية او بالاحرى انني دعيت الى عمل مسرحي، فأحاكم العمل مسرحيا، يعني هناك تمارين تدرب عليها الممثلون ووصلوا الى نمط معين، انا شفت (صولو) لجواد الشكرجي كممثل كبير لا يمكن الحديث عليه، وشاهدت (صولو) لسوسن شكري وهي ممثلة كبيرة، ولكن العمل بمجمله ابتعد كثيرا عن ابسط عناصر العرض المسرحي.

اما الشاعر حميد قاسم فقال: بصراحة.. انه عرض تعكز على الشعارات وتعكز على بعض المشاكل الكبرى، ونحن لا ننكر وجود مشاكل كبرى في العراق في طور العملية السياسية او تعتري وضع العراق عموما، ودائما نؤكد انها في المحاصصة وما ينجم عنها من فساد ويخلق بيئة خصبة للارهاب وللعنف، ولكن ان يجري التعكز عليه بهذه الطريقة الفجة والمباشرة وفيها اساعادة حتى لرموز من النظام السابق، كأن فيها دعوة لعودة النظام السابق، وهناك دعوة لتعطيل الحياة الديمقراطية ودعوة لتعطيل حتى الدستور، فقضايا مثل قضايا السجناء ملحة وملف شائك ولكن يفترض ان يكون الملف مطروحا على القضاء، فقضية من هذا النوع تحمل حساسية في وضع مثل وضعنا، هل العرض دعوة لاطلاق سراح جميع المعتقلين، وهل هم معتقلو رأي ام هم متهمون بالارهاب ؟ هل ان كل من يقوم بعملية ارهابية يحسب على انه سجين سياسي، هذا خلط للاوراق.

واضاف: المسرحية رسالتها واضحة، وحتى في مسألة (امهات السجناء) مثلما يقال كلمة حق يراد بها باطل، انا واحد من الناس الذين طلعوا مظاهرات واتحدث حتى في التلفزيون عن الفساد والمحاصصة واخفاقات العملية السياسية، عن تردي الخدمات، لكن ان يتم استثماره بهذه الطريقة التي فيها دعوات واضحة مع الاسف طائفية، فيها نفس طائفي لا اعرف كيف ارتضى المؤلف والمخرج والممثلون على تقديم مثل هذا العمل الذي اتجاهه واضح وتقوده فئة سياسية معينة لدوافع هي اصلا جزء من عملية المحاصصة الطائفية، انا اتهم الكل بأنهم طائفيون، ولكن تبني خطاب فئة محددة هو انحياز لفكرة الطائفية ودعوة لعودة القتال الطائفي بصراحة.

وتابع: اعتقد ان مغادرة عدد كبير من المثقفين لقاعة العرض بعد وقت من بدء العرض كان بسبب الخطاب الاستفزازي والذي يتجاوز اهم مسألة ندعو لها وهي الهوية الوطنية، انه يتجاوز على اهم فكرة ينبغي علينا ان نعمل عليها وهي فكرة المواطنة العراقية والهوية الوطنية، مغادرة العرض كانت ضرورية لاننا كنا نتلقى صفعات، ولم نكن شهود عرض مسرحي، بالاضافة الى ان العرض فنيا فاشل، ليست هنالك اية لعبة فنية تبرر استخدام هذه الشعارات المباشرة، انا اقول حتى لو كانت لدينا قضية ونختلف فيها مع الاخرين، عليها ان تحمل فنا يرفعها على الاقل من مستوى الابتذال والمباشرة الفجة، لا اريد ان اقول اكثر من ان المسرحية نفسها طائفي لذلك خرج الكل.

ولمخرج العرض جبار المشهداني رأي فقال: الرسالة الابرز في العرض هو ان الذين يتواجدون في المعتقلات ليسوا الرجال فقط بل هنالك امتدادات اجتماعية، عوائل، امهات، زوجات، ابناء، يجب على السياسي ان يفكر بشكل واضح ان هناك عوائل عراقية يمكن ان تحصل لها تداعيات كثيرة في حالة عدم حسم ملفات السجناء، ونحن كفرقة نتحدث ونعنى بتقديم عروض مسرحية تتحدث عن واقع وحقوق الانسان العراقي وفي مقدمة هؤلاء السجناء في العراق، نسعى من خلال عروضنا الى الذهاب الى القطاعات التي لا تستطيع ان تأتي الى المسرح، وربما ستكون عروضنا المقبلة في المحتجزات والسجون والمعتقلات وفي الشوارع، المهم ان يصل صوت المعتقل العراقي ونحاول ايصال كل ما يحقق حقوق الانسان العراقي الذي هو الاسمى.

واضاف: اذا كان المعتقل بريئا فحقه على المجتمع ان يطلق سراحه بل وان يعوض، اما اذا كان مذنبا فلماذا باق في الحجز، هناك قضاء عادل ونحن نثق بالقضاء العراق، يحاكمه ويذهب الى محكوميته لكي يكون هناك ترتيب اجتماعي واضح، الزوجة تعرف زوجها محكوما او لا، وكذلك الاخت والابنة والام، اما بقاء الامور معلقة بهذه الطريقة هذا لا يجوز ويتنافى مع حقوق الانسان في كل العالم.
وتابع المشهداني: المسرحية منحازة تماما الى كل الشعب العراقي والى العراق الجديد والى العراق الديمقراطي، الدستور العراقي اتاح لنا حرية التعبير واعتقد ان ما قدمناه اليوم ليست فيه اساءة لأحد ولم يكن هناك انحياز لأحد، نحن ننحاز الى شعبنا ووطننا الى العراق الذي ننتمي اليه جميعا، نؤمن ان العراق لكل العراقيين وسيأتي اليوم الذي ستحقق فيه كرامة الانسان العراقي ان شاء الله.