ملأ زخم الثورة سماء المهرجان الدولي الرابع للمسرح المتواصل حاليا بمدينة بجاية الجزائرية (260 كلم شرق)، بالتزامن مع احتفالات الجزائر بخمسينية الاستقلال (1962 ndash; 2012)، واستمرار الأسئلة الهاجسة حول الثورانية والتثوير في ظلّ الأحداث المفصلية التي تشهدها المنطقة العربية.

الجزائر: بجاية لؤلؤة المغرب الأوسط قديما، والمدينة التي مارست غوايتها في القرن السابع الهجري أيام الحفصيين، ها هي تعود لترسل شعاعها الفني من جديد، عبر تظاهرة دولية بنكهة فرجوية ثائرة تحمل تواقيع 17 دولة عربية، إفريقية وغربية، في مسعى يروم الانفتاح على أكبر قدر من التجارب والمتلقين.
الجزائر: تحت شعاراتية quot;المسرح الثوري.. مسرح ملتزمquot;، اختار المنظمون أن يقام حفل الافتتاح خارج الفضاءات المغلقة، حيث حضرت جوقة جماهيرية متعددة الألوان، في طقس مختلف انتشى بفنون الأداء المحلية، حيث شهدت الساحة الكبرى عرضا كوريغرافيا متكاملا امتزجت فيه طبوع بني ميزاب والقبائل والأوراس والعلاوي وكذا الطوارق، وهي مجموعات إثنية أصيلة في الجزائر.
وفي تصريحات خاصة بـإيلاف، عزا quot;عمر فطموشquot; محافظ المهرجان اعتماد نمط استعراض شعبي في الهواء الطلق، إلى ضرورة إعادة المسرح إلى الشارع، ما فرض افتتاحا quot;ثائراquot; على القوالب السائدة قبلا.
وكان رفع الستائر بعرض quot;افتراض ما حدث فعلاquot; للمسرح الجهوي أم البواقي، حيث استوحى المخرج الجزائري quot;لطفي بن سبعquot; نص الدراماتورج العراقي quot;علي عبد النبي الزيديquot; وموضوعته حول الدكتاتورية، ما أنتج عملا غارقا في السواد والسخرية الدامعة من رقصات الجنون والقتل والدمار.
كما حلّق الحكواتي الجزائري quot;كمال زواويquot; في أجواء مرحة، مستحضرا مواقف كاريكاتورية لجحا الماكر المغفل والمغامر، وسط ديكور بنفسجي، وتوابل جميلة مطعّمة بحكايا الفأر والمسمار والبقرة الكاسدة، بالمقابل، أقحم المخرج الفرنسي quot;ريشارد دو مارسيquot; في عمل quot;وصية ميتquot; المتفرجين في حلقة بحث سريالية، بعد رفض بطله quot;باديس فضلاءquot; المصير المحتوم لأي ميت آيل إلى جسد هامد في يد غسّاله.
وفي صراع ذاتوي مترع بالأضداد، تأرجح العرض بين وجدانية الميت quot;باسلquot; ودواخل الغسّال quot;الطاهرquot; الباحث عن الحياة في سياق مونودرامي ساخر خاض في تقلبات نفسانية مأزومة بالانشطار وسط الملذات والأسئلة الصادمة.
ويتضمن برنامج التظاهرة كوكبة عروض مغاربية محضة، تتصدرها ثلاثية quot;عرس الذئبquot;، quot;1930quot;، وquot;صفر القطارquot;، إضافة إلى حضور متوسطي لافت من خلال إيطاليا بـquot;يوم 177quot;، quot;صيد عجيبquot; وquot;حفلة ذات صوتينquot; ستكون مؤثثة بأطياف روما والبندقية.
وتشارك فرنسا بستة أطباق تجسد عطاءات: أبناء زواب، مسرح قرابوج، وقت الحياة، مسرح لانش، فرقة الكنز، التوائم الثلاثة، في حين يحضر العرب بـquot;الحفارquot; الكويتية، quot;وجوهquot; الكويتية، quot;كيخاه شيشاهquot; الليبية، فضلا عن الثلاثية الأردنية quot;الهجرةquot;، quot;زهايمرquot; وquot;سلافة النمرودquot;، بينما يسجّل الأفارقة حضورا قويا من خلال مسرحيي السينغال، البنين، الطوغو، وغينيا.
إلى ذلك، استقرأ منتدى فكري تراكمات نصف قرن من عمر المسرح الجزائري، وقدّر كل من quot;محمد أدارquot;، quot;أحمد بن عيسىquot;، quot;عبد الحميد رابيةquot;، quot;جمال مريرquot; وquot;عبد الناصر خلافquot; بوجود قطيعة، زادها هشاشة فشل الفرق المستقلة في رهاناتها.
من جانب آخر، وفّر المهرجان ترسانة تكوينية للشباب عبر ثماني ورش واعدة، ولتكريس الرسكلة، تحظى الدورة بخبرات أرمادة أخصائيين كبار، مثل هنري تواتي وريشارد دومارسي من فرنسا، خليدة ماجدة الوالي من العراق، حافظ جديدي من تونس، عبد الرحمان بن زيدان من المغرب، ودلال مكاراري من ألمانيا.
ويطرح الملتقى العلمي استفهامات حول الحضور السياسي لأب الفنون، بحكم اسقاطاته التاريخانية والايديولوجية بغرض النقد والتعرية والتثوير، ولا ينأى المهرجان عن الاحتفال كعادته بمختلف فنون الكلام على منوال اعتداده بفوانيس الشعر والرواية، فضلا عن سلسلة مقاربات أكاديمية للمسرح بين الثورة والالتزام، بمشاركة نخبة من فاعلي الفن الرابع من الجزائر، مصر، الأردن، السودان، إيطاليا، لبنان، إسبانيا، هولندا، كوت ديفوار، البرتغال، اليمن ورومانيا، إضافة إلى ندوتي الاقتباس من الرواية، والناشر العربي والنص المسرحي المكتوب.
في مقام خاص، فتحت فقرة quot;فنون الكلامquot; قوسا كبيرا للتعريف بمنتخبات التراث الشعبي المنطوق والملحون، على منوال الجاوي، القرييو، القناوي، الحكايا القبائلية والقرقابو، ناهيك عن الشعر والرواية عبر أماسي وآهات وسهرات خاصة بأعمال quot;مولود فرعونquot; وquot;عبد الله بوخالفةquot; وكذا quot;آنا جريكيquot;.