أحد المسارح في العاصمة السورية دمشق

أن تعثر على نشاط ثقافي حالياً في دمشق أمر ليس من السهولة بمكان فصالات السينما في غالبيتها مغلقة تحت تبريرات عدة ومسارح دمشق تعاني الأمر ذاته بعدما ودعت آخر جماهيرها قبل رمضان وأسدلت ستارها مدعية معاودة نشاطها بعد انتهاء الشهر الكريم.


كلودا المجذوب الرفاعي من دمشق: الحركة الثقافية في دمشق يمكن وصفها اليوم بشبه المعدومة، وإن كان ثمة محاولات بسيطة هنا وهناك لإحيائها، لكنها لا ترقى إلى مستوى الجماهيرية والمتابعة. السبب البديهي الأول هو طبيعة شهر رمضان وعزوف الغالبية عن الخروج ورغبتهم بمتابعة الدراما والمكوث في المنازل أو المطاعم.

ولكن السبب الخفي الثاني الرغبة في الابتعاد عن التجمعات، سيما وأن التوتر ما زال قائمًا في هذه المدينة، التي ما عادت وأبناءها يعرفون العيش من دون متابعة الأخبار وإحصاء عدد القتلى.

وزارة الثقافة أنكرت مثل هذا الطرح، وأصرّت على استمرار الحياة الثقافية في البلاد، وأكد معاون وزير الثقافة علي القيم أن جداول الوزارة نفذت كما هي في الفترة السابقة من دون حدوث أي تغير أو خلل، ثم عاد ليصحح بأن التوقف حدث في المحافظات التي عاشت أزمات في الفترة الأخيرة، مثل حماه ودرعا وسواها.

وأوضح القيم أن الوزارة عملت خلال شهر رمضان على إحياء عدد من النشاطات المنسجمة مع روح هذا الشهر، كالسهرات الرمضانية في قصر العظم، وأن الوزارة مستمرة في التحضير لمعرض الكتاب السنوي المتوقع افتتاحه في شهر أيلول، ما بين 8-18 موضحًا أن المشاركة لم تتغير، ولم يعتذر أحد من المشاركين متحدثًا عن تأكيد 400 دار موافقتهم ونيتهم المشاركة.

توقف النشاط الغربي

وإن كانت الحياة الثقافية المحلية شهدت شيئًا من الركود، فتلك المستوردة والآتية من الدول الأخرى، وخاصة الغربية منها، تعيش اليوم حالة جمود شبه كامل، خصوصًا وأنكل المراكز الثقافية الأجنبية أغلقت أبوابها تقريبًا في دمشق، إما تأثرًا بالموقف السياسي لبلادها أو بحجة الإجازة الصيفية، كما أوضح مدير العلاقات الثقافية في الوزارة نزيه خوري، تاركًا الباب مفتوحًا لبيان موقفهم الحقيقي لقدوم شهر أيلول موعد انتهاء العطلة.

لكن حسن النية هذه لم تنعكس على النشاطات الثقافية السورية في الخارج التي أجّلت غالبيتها وتوقفت، واقتصرت على أسبوع ثقافي يقرر تنفيذه في روسيا الاتحادية، كما أوضح خوري، مع الإشارة إلى التوجيهات الحكومية الحالية للتخفيف من السفر ومصاريفه نظرًا إلى الظروف الخاصة التي تمر بها سوريا.

كما إن حسن النية تلك لم تمنع دمشق من اتخاذ موقف من فرنسا، واستبعاد السينما الخاصة بها كضيفة في مهرجان دمشق السينمائي، واستبدالها بالصينية، كما أكد الدكتور القيم.

عزوف الفنانين وتشجيع الوزارة

ميل الوزارة هذا لتنفيذ المعارض والمهرجان ربما يخالف التوقع السائد لدى البعض في الرغبة بالابتعاد عن التجمعات، وهو رأي ينكره سامر عمران المخرج المسرحي وعميد المعهد العالي للفنون المسرحية سابقًا، الذي أوضح عدم تبلغه شخصيًا بمثل هذا الطرح، مشيرًا إلى أنه لمس خلاف ذلك، مع رغبة الوزارة في المحافظة على الحياة الثقافية في سوريا، وإعادة الحياة إليها، مبررًا في الوقت عينه سبب هذا الجمود بعامل يتعلق بالفنانين أنفسهم، وحاجتهم إلى البحث عن أعمال تتناسب مع مستوى الحدث، وليس مجرد تقديم أعمال كمية، هدفها الإنتاج والربح.

ويقول عمران: quot;توجد مشكلة فكرية في البلد ضمن مجمل المشاكل التي تمر بها البلاد من حوالى ستة أشهر، مما ولد عند الناس ترقبًا على المستويين الاقتصادي والاجتماعي وطبعًا السياسي، وجعل اهتمامهم بالفن والشأن الثقافي ليس ضمن أولوياتهم، في المقابل أخذت المشكلة شكلاً أعمق عند الفنان وأهم، فهو محتاج في هذه الفترة أكثر من غيرها التمحيص جيدًا قبل الإقدام على أي خطوة أو تجربة فنيةquot;.

عمران أكد أنه في الفترة السابقة حاول تنفيذ عدد من الأعمال، لكنه قرر تأجيلها لإحساسه بأنها لا تتناسب مع هذه المرحلة، وشعر برغبة ملحة للبحث عن ما هو أجدى وأكثر ملائمة مع حجم الحدث المتسارع الوتيرة.

ولم يعتبر سبب ابتعاده الخوف من التخوين والحملات التي تحاك ضد من يقدم أي تصريح أو تعليق في هذه المرحلة، فهو يرى أن البلد أكبر من أن يقسّم ما بين مع وضد، لكن المشكلة الأهم السائدة هي حاجة المتلقي إلى التطرف بسبب حساسيته العالية وهو أمر لا يتناسب وتوجهات الدكتور عمران أيًا كان نوع هذا التطرف.

لكنه ترك الباب مفتوحًا ليأخذ دوره في هذه المرحلة بادئاً العمل بالتنسيق لأوبرا سوريا بكل القائمين عليها، فالمغنية والمخرج والسينوغرافيست وعازفو الأوركسترا وقائدها الجميع من سوريا، بتنوع انتماءاتهم، ويرى أن العمل في حال انتهى منه سيرى النور في تشرين الثاني أو كانون الأول، كما إنه في صدد الإعداد لمسرحية quot;العميانquot; لتقديمها كعرض محترف لشعوره بأنها تلبّي رغبته في هذه المرحلة بتقديم مادة غنية في مضمونها وأهدافها وقابلة جداً للبحث عن صيغ جديدة في الشكل الفني لعرضها على الجمهور.

غياب التغطيات

ويؤكد عدد من الصحافيين العاملين في المجال الثقافي أن الجمود في الحياة الثقافية في دمشق أمر لا يمكن نكرانه، والدليل غياب التغطيات الصحافية ومواكبة الأحداث في صفحات الجرائد وفي المواقع الإلكترونية، وإن كان البعض يبرر ذلك بطبيعة شهر رمضان، وتصدر الدراما على سواها من الأعمال.

في حين يرى البعض الآخر طبيعة هذه الفترة من تاريخ المنطقة العربية كافة، وتحول الأخبار ومجريات الأحداث لأولى الأولويات في حياتهم، وليضاف إليها الإجازات الصيفية التي أخذتها عدد من المراكز الثقافية الأجنبية، إضافة إلى دار الأوبرا التي أغلقت أبوابها للصيانة.