ازدحمت مسارح نيويورك في عام 2012 بأعمال انطون تشيكوف على نحو لم تعرف برودواي له نظيرا من قبل. وتكفي الاشارة الى ان الفترة الواقعة بين ايار/مايو وآب/اغسطس شهدت ثلاثة عروض لمسرحية الخال فانيا بثلاثة تأويلات مختلفة تماما قُدمت في نيويورك وحدها. وافُتتح عرضان آخران للمسرحية نفسها في لندن فيما قُدمت مسرحية النورس بإخراج جديد في جزيرة آيل اوف مان البريطانية وعُرضت مسرحية الشقيقات الثلاث بعد نقل احداثها الى روسيا اليوم.
وقدم مسرح تارغيت مارجن التجريبي في نيويورك موسما يستوحي مسرحيات تشيكوف بعنوان quot;ما بعد انطونquot;. وفي تشرين الأول/اكتوبر شهدت نيويورك عرضا لمسرحية ايفانوف قدمته فرقة المسرح الكلاسيكي الاميركية. وعُرضت مسرحية كوميدية تستوحي نظرة تشيكوف اليائسة الى عالم لا يرحم بعنوان quot;فانيا وسونيا وماشا وسبايكquot;. وقُدم على مسرح اكاديمية الموسيقى في بروكلين عرض على طريقة السيرك الاوروبي بعنوان quot;دونكا: رسالة الى تشيكوفquot;. ونُظمت في متحف نيويورك ندوة للمسرحيين الشباب بعنوان quot;تشيكوفي أنا وليس تشيكوفكquot;.
وتعتبر هذه العروض والفعاليات على اختلاف اشكالها والمدراس الفنية التي تقف وراءها تكريما لطبيب وكاتب روسي نجح قبل موته عن 44 عاما في اعادة تعريف طبيعة المسرح بخمس مسرحيات فقط. ولكن يبدو ان الدافع وراء هذا الاهتمام بتشيكوف هو رغبة أعمق للاقتراب منه قدر الامكان والتسلل تحت جلده وتحسس اعصابه أكثر منه الاحتفاء به. ويلاحظ الناقد بين برانتلي في صحيفة نيويورك تايمز ان لغة تشيكوف ليست مفهومة إلا إذا كان المرء يتكلم الروسية وان هناك شيئا في الوضوح الذي يتخلل ابهام تشيكوف واصراره الهادئ على ان الحياة ملهاة ومأساة في آن واحد، في عالم بلا ابطال ولا اشرار. وهذا الوضوح في ابهام تشيكوف هو السبب في تماهي فناني اليوم معه بحمية متجددة.
كتب تشيكوف في رسالة عام 1888 quot;ان الخيبة واللامبالاة والأعصاب المحطمة والاعياء هي النتائج الحتيمة للاهتياج المفرط وان هذا الاهتياج هو الى حد بعيد سمة الشبابquot;. ومن هنا الوشيجة التي تربط الكتاب الشباب اليوم بشخصيات لديها طاقة الشباب من دون الوسائل اللازمة لتحريرها. ولعل نظرة تشيكوف الى العالم هي ما يتعين استحضاره في فترات الاضطراب والمراحل الانتقالية حين تكون الايديولوجيات في حراك وفكرة الطمأنينة في هذا العالم تحت الحصار. فان اليأس في ظل الأزمة الرأسمالية والاحساس بأن اشكال التعبير القديمة اصبحت بالية دون ان تولد اشكال جديدة والاحتكاك الناجم عن حياة اجيال بلا أُفق والارتياب بالايديولوجيات مسبقة الصنع، هذه كلها هي سمات العصر مثلما كانت سمات روسيا تشيكوف الريفية قبل الثورة.
وفي الفترة الماضية اضافت كاتبتان مسرحيتان شابتان، على الأقل، اسميهما الى قائمة متألقة من الكتاب المسرحيين الناطقين بالانكليزية الذين قدموا ترجماتهم الخاصة لأعمال تشيكوف مثل توم ستوبارد ومايكل فراين وديفيد ماميت. وهاتان الكاتبتان هما آن بيكر (31 سنة) التي قدمت الخال فانيا على مسرح ووكرسبايس في نيويورك بعمل يبحث عن سهولة لغة دارجة معاصرة. واحالت الكاتبة البريطانية آنيا ريس (21 سنة) النورس الى عالم الكومبيوتر المحمول والهاتف الخلوي بعملها على مسرح ساوثورك بلايهاوس في لندن مع الالتزام بالنص الأصلي بقدر ما تتيح به عناصر تبدو بنت يوم مضى. وتناول عرض الخال فانيا الذي قدمه مسرح تارغيت مارجن التجريبي العقبات التي تحول دون فهم تشيكوف بالانكليزية لتعكس بمصادفة جميلة معاناة شخصيات المسرحية نفسها التي كثيرا ما تكون محاولاتها للتواصل مع الآخر محاولات عقيمة.
التعليقات