صلاح سليمان من ميونيخ: حققت مجموعة الأفلام الوثائقية التي عرضت عن الثورة المصرية في مهرجان ميونيخ السابع والعشرين للأفلام الوثائقية هذا العام نجاحا كبيراً، في ظل اهتمام إدارة المهرجان بربيع الثورات العربية، فعلى مدار خمسة أيام تم عرض مجموعة من الأفلام المصرية والعالمية التي وثقت بشكل دقيق مراحل الثورة المصرية، وأظهرت مدى تضارب مشاعر المصريين ما بين الفرح والحزن ـ فرح خلع الرئيس السابق.. وحزن تعثر الثورة في تحقيق آمال المصريين حتى الآن.
من بين الأفلام المعروضة في المهرجان فيلم quot;العودة إلى الميدانquot; للمخرج التشيكي quot;بيتر لومquot; وهو فيلم من إنتاج نروجي كندي يتناول قصة خمسة من الشباب المصريين الذين تتباين أدوارهم التي لعبوها في فترة ما بعد الثورة واتفاقهم في مدى الظلم الذي وقع عليهم، أول هؤلاء الخمسة هو المدون نبيل مالك، الذي قضى 302 يوم خلف القضبان، على خلفية الانتقادات التي وجهها في مدونته للحكم العسكري، ويسلط الفيلم الضوء أيضاً على المجهودات الكبيرة التي قام بها مارك شقيق نبيل من أجل إطلاق سراحه، بطل الفيلم الثاني هو شاب يبلغ من العمر 15 عاما وكان شاهداً على موقعة الجمل، ثم يأتي أحد البلطجية الذي تم تجنيده للعمل ضد الثوار، كذلك فتاتين إحداهما تم إجراء فحص العذرية القسري لها والأخرى تم تلفيق قضية تزوير لزوجها وإجبارها على الاعتراف عليه.
الفيلم الثاني الذي حقق نجاحاً باهراً ووقف الجمهور الألماني يصفق لمخرجه quot;أحمد رشوانquot; لعدة دقائق في كل دور السينما التي تم عرض الفيلم فيها طوال أيام المهرجان هو فيلمquot; مولود في 25 ينايرquot; الذي بدأ تسجيل احداث الثورة قبل 25 يناير 2011 وبعدها، ويظهر الفيلم بصورة دقيقة كيف توحد المصريون على اختلاف طوائفهم وأعمارهم في إنهاء نظام مبارك، ومن ثم استمرّ الفيلم في توثيق المرحلة التي تلت الثورة حتى يوم الجمعة 27 مايو 2011 عندما خرج المصريون ينادون بدولة مدنية، فيما رفضت التيارات الدينية هذا التوجه، ويوضح الفيلم مرحلة الشقاق التي بدأت مع التيارات المختلفة وقد يكون هذا ما يجعل للفيلم خصوصية شديدة ـ ذلك أنه يصور حالة النشوة
والإشراق التي رافقت بداية الثورة التي بدا فيها الشعب المصري وكله إصرار وتحدٍ للتخلص من الطاغية ثم يلي ذلك الإحباط الذي بدأ يشعر به الناس من عدم إكتمال مسيرة الثورة، في هذا الإطار ينجح المخرج مرة أخرى في تسليط ضوء ذلك التحدي والاصرار لدى المصريين على استكمال ثورتهم على وجه شاب معوق حرص على أن يأتي من أسوان وحده على كرسي متحرك ليشارك في الثورة وفي ذلك إثبات واقعي لمدى قوة وإصرار الشعب ـ لكن للأسف ينتهي الفيلم بإبراز ذلك الشقاق الذي حدث بعد الثورة وكان التيار الديني أحد أسبابه ليؤكد مدى الصراع من اجل المنصب والكرسي وليس من اجل مصلحة الوطن.وهذا ما يعني أن الثورة ما زالت مستمرة كما اكد لي مخرج الفيلم الذي التقيته على هامش فعاليات المهرجان.
يقول احمد رشوان ـ لا شك أن فيلمه يجيء في سلسلة متواصلة من الأفلام الوثائقية التي بدأت مع بداية الثورة ـ ولم تنته حتى الآن، فالأحداث في مصر متتالية وكل ما يحدث يمكن بالفعل تسجيله، إن انتخابات الرئاسة المصرية هي الآن على الأبواب، وسيتم بالتأكيد توثيقها، ويستطرد قائلاً ليس من المهم أن أقوم أنا بالذات بالتوثيق فكل المخرجين يمكنهم التقاط نهاية حدث من فيلم ما، ويبنون عليه فيلما جديدا بحدث جديد في تلك الأحداث المتوالية في مصر بعد الثورة، على سبيل المثال تلت أحداث الثورة أحداث شارع محمد محمود وتوالت الأحداث حتى حدثت أخيراً أحدث العباسية، وكلها أحداث تستحق التوثيق.

صلاح سليمان مع المخرج احمد عبدالشافي
من جهة أخرى، يقول أحمد رشوان quot; إن فيلمي لم يقف عند لحظة التنحي، بل ظل يؤرخ لمدة 4 أشهر من عمر الثورة، ويمكن أن أقول إن أحداث الفيلم وقفت عند يوم السابع والعشرين من شهر مايو أي يوم جمعة المناداة بالدولة المدنية التي رفضت الأحزاب الدينية والإخوان المسلمين المشاركة فيها quot;.
عن فكرة بداية الفيلم يقول أحمد رشوان إن الفيلم يأتي من وجهة نظر ذاتية وليست موضوعية، فأنا الذي أقوم بسرد وقائع الفيلم وكما رأيت فإنّ الفيلم صوّر شيئاً من حياتي اليومية خلال أيام الثورة سواء علاقتي مع أولادي أو علاقتي مع أصدقائي في أيام الثورة وتحديداً في اللجان الشعبية وغيرها، وكل ما كنت على اتصال به أيام الثورة، مثل التلفزيون والإنترنت والصحافة.
عن بداية تنفيذ فكرة الفيلم يقول لم نكن نعرف بالتحديد ماذا يجري، فلم انزل في يوم 25 يناير وفي يوم 27 يناير ذهبنا نحن الفنانين الى اجتماع في نقابة المهن التمثيلية دعي له الفنان خالد الصاوي أحد الذين سلط الفيلم الضوء عليهم أثناء أحداث الثورة، وأصدرنا بيانا وقررنا فيه النزول في 28 يناير يوم quot;جمعة الغضبquot; التي خرجت فيها التظاهرات من شتى ميادين مصر، وخرجنا نحن من ميدان مصطفي محمود وعرفنا في تلك اللحظة إن مصر ذاهبة للتغير وبدأ دورنا في التوثيق كسينمائيين مثل الآخرين من الرسامين والفنانين والمغنين والشعراء وغيرهم، ففي تلك الأثناء أصبح الميدان ملتقى كل شيء من جنازة شهيد الى ناس ترسم وآخرون يغنون وأمهات ينتحبن وفريق يقيم الصلاة، ببساطة اصبح الميدان ساحة للإلهام والإبداع.
لكن هل هناك أفلام روائية طويلة غير الأفلام الوثائقية التي تعرض الآن ؟ـ يقول: نعم هناك مخرجان انتجا أفلاما روائية طويلة ولكن انا شخصياً كنت أميل الى نوعية الفيلم الوثائقي، وأخذ مني هذا الفيلم فترة 10 أشهر حتى تم إنجازه، وبدأ العرض الأول في مهرجان دبي السينمائي الدولي وفي مهرجان الأقصر في مصر ومهرجان سوسة، وفي مهرجان أميركا وهذا هو المهرجان الخامس في ميونيخ.
سألت المخرج عن اعتقاده بان ما تم إنجازه حتى الآن من الأفلام الوثائقية عن الثورة ـ هل هو كاف؟ قال إن الفنان يتفاعل مع الثورة طبقا لوجهة نظره ويمكن القول إنها محاولات فردية وفق ما يراه المخرج ويخطط له هناك مثلا فيلم لإبراهيم البطوط بطولة وإنتاج عمر واكد وهناك أفلام قصيرة وأفلام روائية طويلة، توجد ايضاً تجربة يسرى نصر الله وفيلمه سيعرض في مهرجان quot;كانquot; وهو روائي طويل اسمهquot; بعد المعركة quot; وهناك فيلم 18 يوما في مصر وهو من الأفلام القصيرة وعرض فيquot; كانquot; وهناك أيضا فيلم أخرجه احمد وصلاح رمضان، كذلك فيلمquot; الطيب والشرس والسياسيquot; الذي عرض في مهرجان فينسيا و فيلم نصف ثورة وفيلم أنا والأجندة لنفين شلبي وفيلم الثورة خبر من إخراج بسام مرتضى الذي عرض في مهرجان برلين والبقية سوف تتوالى مع توالي أحداث الثورة التي لم تنته بعد.
حضرت فعاليات المهرجان أيضاً خبيرة السينما المصرية الدكتورة فيولينا شفيق التي سألتها عن رأيها في ما تم إنتاجه من أفلام وثائقية

الدكتورة فيولينا شفيق

عرضت حتى الآن عن الثورة المصرية، قالت :إنها ترى أن فيلم quot;الثورة quot;خبر الذي حكي قصة ستة من الصحافيين أثناء فترة الثورة هو أكثر ما أعجبها غير أنها ترى أن ما يتم إنتاجه من أفلام وثائقية أن المحتوى يهتم فقط بتوصيف الحالة وليس تحليلها، أي تتم بصورة ريبورتاجية واستطيع أن أقول إن أمامنا عشر سنوات حتى نحصل على نتائج الثورة وتضيف قائلة سوف ابدأ في مشروع سينمائي جديد له علاقة بالثورة وهو تحديدا عن الإحباط الذي يعقب الثورة وكيفية الخروج منه.
[email protected]