بغداد: تحت شعار (المسرح حياتي) احتضنت خشبة المسرح الوطني في بغداد، فعاليات افتتاح الدورة الاولى من مهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي الذي يستمر لسبعة ايام، والذي ستتوزع عروضه ايضاً على منتدى المسرح وسينما سمير اميس، ويأتي المهرجان في طليعة الفعاليات الخاصة بمشروع بغداد عاصمة للثقافة العربية عام 2013، حيث يعد المهرجان اضخم تظاهرة مسرحية عربية تشهدها العاصمة، بل أنها الاولى من نوعها على مستوى المكانة والقيمة خلال السنوات التسع الماضية، لاسيما مع التواجد العربي المميز لاكثر من 250 شخصاً يمثلون عشر دول عربية من بينها العراق وهي : المغرب، السودان، سورية، تونس، سلطنة عمان، الجزائر، مصر، الامارات والاردن، فضلاً عن العديد من الشخصيات المسرحية العراقية التي تعيش في بلدان الغربة.
وشهد حفل الافتتاح حضوراً اعلامياً وفنياً وجماهيرياً كبيراً جدًا غصت به قاعة العرض مما اضطر الكثيرون الى متابعة الفعاليات عبر شاشات توزعت على اروقة المسرح، وهو ما ادهش الجميع واسعدهم بشكل كبير عبروا عنه بصراحة وفخر مؤكدين على اهمية أن يلتقي الشباب العربي المثقف ويتبادلون الافكار ويعيدون ربط الوشائج التي انقطعت بسبب السياسة، وشمل حفل الافتتاح على كلمة لوزير الثقافة الدكتور سعدون الدليمي جاء فيها : نؤمن بأن السياسة احياناً تقطع كل الجذور... لكننا نقول ما تعجز عن تحقيقه السياسة تحققه الثقافة بكل مفاصلها المادية والمعنوية، مؤكدًا على : أن الذين يقولون بأن الفن حرام والمسرح حرام والملتقيات الشبابية المفرحة ذات الارادة في التغيير وفي مد جسور التواصل بين الناس حرام في هذا الوقت، اقول لهم : عيشوا في زواياكم المظلمة فنحن سنشعل الشموع في كل الزوايا، سنطاردكم بابداعنا بارادتنا.. بارادة الشباب، كما قال ايضًا : كل مانريده من هذا الملتقى أن تتواصلوا مع بعضكم كفنانين كمبدعين كشباب من اجل خلق حالة من التعايش في ما بينكم وأن تخلقوا الجسور بالتعايش والمحبة بين مجتمعاتكم فانتم رسل السلام.. انتم رسل التسامح.. وكم نحتاج من السلام والتسامح مع كل ما عانيناه في هذه المرحلة اتمنى ان تكونوا زراع الامل في نفوس كل الناس زراع الفرح والمحبة.
ثم جرى استعراض جميل قدمت فيه اعلام وازياء الدول المشاركة، كان السيناريو له من اجمل ما يكون حيث جاء عبر لوحة فنية جميلة تجسدت في ابواب عديدة تحمل اسماء الدول يتم طرقها فيخرج ممثل كل دولة بزيه الخاص، بعده قدمت الفرقة القومية للفنون الشعبية اوبريت يحمل عنوان (بغداد والشعراء والصور) كتب اشعاره صباح الهلالي ويحيى الجابري، والموسيقى والالحان لمحمد هادي والقراءات الشعرية للفنان ميمون الخالدي، وكانت الرقصات جميلة ومعبرة بحركات الراقصين والراقصات الذين تمتعوا بمرونة عالية، وقد تضمن الاوبريت قصائد شعرية للشيخ احمد الوائلي ومحمد مهدي الجواهري ونزار قباني ومصطفى جمال الدين، وصمم اللوحات الفنان فؤاد ذنون الذي قال إن الاوبريت يتحدث عن الصراعات والاطماع التي شهدتها بغداد حيث يتغنى الشعراء الكبار بها ومن ثم يتم تتويجها والاحتفاء بها كونها مدينة الشعر والثقافة، وقد تميز الاوبريت بالشمولية في التنوع التراثي الفلكلوري ومن خلال اللوحات التي قدمت للمرة الاولى.
كما تضمن حفل الافتتاح مشاركة للفرقة السيمفونية العراقية / فرقة اوركسترا الشباب بقياد المايسترو علي الخصاف، وكذلك مشاركة لفرقة منير بشير بقيادة الموسيقار سامي نسيم، ليكون مسك ختام فعاليات الافتتاح العرض المسرحي (فياغرا) من تأليف واخراج صلاح منسي وتمثيل : ياس خضير، غسان اسماعيل، امير ابو الهيل، علاء الشرقاوي، عباس فاضل واحمد مونيكا.
وينطوي المهرجان على عروض مسرحية شبابية مهمة تعكس تجارب المسرحيين العرب في البلدان المشاركة التي تنطوي على رؤى وتجارب شبابية متقدمة، فالمغرب سيقدم مسرحية (مدينة العميان) والجزائر مسرحية (نساء بلا ملامح)، وتونس تشارك بمسرحيتين هما: (طواسين) و (قصر الشوق) في حين تشارك مصر بمسرحية (ليلة القتلة) والسودان بمسرحية (عرض غير قابل للنقد وجسد غير قابل للتشريح)، اما الاردن فستشارك بمسرحية (جثة على الرصيف) وتشارك الامارات العربية المتحدة بمسرحية (باب الطوب) وسلطنة عمان بمسرحية (الخوصة والزور) فيما تشارك سورية بمسرحية (مولانا) فضلاً عن الاعمال العراقية وهي : مسرحية (فياغرا) لصلاح منسي و (تذكر أيها الجسد) لغسان إسماعيل و(فقدان) لأنس عبد الصمد ومسرحية (مملكة العميان) من كردستان، ومسرحية (باسبورت) لعلاء قحطان.
وقد استطلعنا العديد من الآراء حول قيمة المهرجان واهميته للمسرح العراقي أو المسرح العربي أو لبغداد التي تحتضن هذا المهرجان للمرة الاولىمنذ التغيير الكبير في العراق عام 2003.
فقد قالت الفنانة المصرية انتصار : انا مبسوطة جدا لحضوري في مهرجان بغداد للشباب العربي في دورته الاولى، وهو شيء يسعدني جداً، وكلناسعداء ومتحمسون، لذلك كلنا كان لدينا اصرار أن نأتي الى بغداد، فالوفد المصري تعداده 25 شخصاً، من اجل ان ندعم المهرجان في دورته الاولى ومن اجل ان يستمر ويقام في كل سنة.
واضافت : انا أتيت كضيفة شرف في المهرجان وللتحكيم ومعي عرضان مصريان، وهذه اول زيارة لي لبغداد، بغداد جميلة، واول حاجة شفتها واعجبتني هو نهر دجلة، فأول ما فتحت الشباك في الفندق وشاهدت نهر دجلة افتكرت نهر النيل، فأحسست انني جالسة في فندق بمصر وانظر الى نهر النيل.
يوسف بلوشي، المخرج العماني، قال : قيمة المهرجان كبيرة، وأهميته تكمن في اقامته في العراق، وان مهرجاناً عربياً بهذه الضخامة هو نجاح بحد ذاته، نجاح كبير اولا للمسرح العربي قبل ان يكون نجاحًا للمسرح العراقي او للعراق، التواجد العربي هنا هو كسر حاجز الصمت، ربما للتخوف أو الامن أو القلق وما نسمعه عن العراق، وتحدي هؤلاء الشباب ووصولهم والكل يتحمل مسؤولية نفسه والكثير من الاشياء ووصل الى بغداد لكي يقدم عرضاً مسرحيًا، ولكي يساهم مع اخوانه المسرحيين في العراق بحد ذاته نجاح لهم.
اما الدكتور محمد حسين حبيب فقال : تكمن اهمية المهرجان في هذا اللقاء الحميمي لعدد من المسرحيين العراقيين الذين كانوا مغتربين في الخارج وها هم اليوم بيننا كأصدقاء وفنانين أسسوا جذورًا مهمة لتاريخ المسرح العراقي ورصانته وقوته، واعتقد أن هذه فضيلة كبرى برأيي الشخصي للمهرجان، والفضيلة الثانية المهمة هو اللقاء بعدد من المسرحيين العرب من مختلف الدول العربية بمستويات في عمر الشباب ومنهم من الاساتذة ومنهم اسماء معروفة على صعيد النقد والاخراج والنقد المسرحي، واعتقد أن فضائل اي مهرجان وان يكون عربيًا وبهذا الظرف بالذات اعتقد هذه اهمية على الصعيد الفني اولا وعلى الصعيد السياسي والاجتماعي وربما حتى من حيث العلاقات وعودة العراق بقوة الى المشهد المسرحي العربي الذي مع الاسف تأخرنا عشر سنوات تقريبًا عن مواكبة الحدث المسرح والتطور التقني في المسرح العربي وحتى العالمي، اعتقد هذه خطوة مهمة ومباركة في أن نكون مع الركب دائما، لان المسرح العراقي يسألوننا عنه دائما وهل ما زال قوياً وبخير، واعتقد أن هذا المهرجان جواب على كل الاسئلة المتواردة.
فيما قال الفنان فاضل عباس : لا اعتقد أن اثنين يختلفان على أن أي خطوة أو جهد أو تأسيس خير وجميل يتعلق بالثقافة التي هي البنى التي تدعم الانسان هو بالتأكيد تأسيس لانموذج راقي لمجتمع متحضر يهتم بالفنون وبالمثقف، وما يتعلق بمهرجان المسرح للشباب العربي فأنا مؤمن به وان هذا هو التأسيس الصح، وبالضرورة أن القطاف لهذا المهرجان لايكون في لحظته، نحن الآن في لحظة التلقي، في لحظة الانصهار، هناك وفود عربية أتت وعروض مختلفة، ومن الطبيعي ان يصير هناك تلاقح وأن تكون هناك مشاكسة، هذه التبادلية الربحية بالمسرح،اي اعمال تنافس بعضها وايضا تبادل الخبرات والمعرفة، هذا كله يؤسس بالنتيجة الى شيء بعيد المدى وكأن تزرع نخلاً، والنخيل يتطلب وقتًا طويلاً.
وقال الدكتور باسم الاعسم : المهرجان خطوة رائعة باتجاه تفعيل المشهد الثقافي والمسرحي خاصة، وهو خطوة بالاتجاه الصحيح لأن يصب في قلب المصلحة الثقافية، اي اعلاء شأن الثقافة والمسرح بشكل خاص وبالتالي إن هذا المهرجان سوف يكشف عن المواهب الشابة المتطلعة نحو بناء مسرح جاد انساني حقيقي جمالي رائع، ولذلك أن هذا المهرجان يعد اكثر من تظاهرة ثقافية لانه يسلط الاضواء الكاشفة على كل المواهب الابداعية سواء في ما يتعلق في حقل الاخراج والتمثيل والديكور وسائر مفاصل العملية المسرحية.
اما الفنان طه المشهداني فقال : قيمة المهرجان لا توصف لأنه من خلاله سوف تتمخض اشياء كثيرة بالتوجه الى المسرح العراقي نحو فتح حضاري وابداعي كبير ليس على الصعيد المحلي فقط بل على الصعيدين العربي والعالمي، وان شاء الله سيكون مناسبة لمد الجسور الثقافية بين شبابنا العراقي والشباب العربي وهذه الشخصيات التي حضرت هذا المهرجان الكبير الذي ستكون له نتائج في المستقبل القريب وعلى المستقبل البعيد إن شاء الله.