د. حسين الانصاري/ السويد ndash; مالمو: يتواصل عرض مسرحية -زونين - اي المكان وهي من انتاج بيت الاحلام في مدينة مالمو السويدية وهي مؤسسة ثقافية تهدف الى الاهتمام بثقافة الشباب من خلال الفنون والوسائل الاتصالية المختلفة ومن ضمنها الفن المسرحي الذي يلقى اهتماما مميزا من خلال تواصل العروض ليس في المدينة فقط بل في معظم المدن السويدية وكوبنهاجن ايضا.
ينسجم مضمون هذا العرض الذي شاهدته في مسرح انتمان مع توجهات بيت الاحلام حيث يتناول قضية الشباب وقدراتهم حينما تتحد لتبني عالما افضل، تم استلهام هذا العرض من مسرحية سابقة كان قد كتبها المؤلف يعقوب هيرد ولز اسمها -هدية سيرمونس- لكن النص ضاع في اتون سيناريو العرض واللوحات البصرية ولم يتبق منه الا اشارات عابرة
قام بأداء ادوارالعرض مجموعة من الشباب الهواة الذين تم تدريهم واشراكهم في الاداء الى جانب اثنين من الممثلين المحترفين.
المشهد الاول يحيل المتفرج الى حالة من الترقب والانتظار حيث يعلو المسرح ساعة الكترونية مع انبعاث الدخان وعلى يمين المسرح يقف الرجل ببزة عسكرية والى جواره مساعدته بأنتظار نداء عبر الهاتف، انه معسكر اعتقال اوما يشبه ذلك، يتلو الرجل العسكري بيانا حول عملية اعتقال لمجموعة من الشباب،بنبرة قوية وانفعال واضح وحركة عسكرية مبالغ فيها ن انها توحي بأسقاطات سياسية واجتماعية ترتبط بالسلطة والادارة وكيفية تعاملها مع الشباب لانهم يشكلون نبض المجتمع وحيويته ومستقبله، وتدرك السلطات خطورتهم من جانب ودورهم الايجابي في عمليتي التغيير والبناء، من هنا يتوضح منظور التعامل معهم اما سلبا فتتم محاصرتهم والتضييق على حريتهم او ايجابا حيث الوقوف الى جانبهم واتاحة فرص التطور والدعم لمشاريعهم وافكارهم.
هذا العرض يقدم النموذج الاول الذي يسعى لمحاصرة الشباب وتفريغ طاقاتهم الابداعية كي لا يشكلوا خطرا على وجودها فيتم سلب قوتهم التي يتمتعون بها وقد استعارت مخرجة العرض ليزا فراي بالقلائد -الاوسمة التي يتم نزعها من رقاب الشباب واحدا تلو الاخر اثناء اقتيادهم الى المكان المنعزل كي يصبحو بلا ذاكرة او وعي انها اشبه بعملية غسيل الدماغ- واسكات الصوت الذي يطالب بحقوقه المشروعة ومن هنا ستضمن السلطة فرض قوتها على هذه الطاقات وايقاف تفاعلها مع المجتمع بعد زجهم في هذا المكان مالذي يوحي بأنه السجن.
لكن رغم ممارسات السلطة التعسفية الا انها لن تفلح في ايقاف نشاط الشباب وتعطيل ارادتهم ، بل كلما يزداد سلوك الحاكم استبدادا تكون ارادة الشعب اقوى في المواجهة والتحدي من اجل الحرية والخلاص، وهذا ماجعل الشباب يستعيدون اوسمتهم بعد نوم الحاكم اثر تناوله الخمر واستغراقه بنوم عميق، عندها يعود النشاط وتلتقي الارادة ويتفق الجميع على تغير الواقع نحو عالم افضل
لقد كان هذا المشهد حافلا بالحركة والالوان والاضواء حيث برع مصمم الاضاءة هانز اولوف بخلق اجواء ضوئية تناغمت مع المشاهد التعبيرية والرقصات الحديثة التي صممها الفنان ميلودي بوتو الى جانب المظلات والاعلام الملونة التي منحت العرض رمزا ودلالة وقد كانت مجموعة الشباب طيعة في تنفيذ الحركات الجسدية والشغل الجماعي ضمن رؤية العرض الكلية، وهنا تكمن صعوبة العمل الاخراجي مع الهواة حيث يتطلب بناء المشهدية دقة في التعبير الصوتي وكذلك توحيد الحركة وانسجامها والى جانب المحافظة على ايقاع العرض الذي كان للموسيقى والغناء حضورا مميزا فيه رغم ان الفرقة الموسيقية قليلة العدد الا إن استخدام الموسيقى الالكترونية والعزف الحي قد اضفيا على العرض حيوية وتشويقا.
حاولت المخرجة ان تستعين بالتقنية الحديثة في صياغة سينوغرافيا العرض التي صممها الفنان التشكيلي جعفر طاعون بالتعاون مع اريك فيستمان وقد اعتمدت على استثمار الفضاء عموديا وافقيا حيث استخدم لواقط الاقمار الصناعية التي ارتفعت في وسط المسرح جاعلا من هذا المكان منصة للفرقة الموسيقية، اما ارضية الخشبة فقد استغلها المصمم لتكون مكتبا للحاكم وعلى يسار المسرح انتصبت بدالة الكترونية للاتصالات اقتربت بشكلها من نحت تجريدي كان الحاكم من خلالها يدير عملياته وينفذ اوامره بطريقة توحي بالتسلط والقوة والخشونة في التعامل مع الشباب او مع مساعديه الذين تمردا عليه في نهاية المطاف ايضا لينضما الى حركة الشباب.
لكن ما يؤاخذ على الجانب الاخراجي ضعف استثمار جهاز التلفون - البدالة- وبقيت مجرد كتلة ثابتة في المكان في حين كان يمكن تحريكها واستغلالها في مشاهد بصرية اكثر تعبيرا وجمالية وكذلك الحال للساعة الالكترونية التي ظلت عبارة عن شفرة ايقونية تشير الى زمن العرض المسرحي في حين كان من الممكن ان تستثمر في دلالات اخرى تتعلق بأيقاف الزمن حين تسلب الاوسمة من الشباب ثم يعود الى حركته مع عودة ارادة الشباب وانتصارهم
وتضمن العرض توظيف الفيلم الذي نفذه -بيتر هارتمان- عبر لقطات مختلفة التعبير في مشاهد القبض على الشباب اثناء محاكمتهم حيث شكلت خلفية لها، انها الذاكرة غير المرئية وربما استرجاعات للطفولة التي تمثل مرجعيات هؤلاء الشباب وكيف يتم استلاب ذاكرتهم و محاولة تعطيلها عن التفكير والوعي.
اما تصميم الازياء للفنانة اوسا جيرستاد فقد كان غاية في التعبير والتناغم اللوني للمجموعات الاربعة او الشخصيات الفردية حيث عكست التصميمات اشكالا غرائبية فنية ومعبرة كما انها ساعدت الممثلين على حرية الحركة والرقص ورسم دلالات موحية بالرمز والمعنى.
شخصية الراوي او الحاكم -كوستاف فيدا - التي قام بأداءها الفنان اندريس بلينترا جاءت محورا اساسيا في قيادة وتوجيه احداث العرض وقد نجح اندريس في اداء التحولات الدرامية في هذه الشخصية التي تتطلب فهما للجوانب النفسية والانفعالية الى جانب الحركة الخارجية التي منحت الشخصية قوتها وابانت عن سلوكها التسلطي وقسوة التعامل مع الاخرين.
اما اليزابيث سفنسون فقد ادت دور الحارس بدقة وتفاعل مع تفاصيل الدور.
مجموعة الشباب ورغم حداثة عهد الكثير منهم بالتمثيل المسرحي الا انهم قدموا إداءا مقنعا من خلال حركتهم ومرونة اجسادهم التي تناغمت مع ايقاعات الموسيقى واللوحات التعبيرية التي جسدوها خلال مشاهد العرض، ال كان بالامكان توظيف حركة المجموعة الكبيرة من الشباب في تركيبات بصرية وتشكيلات جمالبة.
وكانت اللوحة الاخيرة متقنة الاداء حيث تظافرت فيها عناصر العرض والتشكيل والاداء المسرحي والموسيقى والالحان في رسم خاتمة لعرض مسرحي شبابي شيق يعد اضافة الى رصيد هذا المشروع الفني الذي تديره لوتا ليندكرين منذ سنوات وتقوده بنجاح متواصل. املين ان يتواصل دعم الطاقات الشبابية في هذه المؤسسة ويصار الى تشكيل فرقة مسرحية دائمة تكون ورشة عمل وتدريب لتأهيل الشباب والهواة في فنون المسرح المختلفة.
- آخر تحديث :
التعليقات