محمد الحمامصي من القاهرة: حالة من الانقسام والارتباك اجتاحت الشارع المصري على مستوى مواطنيه العاديين ونخبه الثقافية والسياسية منذ ظهور مؤشرات النتائج الانتخابية الرئاسية وحتى إعلانها رسميا من قبل اللجنة العليا للانتخابات، فكلا مرشحي الرئاسة في الإعادة الفريق أحمد شفيق ود.محمد مرسي، يواجه الرفض من قبل شرائح مختلفة ومتباينة، فليس ثمة إجماع على أي منهما، فالأول متهم بانتمائه إلى النظام السابق الذي قامت ثورة الـ25 من يناير لإسقاطه وكان رئيسا للحكومة أثناء الثورة فضلا عن كونه أحد العسكريين المنتمين إلى المؤسسة العسكرية المصرية سابقا، والثاني ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين التي يخشى المصريون من تحويلها مصر إلى دولة دينية، فضلا عن أن مواقفها منذ تنحي الرئيس السابق حسني مبارك اتسمت بتغليب مصالحها على مصلحة الوطن ومطالب الثورة.
وقد خرجت في العديد من المحافظات المصرية الكثير من التظاهرات المناهضة لكلا المرشحين، رافعة شعارات quot;لا عسكرية ولا دينيةquot;، ومهاجمة تارة هذا وتارة ذاك، رافضة استمرار حكم العسكر وإعادة إنتاج النظام السابق أو تسليم البلاد للإخوان المسلمين وتيارات الإسلام السياسي، كيف يرى المثقفون المصريون المشهد، هذا ما حاولنا التعرف إليه في السطور القادمة.
بداية يرى الناقد السينمائي أمير العمري أن مصر الشعب والدولة تتراجع بشدة عن فكرة الدولة المدنية وتريد أن ترتد عن الحداثة وهذه هي نتيجة التصويت للإخوان المسلمين وأصحاب اللحى الآخرين.
ويضيف: مصر تحتاج إلى شخص مثل quot;محمد عليquot; أي إلى quot;أتاتوركquot; يقضي بالقوة الجبرية الغاشمة مرة واحدة والى الأبد على فكرة مزج الدين بالسياسة كما فعلت كل دول العالم.. الدين لله والسياسة للبشر.. وقبل أن تستقر هذه الفكرة في مصر تماما من الطبيعي أن نرى هذا التمزق الحاصل الآن، والذي لا يؤدي سوى إلى حرب أهلية مستقبلا.. المنتصر فيها أيضا سيكون أصحاب اليقين المطلق لأن الطرف الآخر ليس على استعداد لخوض كفاح حقيقي من أجل إعلاء الدولة المدنية.
ويؤكد العمري أن التصويت في الانتخابات ليس دلالة على الحرية ولا على الديمقراطية بل يجب تمهيد الأرض أولا لفكرة التعددية والدولة المدنية تماما كما فعل بورقيبة في تونس وأتاتورك في تركيا.. انظر الآن إلى التصويت في تونس. لقد نجح الأخوان المسلمون، لكن الجميع اختار رئيسا يساريا مناضلا لا علاقة له بالشعوذة الدينية. لأن هناك أساسا في تونس لهذه الدولة التعددية، أما في مصر فنحن أقرب إلى بلدان العالم المتخلف أي أفغانستان والسودان في حين أنه (حتى جغرافيا) تنتمي تقريبا إلى منظومة البحر المتوسط أي إلى ايطاليا وفرنسا وإسبانيا.
يجب أن يصدر عن الجيش المصري فورا تشريع يقضي بحظر الأحزاب التي ظهرت على أساس ديني أي الحرية والعدالة وكل الأحزاب التي تدور في فلكه هي وأحزاب من يسمون بالسلفيين وأحزاب الجماعة الإسلامية (التي يجب محاكمة كل المنتمين لها الذين يعترفون بضلوعهم في الإرهاب والقتل العشوائي).. دعاة العنف والحكم باسم الدين حسب تفسيرهم الشخصي للدين يجب عزلهم تماما عن الحياة السياسية وإلا فمصر ستظل دولة فقيرة متخلفة مستعبدة خاضعة لا قيمة لها كما هي الآن بالضبط.
العسكر والإخوان
ويقول الكاتب الروائي ناصر عراق : في ظني أننا لا يمكن أن نقرأ نتيجة انتخابات الرئاسة المصرية في جولتها الأولى بعيداً عمّا جرى منذ اندلاع ثورة 25 يناير، فالذي حدث باختصار أن الطبقة التي تحكم مصر منذ نحو أربعة عقود كادت تنهار أمام ملايين الغاضبين أثناء الثورة، الأمر الذي دفع المجلس العسكري (والجيش يمثل الوجه الخشن والمسلح لهذه الطبقة مع جهازي الشرطة والإعلام ورجال الأعمال الفاسدين)، إلى الإطاحة برئيسه مبارك ورجاله الأقربين إرضاءً للشعب من أجل الحفاظ على مصالح هذه الطبقة ككل. وبالتالي ظل المجلس العسكري الذي يملك السلطتين التنفيذية والتشريعية يراوغ ويعاند ويقتل الثوار أحياناً حتى نصل إلى هذه النتيجة المرة. وهي أن نفاضل بين رجل كان رئيس وزراء مبارك (ورئيس وزراء المجلس العسكري أيضأ) أقصد أحمد شفيق، وبين ممثل الأخوان المسلمين الذين يريدون جرجرة المجتمع المصري إلى الخلف قروناً طويلة وأعني الدكتور محمد مرسي.
ويؤكد عراق أن الثورة لم تكتمل لأن الذين ثاروا لم يستلموا السلطة السياسة بعد إزاحة مبارك من عرين الرئاسة، بل سقطت تفاحة هذه السلطة في فم العسكر. وقد استغل الحكام الجدد لمصر انقسامات وسذاجة وبراءة الثوار ليقوموا بتشويه صورتهم أمام الملايين من الشعب المحروم والمقهور، فيكره الثورة والثوار. وهذا ما كان. وعليه... فقد استطاعت الطبقة إياها التي تحكمنا أن تستعيد عافيتها وتوازنها وتنظم نفسها بمعاونة المجلس العسكري لتقدم لنا أحمد شفيق الذي سمح بقتل الثوار في موقعة الجمل الشهيرة حيث كان رئيسا للوزراء. إنه أكبر ابتذال للثورة يا صديقي أن يأتي هذا الرجل ويصبح رئيسا لمصر.
ويضيف: أما أن يجلس على عرش مصر واحد من الأخوان المسلمين فهذا يعني إطلاق رصاصة الرحمة على كل ما أنجزناه طوال قرنين من التحضر والاستنارة، فلا الطهطاوي ولا محمد عبده ولا طه حسين ولا شوقي وأم كلثوم وعبد الوهاب ويوسف وهبي وأمينة رزق ولا حتى فاتن حمامة ومختار ومحمود سعيد وبيكار... أقول لم يكن هؤلاء العظام يتخيلون لحظة أن يحكم مصر جماعة تخاصم الآداب والفنون وبعض رجالها يحرمها. حقاً... إذا كان وصول شفيق لمرحلة الإعادة يعد مأساة بامتياز، فإن وصول الأخوان يمثل مصيبة على مصر وتاريخها بكل تأكيد.
وحول توقعاته يقول عراق : بغض النظر عن نتيجة الطعون التي تقدم بها حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح وعمرو موسى، فإنني أتوقع ألا تغير هذه الطعون من النتيجة وأن شفيق سيرأس مصر أغلب الظن لأنه ابن الطبقة الجشعة ومؤسستها العسكرية التي ما زالت تحكم، لكنها ستكون فترة رئاسة متوترة ومضطربة كما أتوقع.
بين الفلول والغول
ويقول الناقد والكاتب محمد الدسوقي: لعلني كمثقف ومواطن لم أر شيئا غريبا أو مفاجئا في نتائج انتخابات الرئاسة - فهي طبيعية جدا في ظل ظروف كل مرشح وتاريخه وما يملكه من أموال أو ما يستند إليه من مؤيدين متفرقين أو من ينتمي إلي إيديولوجيا معينة وبالتالي فهي نتيجة دالة على المجتمع المصري في أول انتخابات طبيعية ولا أقول حرة نزيهة، فقد تدخلت فيها أشياء كثيرة زيّفت إرادات كثيرة - ومنها في رأيي في وجود أبو الفتوح مرشحا بجوار حمدين صباحي - فقد أصاب أبو الفتوح في مقتل فالرجل كان يمسك العصا من المنتصف - بين الثوار وبين الإخوان والسلفيين - ما قلل من فرص حمدين، وبالتالي ظهر للناس أن الثورة فشلت في إيجاد مرشح لها حتى نهاية السباق - فضلا عن أن الثورة لم تغيّر كثيرا في الواقع المصري وربما بسبب الظروف الفئوية واختلاف الساسة - والإخوان والعسكر - في لعبة القط والفار - جعل الناس في حيرة من أمرها - في ظل وجود عدد كبير من المرشحين ، ثم إن ما حدث وضع الناس في حيرة - بين الفلول والغول الذي يرتدي عباءة الإسلام - وأرى أننا في مأزق قد يدخل الوطن كله في فتنة - وظهر هذا واضحا في الناخبين من الأخوة الأقباط ممن اتجهوا الى شفيق خوفا من الدولة الدينية - ولكن الحلول ربما تحتاج لضمانات وتربيطات من تحت الترابيزة ومن فوقها - دون خيار للمواطن !! وبالتالي، فالنتيجة ستكون متعثرة جدا لأن هذا الأسلوب فيه افتئات على إرادة الناس وبالتالي من رأيي أن نترك الأمر للشعب - وربنا يستر على هذا البلد .
اتجاهان يؤديان للجحيم
ويرى الشاعر مأمون الحجاجي أن نتيجة الانتخابات quot;لم ينجح أحدquot; ويقول : الانتخابات التي شهد لها الجميع بالشفافية والنزاهة داخل اللجان الانتخابية لكن المخالفات كانت في الطريق المؤدي إلى الصندوق من كسر للصمت الانتخابي وبيع الأصوات لصالح بعض المرشحين، و كانت النتيجة مخيبة للآمال المعقودة والتي أسفرت عن اتجاهين يؤديان للجحيم في نهايتهما، السيد محمد مرسي مرشح الإخوان ( الحزب الوطني في ثوبه الجديد) تساوى مع السيد أحمد شفيق الذي يراه البعض ردة للنظام المخلوع، الثورة التي طالبت بإسقاط النظام وقعت بين اختيارين أحلاهما مر ، الثورة تمر بأزمة صدرها لها الصندوق الانتخابي، أرى صورة السيد أحمد شفيق تتصدر المشهد في جولة الإعادة لأنها المكروه في مقابل حرام الاخوان ورغم ما يلاقيه السيد شفيق من كراهية المصريين له لم ينجح السيد محمد مرسي فى استثمارها بل قدم الإخوان مثالا رديئا بممارساتهم فى البرلمان فمن رفع الأذان أثناء الجلسات إلى عملية تصغير الأنف مرورا بفوضى القرارات التي لا تنفذ، لم يقدم الإخوان ما يجعل الشعب يختارهم بل ويندم على تزكيته لهم في الانتخابات البرلمانية بينما فريق السيد شفيق استوعب الدرس فتحالف أذناب النظام السابق بشكل مدروس ومنظم بل وممنهج لتجميل صورة السيد شفيق، الثورة لم تمت بل هي استراحة المحارب ومدة العام ونصف لا تساوي لحظة في عمر الأوطان والثورات.
مرسي وشفيق
ويقول عبد الوهاب الشيخ quot;الفشل بمعنى عدم توحيد الجهود لدخول معركة الرئاسة بمرشح واحد ! الفشل بمعنى ترك الصعيد فريسة للإخوان والسلف والفلول..! الفشل بمعنى استعادة النظام السابق بعد سنة ونصف من الثورة بركنيه الوطني والإخوان، مع تبديل الأماكن بين المعارضة والسلطة! الفشل بمعنى عدم وصول المفاهيم الأساسية التي قامت عليها الثورة إلى الناس في الأطراف البعيدة، حيث حقق شفيق ومرسي أعلى الأصوات! الفشل حيث تبددت الأصوات قبل الرئاسة في عدد من الأحزاب الصغيرة التي لا يمكن أن تشكل وزنا ضاغطا في الساحة السياسية! الفشل بمعنى الرهان على تأييد الإخوان وتعضيدهم لثورة هم غير مؤمنين بأهدافها، شاركوا فيها فقط للخلاص من نير القبضة الأمنية، لكن مشروعهم هو دولة الخلافة بخلاف مشروع الثوار الذي هو الكرامة والعدالة الاجتماعية.
جولة الإعادة ستكون على أشدها في الصعيد والمناطق النائية والتي لم تنتخب صباحي وأبو الفتوح اللذين يتركز أنصارهما في المناطق الحضرية، أما مرسي وشفيق فكلاهما يعرف مناطق قوته جيدا : شفيق حيث العصبيات وفلول الوطني، ومرسي حيث فروع تنظيم الإخوان بكل قرية وأكياس السكر والأرز لها فعل السحر.
نتيجة الإعادة الآن تتوقف على ما سيقدمه الإخوان من ضمانات وعلى رأسها تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور وفق معايير الكفاءة، وقدرتهم على نفي الصورة التي ترسخت عنهم لدى الناخب على مدار سنة ونصف. أما اللاعب الأهم فهو المجلس العسكري الذي أصبح قاب قوسين من استعادة النظام السابق دون منغصات التوريث في صورة شفيق، وحسب جدية التزامه بقدر معقول من الحياد سيتقرر الرئيس القادم. الكرة الآن بين المجلس والجماعة وأقدام رأس المال.
ضحكة كبيرة على الشعب
ويرى الرسام والكاتب مجدي الشافعي أنه لا شرعية من الأساس لهذه الانتخابات.. quot;بلاش الضحكة الكبيرة اللى عملها الجيش علينا من أول ما مسك البلد : quot;عايزين انتخابات حرة هنعمل لكم انتخابات quot;.. لأه عايزين ثورة على الكيانات المتحنطة، عاوزين مجلس رئاسي انتقالي نرى فيه شكلا جديدا غير شكل البرلمان المعفن، وعاوزين نحجر على الجهات الـquot;سياديةquot; ـ وهذه هي أخرى كلمة سمعتها في حياتي ـ والتوجيه المعنوي اللي بيغسل المخ والميديا المحتلة وضمانات الاستقرار أساسا مش مظاهراتنا ولكن هي السيستم الخربان العصابي بتاع الداخلية اللى محتاج تتهد ع اللى فيها وتطلع بناس مجردين من كل شئ إلا حياد القانون وحزمه الأعمى .. الاستقرار هو ضمانات، اتفاقاتنا واحترام كلمتنا .. آسف على ما وصلنا إليه، وصلنا لنفس معارك الوطني ndash; الإخوان، وصلنا من جديد لمعارك انتخابية ينعزل فيها الشعب و يمارس المماليك فيها حربهم على ثروته ومقدراته..
لم يعد بمقدوري توقع أحد للرئاسة نعم .. لا أتوقع أحداًquot;
فرصة الأخوان
ويؤكد المفكر السياسي والناقد الأدبي د. نادرعبدالخالق أن الانتخابات دائما تحمل تكهنات كثيرة ودائما ما تكون فرصة لتبادل وجهات النظر السياسية والاجتماعية المستقبلية ويصاحبها اختلاف واتفاق وتباين في قبول الأشخاص وفي التنبؤ بحركة الحياة، خاصة عندما تتعلق هذه الانتخابات بحكم مصر وإدارة شؤونها في فترة من أشد فتراتها أهمية وخطورة والتي تأتي بعد ثورة 25 يناير التي أسقطت نظاما وأنفقت الكثير من الوقت والجهد والأرواح والدماء في إحلال نظام آخر جديد يحمل طموحات عديدة وتوجهات مغايرة في ظل صراع كبير أخذ أشكالا مختلفة بهدف إيقاف حركة الحياة الثورية الجديدة.
ويضيف :المتابع لهذه الانتخابات منذ بدايتها في مرحلة الترشح الأولى وعملية القبول والاعتماد لشخصية الرئيس القادم في ضوء الضوابط والقواعد المتفق عليها يجد أنها صاحبت لغطا كبيرا وصداما غير مسبوق لحركات سياسية وشخصيات كنا نظنها مع الثورة وأخرى منتمية بشكل أو بآخر إلى قاعدة النظام السابق وجذوره الممتدة وفي ضوء ذلك سمعنا كلاما وحوارا كله يدحض بعضه البعض من ذلك أن عقارب الساعة لن تعود للخلف مرة أخرى وأن المستحيل نفسه أن يختار الشعب من قام ضده بتظاهرة مليونية وأن فرصة الأخوان أصبحت ضعيفة، وأن طبيعة المرحلة تقتضي كذا وكذا وشمل هذا اللغط المرشحين المحتملين أنفسهم فرأينا تصنيفات عديدة تضع وصفا ورسما لكل واحد من ذلك أن فلان quot; استبنquot; وفلان quot;عسكرquot; وفلان quot;منشقquot; وفلان quot; quot;ليبراليquot; وفلان quot; ناصريquot; وفلان quot; فلولquot; وفلان quot; ثوريquot; وفلان quot; من quot;الشبابquot; وفلان صاحب quot;نظريةquot; وفلان وجه جديد يجب أن يأخذ فرصة إلى آخره من المسميات التي حاول الجميع أن يحشر نفسه في زمرتها معتقدا أن المشكلة تكمن في التصنيف من هنا تبارى كل مرشحفي ابتكار وسيلة عبقرية يمكنها أن تحول مصر بين يوم وليلة إلى قوة غير مسبوقة تضاهي بها الأمم وانحصر ذلك في البرنامج الانتخابي العبقري الذي اختاره لنفسه ظنا أن ذلك هو الطريق لكسب أصوات الناخبين، تلى ذلك استبعاد لبعض الأشخاص من حلبة السباق ورأينا مفاجآت في قبول ورفض وقبول مرشح بعينه إلى أن استقر الحال على الثلاثة عشر مرشحا وجاء الإعلام الخاص والرسمي ليتبارى في تخلفه وفي أداء الدور المبرمج سلفا مع فلان وفلان حسب قربه من هذه الفضائية ومن علاقته بصاحبها ومصلحته القادمة ومع بعض الإعلاميين إلى أن تهيأ الرأي العام لقبول ما يشبه المؤامرة الانتخابية السياسية التي فرضت هذه النتيجة المفاجئة في ظاهرها، المتوقعة في تدبيرها ويمكنك أن ترد هذه المؤامرة لجميع القوى وألا تستثني منها فريقا سواء لقلة الإدراك والخبرة أو لمشاركته فيها وكأن الشعب قد تم إقصاؤه أو توجيهه أو تفريغه من إرادته حتى أصبح بين أمرين أحلاهما يتعارض مع أمانيه وتطلعاته وأحلامه التي اكتسبها بفعل الثورة وأصبح السؤال الذي يفرض نفسه فى ظل نجاح أحد الطرفين هل أنفق الشعب المصري كل هذه الأرواح حتى يأتي بالنظام السابق نفسه؟ وهنا يتأكد لنا أن عقارب الساعة يمكنها العودة من حيث انتهت دورتها quot; النظامquot; أم يخوض دورته الرئاسية الأولى بعد الثورة في غمار كل هذه التكهنات والصراعات والتناقضات المؤسسية التشريعية والإدارية المختصة بتسيير الأعمال في البلاد والتي كانت الفترة السابقة بين حكومة كمال الجنزوري والمجالس النيابية quot; الشعب والشورىquot; بروفة مصغرة لها؟؟.
وَيا وَطَني لَقَيتُكَ بَعدَ يَأسٍ
ويشير عبد الخالق إلى أن الثورة قائمة ومحققة وإن تراجع أنصارها انتخابيا لا يعد فشلا لها بأي حال من الأحول فدماء الشهداء ستظل وقودا لهذه الثورة وطموحات الأمة هي الأخرى ورغبة أبنائها ستمد هذه الثورة بسبل عديدة من الاستمرار مهما حاولوا إقصاءها عن طريق إقصاء الشعب سياسيا وخير دليل هو هذه الانتخابات رغم أنها لم تف بطموحات الأمة كما يجب، من هنا على الرئيس القادم سواء هذا أو ذاك أن يعلم أنه ليس حاكما مطلقا أو انه قد نجح في الوصول إلى سدة الحكم وكفى، ولكن عليه أن يرى نفسه نائبا عن الشعب في إدارة أمور البلاد فترة أربع سنوات فقط قابلة للتجديد ولكن ليس بالمنطق السابق نفسه لأن الشعب سيراه من نافذة أخرى مغايرة وأن كل الحركات والتيارات المتصارعة الآن ستأخذ نمطا آخر في المستقبل يمكن حصره في عملية الرقابة والإصلاح والتقييم لمحاولة فرض نوع من السيطرة وتكوين قاعدة سياسية يمكن استثمارها انتخابيا فيما بعد، وأن الإعلام الذي يعد سلاحا كبيرا سينقسم على نفسه ما بين مؤيد ومعارض حسب المصالح التي تديره أو تتعلق بأصحابه .
وبالنسبة إلى جولة الإعادة فلو حاولنا قراءة المشهد الانتخابي سنرى أن أنصار فلان عزموا الأمر على مساعدة هذا المرشح وأن القوى الأخرى والتكتلات والحملات الانتخابية تضامنت مع المرشح الآخر ولا عزاء للشعب الذي تم إقصاؤه وسيتوقف الأمر على المصداقية في النية لمثل هذه الإدعاءات علما بأن هناك فريقا ثالثا بدأ في الظهور وهو المنشق الذي فاجأته النتيجة الحالية وهو مازال في مرحلة البكاء والعويل وكأنه كان مغيبا ينتظر quot;سوبر مانquot; أو صاحب العصا السحرية هذا الفريق منه من يعلن مقاطعته للانتخابات ومنه من يرى أن صوته لابد أن يقع في هذا الصندوق نكاية في الصندوق المقابل هذا فضلا عن أن الأساليب التقليدية المعروفة في مثل هذه المواقف سيكون لها الدور الكبير في حسم النتيجة وقد لجأ لها الطرفان ولعل الأكثر تنظيما وترتيبا لتلك الأساليب سيكون له الفوز بمقعد الرئيس، ويمكن حصر المفآجات في الخروج المبكر لبعض المرشحين وعدم حصول البعض على النسبة التي أوهمنا بها وتراجع البعض عن حصد الأصوات التي أعطته التوكيلات وانهيار مرشحين تماما وخروجهم من هذه الدائرة نهائيا وإلى غير رجعة رغم ما قدموه من تاريخ طويل حسب ظنهم ما يؤكد أن الرئيس القادم في المستقبل لن يكون من هذه التيارات على الإطلاق.
وأتمنى أن يأتي الرئيس النائب عن الشعب وليس الحاكم له، الرئيس الذي يقيم توازنات لا تتعارض فيها مصالح البلاد وهيبتها وأن تكون له رؤية عامة وأن يستوعب كل قضايا مصر وأن يكون ممثلا لجميع الطوائف وأن يكون الوطن وتنميته هو الطريق القصير والواضح في سياسته واهتماماته وأن يعلم أن مصر فيها من الإمكانات البشرية والطبيعية في مختلف المجالات ما يؤهلها للتقدم والنهضة وتحقيق العدالة الاجتماعية والإنسانية وقيادة الأمة العربية والإسلامية من جديد واختتم حديثي بقول شوقي :
وَيا وَطَني لَقَيتُكَ بَعدَ يَأسٍquot;
quot;كَأَنّي قَد لَقيتُ بِكَ الشَبابا
وَلَو أَنّي دُعيتُ لَكُنتَ دينيquot;
quot;عَلَيهِ أُقابِلُ الحَتمَ المُجابا
أُديرُ إِلَيكَ قَبلَ البَيتِ وَجهيquot;
quot;إِذا فُهتُ الشَهادَةَ وَالمَتابا
مصر تدور حول نفسها
ويؤكد الكاتب الروائي عبد النبي فرج صدمته لنتائج الانتخابات وفوز القيادي في حزب الحرية والعدالة محمد مرسي والفريق شفيق مرشح الفلول والقيادي السابق في الحزب الوطني ورئيس وزراء موقعة الجمل الشهيرة، ويقول: إلا إن الآمر لم يصل لعنوان كبير اسمه quot; فشل الثورة quot;، ولكن مثلها مثل كل الثورات التي أنتجتها الروح البشرية التي تطوق إلى الحرية، والعدالة والكرامة تجد محاولة من أعدائها من فلول الحزب الوطني والفاسدين لجرها إلى المستنقع القديم وتستخدم في ذلك كل الوسائل المتاحة الأخلاقية و اللاخلاقية خاصة أن الثورة المصرية محاطة بأعداء شرسين يملكون مقدرات الوطن ومتمكنين من مفاصل الدولة فهم يمتلكون رأس المال الضخم، الذي تم نهبه أيام المخلوع يستطيعون به شراء زمم فقراء وتحت أقدامهم جيش جرار من العاملين، يضغطون عليه، والجيش يساند قوى الثورة المضادة لعقاب الثوار على تجرؤهم ومحاولتهم الدائبة لمساءلتهم ورفضهم التام فكرة الخروج الآمن والعبثية التي تراود العقول المريضة الفاسدة، فلا أحد فوق المساءلة في دولة القانون ورغم ذلك أنا بطبيعتي متفائل، ولم ولن اركن أبدا لليأس والقنوط، فهناك من الايجابيات التي صنعتها الثورة تفوق بكثير السلبيات التي أنتجتها بداية من نتيجة الانتخابات التي حصلت فيها قوى الثورة على 65 في المائة من أصوات الناخبين كما أن إعادة الاعتبار للعمل السياسي الذي ظل أكثر من 60 عامًا في حكم الموات فللمرة الأولى في التاريخ الحديث يتم حشد كل هذه القوة التصويتية الرهيبة وحملات الدعم لمرشحين وإقامة الحفلات الكرنفالية للدعاية لمرشحين وهذه كلها مكاسب، أخيرا خلقت الثورة طموحًا لدى المصريين بالعبور بمصر إلى النهضة الحقيقية وإرساء قيم العدل والحرية والكرامة ولذلك فكرة أن يعود المصريون مرة آخرى لنظام حكم المخلوع حسني مبارك فهذا أقرب إلى الوهم فالشعب تغير ولن يكبت أو يقمع احد رغبته إلى التحرر أبدا، ثانيا وهذا هو الأهم أن ثورة 25 يناير ثورة سلمية وليست ثورة راديكالية ثورية تقيم محاكم خاصة، وتطيح بنظام الحكم وتمسك كل مقدرات الدولة، ولكن هي تقف خارج السلطة وتقوم بالتظاهر لتحقيق المطالب، ولذلك التغيير هنا يسير ببطء شديد إنه أشبه بدوران الأرض التي لا نراها لأن الأرض تدور حول نفسها ولكن ببطء شديد.
التعليقات