- العراق الان يمنع نفسه عن التقدم بهذه العقول المتحجرة
- غرف منتدى المسرح كحضيرة خنزيز !!
- المسرح العراقي مدرسي، والفنان منعزل عن المجتمع
- في العراق.. الفنان في خدمة الادارة وليس الادارة في خدمة الفنان!!
- الذي يمنع عملا مسرحيا من العرض..هو اسوأ من (صدام)

عبد الجبار العتابي من بغداد: اعرب المخرج المسرحي العراقي المغترب علي أمين عن خيبة امله بما لاقاه في بغداد خلال الشهور الاربعة الماضية التي امضاها في اقامة ورشة تدريبية لمجموعة من الشباب وانجاز مسرحية كان من المؤمل ان تعرض خلال الايام القريبة لكن دائرة السينما منعته من عرضها لانه لم يستجب لطلباتها بضرورة اضافة اسماء لا علاقة لها بالمسرحية ليكونوا ضمن كادرها، وقال علي امين الشهير بـ (علي مسرح) في فرنسا، وهو اسم اطلقه عليه الشاعر العراقي عبد القادر الجنابي حسب قوله، سنحذف اسم العراق من المسرحية، وهذه هي خيبة الامل، وهذا ما تريده ادارة السينما والمسرح، وما يريده حكام الدائرة، جلادو الفنانين، فعندما يمنع عمل مسرحي يكون مانعه اسوأ من (صدام).

* من كلفك بالعمل؟ ما حكاية مسرحيتك اولا وعمّ تتحدث؟
- انا مخرج مسرحي فرنسي من اصل عراقي، دعتني وزارة الثقافة العراقية كخبير اعمل ورشة مسرحية للشباب،
وبما انني عراقي قالوا لماذا تقدم العرض بأسم فرنسا، وبما ان المشروع حول الشاعر العظيم الجواهري، (هاي حجاية حمادي اللي ضاع ببلادي) تأليف مثال غازي واخراجي، والمسرحية تتناول كيفية عسكرت الشعب العراقي من قبل النظام السابق وجعل تفكير الجندي بواسطة قدمه، حيث تم تحويل الشعب العراقي الى مجموعة من (البساطيل)، وهي تبدأ بسرقة حذاء ومن هنان تبدأ مقولة (حمادي) الحمال الذي يعمل في السوق، والعمود الفقري للمسرحية ثلاثة ابيات شعرية للجواهري وهي: (نامي جياع الشعب نامي) و (حييت سفحك من بعد فحييني/ يا دجلة الخير يا ام البساتين) و (ما تشاؤون فاصنعوا / فرصة لا تضيعُ)، هذه القصائد الجميلة التي تتحدث عن تاريخ العراق السياسي من عام 1900 الى عام 2003، فالجزء الاول قصة الشعب، والجزء الثاني عملية التآمر الكبير على الشعب العراقي للوصول الى السلطة والوصول الى (قائد الضرورة)، ولكن عندما صار القائد الضرورة لم يسكت الشعب وحدثت الانتفاضة الشعبية الجميلة عام 1991، وكيف خرج الشعب العراق الان محطما بدون امل، وهذه المسرحية تريد ان تعيد الامل لهؤلاء الناس البسطاء باختيار عشرة شباب لنفتح لهم باب المستقبل ليكونوا ممثلين رائعين، اشتغلت معهم لاربعة اشهر وصاروا دررا بالنسبة لي، درر من التمثيل لمستقبل المسرح العراقي الذين هم ما يزالون طلابا في كلية ومعهد الفنون الجميلة، هؤلاء هم مستقبل العراق، ولكن لللاسف بعد اتمامنا التمارين ووصولنا الى العرض يأتي قرار من المدير العام لدائرة السينما والمسرح بمنع عرض المسرحية.

* متى بدأتم التمارين وأين وصلتم؟
- بدأنا التمارين يوم 2 / 1 / 2012 الى يوم 20 / 4، وكنا نجري التمارين يوميا في منتدى المسرح وبشروط صعبة جدا، بحيث ليس لدينا مكان تمرين، نتنقل من غرفة الى غرفة، وعندما نريد غرفة لراحتنا ونضع فيها اكسسواراتنا، نأتي في اليوم التالي فنجدها كحضيرة خنازير من اعقاب السكائر وعظام السمك وقواطي المشروبات الغازية والماء، فالعمل في هذه الظروف تؤثر على قدسية المكان، وعلى قدسية الزمان الذي نحن نعمل فيه، على قدسية الانسان واحترامه لزمنه ولمكانه ولنفسه بحيث يريدون يضعون عوائق نحو تقدم هؤلاء الشباب.

* من يضع العوائق؟
- لا استطيع ان احدد لان المسألة متشابكة، الان الفنان في خدمة الادارة وليس الادارة في خدمة الفنان، لابد للفنان ان يخضع لكل شروطهم الادارية ولكل اغلاطهم الادارية لعمليات السفر لعمليات الايفادات، من خلال اضافة اسماء معينة الى ملاك عمل المسرحية، وهذه تؤثر على الميزانية كثيرا ومن ثم على العمل الفني بحيث الديكور يكون غير جيد والانارة سيئة لان الميزانية ستتوزع على هذه الاسماء الاضافية.

* ما السبب الحقيقي وراء منع عرض المسرحية؟
- بعد ان انتهينا من التدريبات وقررنا ان نعرض المسرحية يوم 27 / 4 / 2012 وكل شيء في طريقه ليكتمل وهناك اشياء اكتملت، فوجئنا بقرار المنع، لانهم فرضوا عليّ اسماء ان نضعها في (البوستر او الافيش او الفليكس) سمها ما شئت، اسماء زائدة عن العمل ولا علاقة لها بالعمل، مثلا: انا خبير فرنسي يريدون وضع (مشرف عام) عليّ، وهو لم يقرأ نص المسرحية ولا يدري ما عملناه نحن ولا يعرف عنا اي شيء، وتعالوا ضعوا اسمي، وأصر على ان يكون اسمه معنا، و (لازم ) تضعون اسمي ولا اعرف ما السبب، ولا نعرف ما هذه الـ (لازم)، وحين نسأله: من انت؟ يقول: انا مدير المنتدى ابراهيم حنون، ولابد ان ينزل اسمه كمشرف فني، وهو لم يقرأ النص ولا يعرف ما هو، ولا يدري بالموضوع الاخراجي، ثم ما معنى (مشرف فني)؟، وانا خبير مسرحي، ولا يجوز ان يكون على الخبير مشرف فني.

* هل كانوا يعرفون انك خبير ام يعرفون انك مخرج فقط؟
- انهم يعرفون انني خبير، وهذه ورشة مسرحية وكل الموافقات اللازمة على الورشة موجودة من السيد الوزير والميزانية موافق عليها، ولكن العملية في حقيقتها لخنق الشباب، لخنق عملية صعود الشباب الذين اصبحوا يفكرون بمستقبلهم بدون تسلسط اضواء اعلامية.

* ما الاجراء الذين ستعمله خلال الايام اللاحقة للمنع؟
- اريد ان احصل على حقوق هؤلاء الشباب، وبما انني ليس لدي اي ارتباط بالدائرة، فالعمل جاهز ومن الممكن ان نعرضه في قاعات عرض بعضها عرض عليّ ذلك وسنذهب ونعرضها سواء في بغداد واربيل و البصرة و الديوانية والنجف، وهي قاعات تابعة لنقابة الفنانين وللمحافظات.

* ولكن الا تعترض دائرة السينما والمسرح على عرضها بعد منعها؟
- لا علاقة لي بالدائرة، وان كان الغرض هو ان تدفع الدائرة مخصصات الايفادات فنحن ليس عندنا ايفادات، نحن من خارج الدائرة، فهم منعوا عرض العمل وعندما يمنعونه بلا اسباب موجبة فما ذنبنا نحن؟، انا لا اعرف اسبابهم لمنع العمل، لكنني مقتنع انها لمنع عجلة التقدم لهذا الشباب الرائع، لهذه الدرر الرائعة، انهم اصبحوا يغارون من هذه الدرر، فكيف يكون هؤلاء الشباب نجوما على حسابهم، هذه هي حقيقة المسألة، فقد كان كل املي ان اعرض على خشبة المسرح الوطني، والا اقول ان المركز الثقافي الفرنسي اراد العمل ان يكون بأسمه، ولكنني وجدت حين افعل ذلك معناه ان الغرب هو من قدم العمل وليس العراق الذي انا اردت ان اقدمه بأسمه، فالعراق الان يمنع نفسه عن التقدم بهذه العقول المتحجرة للمصالح المادية.

* خلال وجودك في بغداد.. هل تعرفت على المسرح العراقي بشكل واضح؟
- نعم.. وقد وجدته مسرحا مدرسيا، الفنان في العراق منعزل عن المجتمع وليس له اية علاقة بالمجتمع، هناك مثل عراقي قديم يقول (مرقتنا على زياكنا)، اي انهم يشتغلون العمل ويعلنون عنه ولكن لم بشاهده سوى موظفو دائرة السينما والمسرح، ولا اعتقد ان احدا من ابناء الشعب شاهد مسرحية هنا على خشبة المسرح؟ واذن.. هم فيما بينهم يعملون مسرحية ويشاهدونها كأنهم يعملونها لانفسهم، فهذا هو حال المسرح في العراق، فأنا لم اشاهد مسرحية تحكي عن المجتمع واحباطاته وعن مستقبله الذي ضيعه النظام السابق.

* الا يمكن ان ترجع لوزارة الثقافة التي دعتك كخبير لاقامة الورشة وتنقل لها ما حصل؟
- بالتأكيد سأفعل ذلك..، فلابد لي ان اعرف سبب المنع.

* هل ما حدث لك سيجعلك تبقى ببغداد ام تعود الى فرنسا؟
- العراقيون اهلي وناسي، والجمهور الذي اردت ان أأتي به الى هذه المسرحية هم العمال البسطاء في منطقة (السنك) وحمالي (الشورجة)، اردنا ان نعمل اعلانات في شارع المتنبي للناس المثقفين مثلما نعلن عن المسرحية في مختلف الاماكن الشعبية.

* ما الخطوة المقبلة اذن بعد هذا المنع المؤسف؟
- انا اردت ان يشوف الفرنسيون كيف هنالك درر في التمثيل، لذلك اريد ان آخذ هذا العمل الى فرنسا وقد حصلت على كل الموافقات من هناك لعرض العمل في معهد العالم العربي، وان سافرت الى باريس فمن اجل ارسال تذاكر السفر والدعوة، وسوف اقدمه بأسمي وللاسف سنحذف اسم العراق، وهذه هي خيبة الامل وهو ما تريده ادارة السينما والمسرح، وما يريده حكام الدائرة، جلادو الفنانين، فعندما يمنع عمل مسرحي يكون مانعه اسوأ من (صدام).

* اي شيء ما زال في نفسك لتقوله
- انا الان فرحان لان هؤلاء لابد ان ينكشفوا امام العالم ولابد ان نعريهم، هؤلاء الـ (........)، اما العمل فيمكن عرضه في الحدائق العامة، واعتقد ان الناس سيأتون و سيستمتعون به.

* اي شيء مختصر يمكنه نقرأه في سيرتك الذاتية؟
- من مواليد بغداد / محلة الدهانة عام 1948، خرجت من العراق بسبب عمليات القتل الجماعي التي حدثت عام 1978 ndash; 1979، وبدايات القمع العشوائي للمثقفين، وسافرت الى فرنسا ودرست المسرح والسينما، وكان موضوع اطروحتي حول المخرجة المسرحية الفرنسية (اريان موشكين) واكملت الماجستير، واصبح لديّ اتصال بالمسرح الفرنسي ومن ثم عملت مع بيتر بروف لمدة سنتين وبالنهاية اشتغلت مشاريعي الخاصة فعملت مشروعا لمعهد جورج بومبيدو الذي هو اكبر مركز ثقافي في باريس، وعملت مشروعا لمعهد العالم العربي حول الذهاب والاياب بين الغرب والشرق الثقافي، وعملت اكثر من 20 مسرحية بفرقتي التي اسمها (مزرعة الاحلام) وما زلت اعمل مسرحية واحدة كل سنة.