في القضية الثالثة التي تجرّ مشاهير الفن والأدب الأتراك إلى الوحل في السنوات الخيرة، وُجّه الاتهام رسميًا في إسطنبول إلى الموسيقي المشهور عالميًا فاضل ساي بالإساءة إلى الإسلام. لكنه يدافع عن موقفه قائلاً إنه فقط ينتقد مدّعي التقوى جهارًا ومرتكبي الفواحش سرًا.


صلاح أحمد من لندن: فاضل ساي من الموسيقيين الأتراك الذين حققوا شهرة واسعة النطاق في الغرب، رغم أنه يظل مجهولاً إلى حد كبير في العالم الإسلامي الذي ينتمي إليه. والسبب في هذا على الأرجح هو براعته كمؤلف وعازف للموسيقى الكلاسيكية الغربية، التي أتاحت له إظهار موهبته في كبريات المدن العالمية من نيويورك إلى طوكيو. وبلغ من شأنه أن الاتحاد الأوروبي قرر العام 2008 تعيينه سفيرًا ثقافيًا بمهمة إقامة جسر صلد بين الموسيقى والثقافتين الغربية والشرقية.

فاضل ساي في أحد عروضه في مدينة برلين

يذكر أن هذا الموسيقي بدأ مشواره الفني المدهش وهو في سن الرابعة عشرة الغضّة بسوناتا للبيانو. ومضى إلى تأليف عشرات الأعمال من قطع البيانو المنفرد مرورًا بالكونشيرتوهات ووصولاً إلى مؤلفات الأوركسترا السيمفونية الكاملة. هذا إضافة إلى عدد من المؤلفات الموسيقية السينمائية والمسرحية والكتب في النقد الموسيقي والفني. وفي الفترة من 1994 حتى 2008 نال خمس على الأقل من أهم الجوائز العالمية في التأليف والتوزيع الموسيقي.

على أن ساي (42 عامًا) يجد نفسه الآن أمام أحد أكبر تحدياته الجديدة. فقد أصدرت محكمة في إسطنبول الجمعة قرارها بتوجيه الاتهام رسميًا إليه بالتحريض على الكراهية ومعاداة المجتمع وإهانة القيم الدينية.

كل هذا مؤطر داخل تهمة الإساءة إلى الإسلام التي ستنعقد المحكمة بخصوصها في 18 أكتوبر/تشرين الأول المقبل في إسطنبول. وفي حال إدانته فسيواجه عقوبة بالسجن تصل إلى سنة ونصف سنة. وهذا عدا عن المترتبات القاسية على اعتباره - رسميًا على الأقل - مجرمًا ذا سجل جنائي.

ينبع الاتهام من حادثة وقعت في إبريل/نيسان الماضي شهدت تعليقات له على موقع laquo;تويترraquo; الاجتماعي، رأت فيها الجهات الدينية سخرية من مفهوم الثواب والعقاب في الإسلام. وقال ساي على لسان محاميه إن كل ما فعله هو الاستشهاد بأبيات من laquo;رباعايات الخيامraquo; تتحدث عن الخمر وتسخر من الذين يدّعون التقوى جهارًا ويرتكبون مختلف المعاصي سرًا.

لكن مراد بردكشي، هو مؤرّخ تركي، كتب في إحدى صحف البلاد أن عمر الخيام لم يأت في أشعاره بشيء مما يزعمه ساي. وإضافة إلى هذا يرد في ملف الاتهام الرسمي أن هذا الموسيقي كتب أيضًا: laquo;أيعقل أن يكون الراقي (العرق التركي) من شراب أهل الجنة، والتشيفاس ريغال (الويسكي الاسكتلندي) من شراب أهل النار؟ هذا هو السؤالraquo;!. ويرد في ملف الاتهام أيضًا أن ساي يتساءل في موضع آخر عما إن كانت الجنة أشبه بـlaquo;ماخورraquo;.

وغني عن القول ربما أن ساي نفسه ينفي سائر هذه التهم، كما نقلت مواقع الإنترنت العديدة على لسان محاميه ملتيم أكيول. ويقول هذا الأخير إنه بغضّ النظر عن فحوى ما ورد في تعليقات موكله - وهي موجّهة فقط إلى الذين يستغلون الدين لأغراض دنيوية - فقد صدرت عنه حكرًا لأتباعه على صفحته الخاصة في laquo;تويترraquo; التي لا يمكن اعتبارها منبرًا عامًا.

أورهان باموك (اليمين) وهرانت دينك

وقال المحامي إن ساي، الذي قدم حفلة موسيقية في سلوفينيا أمسية الجمعة، سيعود الآن إلى بلاده لمواجهة الاتهام بدون اختباء وراء شهرته أو حصانة من أي نوع ضد القانون. وقال إن هذا التطور الجديد laquo;جزء من سلسة هجمات مغرضة - بما فيها تهديدات بالقتل - بدأت منذ زمن، وكلّفته الكثير. وأضاف أن هذه الملاحقة laquo;كلّفته الكثير، بحيث اضطر لإغلاق صفحته الإلكترونية، بسبب سيل الرسائل الواردة إليه بين مهاجم ومدافعraquo;.

يذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تتعرّض فيها شخصية أدبية أو فنية تركية للملاحقة الرسمية و/ أو الشعبية. ففي 2006 تعرّض لها الصحافي من أصل أرمني هرانت دينك الذي خاض الجدل المستعر حول ما يسمى laquo;المذبحة الجماعيةraquo; التركية بحق الأرمن في 1915. ويذكر أن هذه المسألة صارت من الحساسية، بحيث إن القانون التركي جعل الاعتراف بها جريمة وإساءة إلى الدولة. وتلقى دينك تهديدات بالقتل وصلت بالفعل إلى حد اغتياله أمام مكاتب صحيفته في إسطنبول في مطلع 2007.

وفي العام 2008 حوكم الروائي والكاتب الشهير حائز laquo;نوبلraquo; للأدب في 2006، أورهان باموك، بالتهمة نفسها، بعدما قال إن أمّته laquo;قتلت مليون أرمنيًا و300 ألف كرديًاraquo;. على أنه نجا من العقوبة على laquo;الإساءة إلى القوات المسلحة التركيةraquo; بعدما أرخت الحكومة نصوص القانون المتعلق بها. ومع ذلك فهو لا يزال متهمًا بـlaquo;الإساءة إلى الهوية التركيةraquo; حتى اليوم.