عرض ونقد: سيف الدين الدوري: صدر عن مكتبة جريرة الورد بالقاهرة كتاب بعنوان (عدنان القصاب في الذاكرة) إعداد وليد رشيد العبيدي. ويتضمن الكتاب الذي يحتوي على 240 صفحة من الحجم المتوسط سيرة حياة القصاب منذ ولادته في محلة سوق حمادة بجانب الكرخ عام 1934 من أسرة معروفة ومشهورة في منطقة الكرخ فخاله عبد الله القصاب كان وزيرا للداخلية وعم والدته عبد العزيز القصاب الذي كان يرأس مجلس النواب منذ سنة 1945 واستوزر عدة حقائب وزارية وزوج خالته الدكتور عبد المجيد القصاب الذي شغل وزارة المعارف ثم وزارة الصحة.ذ


الولادة والنشأة
والده علي حسين عبد العزيز القصاب بدأ حياته معلماً في مدينة العمارة مركز محافظ ميسان خلال فترة الحكم العثماني. وبعد الاحتلال البريطاني للعراق 1914 ترك مهنة التدريس وإمتهن تجارة التبغ في سوق حمادة.
نشأ عدنان القصاب وسط عائلة بغدادية عروبية محبة للخير والناس ومحاطاً بالعديد من الأصدقاء القوميين فتشّبع بأفكارهم القومية إضافة الى تأثير أخيه إحسان القصاب الذي سبقه في الإنتماء الى صفوف حزب البعث حينما كان يدرس الحقوق بجامعة دمشق.
أكمل دراسته الابتدائية في مدرسة الكرخ الابتدائية في محلة الجعيفر ثم المتوسطة في متوسطة الكرخ عام 1949 ، كما أكمل دراسته الثانوية في الاعدادية المركزية بعدها دخل كلية الهندسة عام 1951 التي فصل منها بسبب ميوله القومية وإشتراكه في التظاهرات الجماهيرية التي خرجت ببغداد تندد بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 مما إضطره الى الانتقال الى معهد الهندسة الصناعية العالي في العام نفسه وتخرج فيه بعد حصوله على شهادة الدبلوم من قسم المباني والإنشاءات سنة 1957بتقدير إمتياز ونال شهادة تقديرية سلمها له الملك فيصل الثاني بنفسه تقديراً لتفوقه. ثم حصل على شهادة البكالوريوس من جامعة بغداد سنة 1974.
منذ شبابه إنتمى الى صفوف حزب البعث وأصبح مسؤولاً عن كلية الهندسة والكلية الطبية بداية خمسينات القرن الماضي. وأخيراً أختير عضواً في القيادة القطرية هو وعبد الستار الدوري عام 1962 ثم إنتخب عضواً في القيادة القطرية في 11/11/1963. وحضر المؤتمر القومي السادس الذي عقد بدمشق للفترة من 5 ndash; 23 تشرين الاول / إكتوبر 1963 وتقاسم الغرفة في فندق قاصيون بدمشق مع صدام حسين الذي حضر المؤتمر هو الآخر.
تعرّض خلال مسرته السياسية الى سلسلة من المطاردات والاعتقالات ، وفي صبيحة يوم 8 شباط/ فبراير 1963 أي حركة إسقاط حكم الزعيم عبد الكريم قاسم كلف الحزب عدنان القصاب بالتوجه الى بيت العقيد عبد السلام عارف وإصطحابه معه بسيارته الى معسكر ابي غريب حيث ينتظره احمد حسن البكرفيقولquot; عند وصولي وجدت عبد السلام يتمشى في الممر الامامي للبيت وبلغته بكلمة السر المتفق عليها فقال لي عبد السلام : لماذا لم يأت حازم جواد أو عبد الستار عبد اللطيف لإبلاغي؟ فقلت لعبد السلام محتجاً : ليش آني مو بعينك؟ فضحك عبد السلام وقال له على العكس تفضل أنا لا أقصد ذلك، وعند وصولنا الى منطقة ابو غريب كان بانتظارنا العقيد أحمد حسن البكر والعقيد عبد الستار عبد اللطيف على متن ناقلة جنود مدرعة توجهت بهم الى مقر الاذاعة في الصحاليةquot; ( ص 49) ومن المفارقات أن الرئيس عارف بعدما قام بحركته العسكرية التي أطاحت بسلطة البعث الاولى أمر بإعتقال عدنان القصاب بتهمة محاولة إغتياله.

مدير مصلحة الموانيء العراقية

عقب حركة 17 تموز 1968 وبتكليف من رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر تولى عدنان القصاب منصب مدير عام مصلحة الموانىء العراقية ومكث فيها عدة سنوات ترك بعدها بصمات واضحة في تطوير الموانىء العراقية وكذلك في تحسين أوضاع العمال والموظفين فيها من بناء الدور السكنية لهم والمستشفيات والمستوصفات الصحية لهم ولعوائلهم.فقام ببناء قاعة ضخمة ودار إستراحة للعمال ودار حضانة لاطفالهم ونادٍ للاطفال، كما أولى أهمية للسكن إذ كان لا يسمح بالبقاء في السكن لمن يلتحق بخدمة العلم إلا أنه أمر ببقاء عوائلهم لحين الانتهاء من الخدمة العسكرية وباجور مخفضة، كما قام بتبليط طريق أم قصر وإنشاء المنطقة الحرة فيها وكذلك مشتشفى أم قصر وإنشاء 512 داراً للعمال والموظفين.ويشهد على ذلك الدكتور طارق الكاتب نائب مدير الموانىء للشؤون الادارية فيقولquot; كل هذه الاعمال كانت مشفوعة بما حققه الاستاذ القصاب من التحام ولإندماج بين الموظفين والعمال وبين الادارة وكوادر الانتاج بحيث كان التجاوب بين الطرفين مدعاة إعتزازquot;( ص 124)
ومن منطلق قومي ساهمت الحفارات العراقية بتعميق ميناء عدن جنوب اليمن كما أمر بإنتشال الجنبة الغارقة في ميناء أم قصر منذ الحرب العالمية الثانية بواسطة معدات مصلحة الموانيء العراقية وتوفير مبالغ كبيرة كانت قد طلبت بها الشركات الاجنبية لتنفيذ ذلك. وكذلك تنفيذ مشاريع أخرى منها إنشاء معمل الأنابيب الحلزونية في ميناء أم قصر وبناء معمل تصليح السفن إضافة الى تطوير المرافق السياحية في فندق شط العرب وجزيرة السندباد وإخراج مدينة الالعاب الى حيز الوجود وكذلك نادي الفروسية. كما تمّ في عهد إدارة القصاب العمل في مشروع شط البصرة الذي يربط شط العرب بخور عبد الله بطول 42 كيلومتراً وذلك لنقل البضائع بواسطة النقل النهري.كما عمل على إقامة حزام أخضر حول مدينة أم قصر لحمايتها من العواصف الترابية حيث تمّ نقل اعداد من النخيل من الكوت والبصرة بلغت حوالي ثلاثة الاف نخلة.كما شجّع الحركة الرياضية هناك وقدم لها المساعدات المادية واللوازم الرياضية.

شركة النفط الوطنية

وعقب تأميم النفط عام 1972 وبعد مفاوضات ماراثونية بين العراق وشركات النفط وقد ترأس الوفد العراقي في المفاوضات مرتضى سعيد عبد الباقي وزير الخارجية والدكتور سعدون حمادي وزير النفط، تولى عدنان القصاب منصب رئاسة شركة النفط الوطنية حيث واجه تحديات كبيرة وخاصة مهمة تسويق النفط العراقي إلا أن القصاب إستطاع أن يذلل العقبات بعد أن قامت الحكومة الاسبانية بتزويد العراق بعدد من ناقلات النفط وبذلك تمكّن من كسر إحتكار شركات النفط متعددة الجنسيات التي راهنت على فشل العراق بعد التأميم في إيجاد منافذ لتصدير نفطه وبيعها في الأسواق العالمية.ويشهد على ذلك الدكتور عصام الجلبي الذي اشار الى البصمات الواضحة التي تركها القصاب في شركة النفط الوطنية خلال تحمله مسؤولية رئاستها.فيقولquot; الفترة التي أمضاها القصاب في إدارة شؤون شركة النفط الوطنية إلا أنها كانت حافلة بعدد من التطورات والانجازات الرئيسة التي كان لها أثرها البالغ في تطوير الصناعة النفطية وتعميق مسار القطاع النفطي بشقه الاستراتيجي منها إنجاز المرحلة الاولى من تطوير حقل شمال الرميلة بالتعاون مع عدد من الدول الصديقة ومؤسساتها وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي وفق معاهدة التعاون التي أبرمتها الشركة مع مؤسسة ( مشينو أكسبورت السوفييتية). و(تكنو اكسبورت السوفيتية) quot;.
وكذلك شراء سبع ناقلات نفط إسبانية متوسطة الحجم بتدخل مباشر من الجنرال فرانكو آنذاك وقد تم تحميل أول ناقلة أطلق عليها أسم الرميلة بـ35 الف طن هدية من العراق الى إسبانيا quot;(143- 144 ).

الشركة العامة للمقاولات الانشائية

إضطر القصاب لترك شركة النفط الوطنية بعد أن إستدعاه الرئيس احمد حسن البكر آنذاك ويعرض عليه ادارة الشركة العامة للمقاولات الانشائية التي قال له البكر انها من أفشل الشركات منذ تأسيها وقد أبدى القصاب موافقته لذلك مما جعل البكر يقول له quot; لقد خلصتني من نار جهنم quot;ثم قام البكر بتسليم القصاب مجموعة من الدراسات التي أجريت حول الشركة. وخرج القصاب حاملاً الدراسات وباشر فوراً بدراستها ووضع خطة إستراتيجية لتجاوز كل المعوقات التي واجهت الشركة منها البحث عن كوادر جيدة قادرة على إدارة العمل والتفاعل لمواكبة حركة التطور وتحمل المسؤولية للنهوض بالشركة الى الأمام. وكان حريصاً على أن لايفقد أحداً من العاملين فيها فكان يتفقد كل صغيرة وكبيرة غير غافل عن الجوانب الانسانية تجاه العاملين الذين كان يشاركهم أفراحهم وأحزانهم ولا يتردد في حل مشاكلهم حين يلجأون اليه ويشعرهم أنه واحد منهم.الى درجة أنه قام ببيع السيارة الخاصة المهداة له من رئيس الجمهورية ووزع المبلغ على من إعتقد أنه يستحق التكريم. كما بذل القصاب بفضل قوة شخصيته وخبرته وحنكته وجرأته المعهودة في إتخاذ القرارات الهامة والاستراتيجية أن يجعل من المؤسسة مؤسسة قوية قادرة على تنفيذ المشاريع الكبرى والاستراتيجية وجعلها في مصاف الشركات العالمية في قطاع البناء والانشاءات وإستحدث هيئات متخصصة لمشاريع المباني والصناعية وأعمال الركائز والاسس للطرق والجسور واعمال الكهرباء وإختار لادارتها أكفأ المهندسين من ذوي الخبرة العالية دون النظر الى إنتماء الشخص السياسي أو القومي أو المذهبي وبذلك بلغ عدد العاملين في الشركة ما بين 45 - 50 الف عامل من مختلف المستويات والاختصاصات. فقد كان يجمع بين القائد السياسي والاداري.

صدام حسين يحل الشركة العامة للمقاولات
ويفصل القصاب من الحزب ويحيله الى التقاعد

وبعد كل تلك الانجازات التي حققها القصاب للشركة وللعراق والعراقيين فوجيء بقرار صدام حسين بحل الشركة وتعييين القصاب أمين سر تنظيم فرع ديالى لحزب البعث في أصعب مكان وزمان وذلك بداية الحرب العراقية الايرانية والتي كان ديالى على خط التماس مع إيران. وخلال وجود القصاب مسؤولاً عن ديالى جرت إنتخابات حزبية حضرها نائب أمين سر القطر عزة ابراهيم بذل القصاب جهوداً من اجل نجاحها هنأه عليها عزة إبراهيم بنفسه، إلا أنه في الليلة نفسها أبلغه جعفر قاسم حمودي عضو القيادة القطرية بتنزيل درجته الحزبية من أمين سر فرع ديالى الى عضو عامل ضمن تنظيمات أبو جعفر المنصور ببغداد. وإستمر ضمن هذه التنظيمات الى عام 1984 أصدر صدام حسين قراراً بتجميد نشاط القصاب الحزبي وإحالته الى التقاعد دون أن يعرف السبب فيقول في مذكراتهquot; كنت في حيرة من أمري ومستغربا هذه العقوبة القاسية التي لا اعرف سببها الحقيقي حتى يومنا هذاquot; ( ص 204)
وهذا الاجراء يدل ان صدام حسين أمين سر القيادة القطرية في واد ونائب امين سر القيادة القطرية عزة ابراهيم واعضاء القيادة في واد آخر. وان الاجراء لا يتماشى حتى مع الضوابط الحزبية او النظام الداخلي للحزب الذي يقضي بتنزيل المعاقب درجتين حزبيتين فقط. ثم ان الاجراء تم ارتجالي وبأمر شخصي من صدام حسين دون ان يعرف عدنان القصاب السبب حتى الان. وهذا يؤكد ان من كان يحكم العراق شخص واحد اختزل الحزب القيادة القطرية واختزل القيادة القطرية بشخصه.
وكان القصاب قد إنتخب لدورتين نقيباً للمهندسين العراقيين ورئيسا لاتحاد المهندسين العرب وحينما تقدم للترشيح لدورة ثالثة طلب منه عارف كطه سهيل عضو المكتب المهني ومسؤول نقابة المهندسين عدم الترشيح لفترة ثالثة أمام الدكتور حارث الخشالي مدير مكتب عزة إبراهيم آنذاك. بل وتشكلت لجنة للتحقيق معه مكونة من عيسى سلمان التكريتي وعزيز الدوري حيث تمادى سلمان على تاريخ ونضال القصاب والتقليل منهما مما حدا بالقصاب بأن يرد عليه بعنف قائلا له أنا مناضل في صفوف البعث قبلأان تلدك أمك. وبعد ذلك صدر قرار بفصل القصاب من الحزب وإضطر للعمل في مجمع طريبيل على الحدود العراقية الاردنية في مجال الصيرفة بترشيح من مدير المجمع صباح الحوراني. وإستمر هكذا حتى الاحتلال الامريكي للعراق بعدها إضطر لمغادرة العراق الى القاهرة عام 2006 وما يزال مقيما هناك مع التمنيات له بالصحة والسلامة.

عدنان القصاب والامير الراحل نايف بن عبد العزيز

يتحدث عدنان القصاب في مذكراته عن مواقف الامير الراحل نايف بن عبد العزيز حينما كان وزيرا للداخلية فيقول في صيف عام 1978 توجهت الى الديار المقدسة بصحبة زوجته الا ان سلطات الحدود السعودية منعته من الدخول وحينما عاد عرض الموضوع على وزير الداخلية آنذاك عزة ابراهيم الذي عرض الموضوع على الامير نايف الذي كان في بغداد لحضور اجتماعات وزراء الداخلية العرب فما كان من الامير نايف الا ان دعا القصاب وكل من كان معه لزيارة الديار المقدسة على نفقة الامير الذي قدم لهم الهدايا التذكارية.

نقد الكتاب
بالرغم من أن الكتاب ركزّ على الجوانب الوظيفية للسيد عدنان القصاب أكثر من الجوانب الحزبية إذ أن القصاب حرص ان يبتعد عن الحديث عن التاريخ النضالي بعدما انتشرت ظاهرة تبجح الكثيرين في الحديث عن ذلك. إلا أن الكتاب لا يخلو من الأخطاء الكثيرة من ناحية الأسماء والتواريخ أن معد الكتاب السيد وليد رشيد العبيدي الذي كان من المفروض به وضع عبارة إعداد وأن يكون الكلام للقصاب وليس نقلاً عنه يبدو غير ملم بتلك المراحل التاريخية التي عاشها القصاب الذي قطعاً بعد هذه الفترة الطويلة وكذلك حالته الصحية بسبب اصابته بمرض السكري قد خانته الذاكرة التي تعود الى ما قبل خمسين عاماً.فلو كان ملماً بها لقام بتصحيح ذلك.
فعلى سبيل المثال يقول القصاب أنه دخل دورة سكرين عام 1952 والصواب 1953. كما يتحدث عن حركة 8 شباط/ فبراير 1963 وما نتج عنها من أحداث فيقول في الصفحة 51 أنه تقرر أن يكون عبد السلام عارف رئيسا للجمهورية. وهذا خطأ فقد إختير عضوا في المجلس الوطني لقيادة الثورة وتسمية رئيس الجمهورية تمت بعد الانقلاب الذي قاده عبد السلام عارف ضد سلطة البعث يوم 18/11/1963. ثم يتكرر الخطأ في الصفحة 52 حينما يقول وبذلك عُينّ عبد السلام عارف رئيساً للجمهورية وأحمد حسن البكر نائباً للرئيس وعلي صالح السعدي رئيساً للوزراء. والصواب كما قلنا ان عارف أصبح عضواً في المجلس الوطني لقيادة الثورة الذي تقرر أن تكون رئاسته دورية وكل شهر وأصبح أحمد حسن البكر رئيساً للوزراء وليس نائباً لرئيس الجمهورية فيما شغل علي صالح السعدي أمين سر القيادة القطرية للحزب آنذاك منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية. ويبدو أن القصاب التبس عليه الأمر فأحمد حسن البكر أصبح نائباً لرئيس الجمهورية عقب الاطاحة بالحزب في 18 تشرين الثاني والذي إستقال من المنصب بعد فترة قصيرة مقرراً الابتعاد عن العمل السياسي.
جاء في الكتاب أنه تم إنتخاب عدنان القصاب عضواً في قيادة قطر العراق يوم 13/11/1963 والصواب يوم 11/11/1963 يوم إنعقاد المؤتمر القطري الاستثنائي الذي إقتحمته مجموعة من العسكروالذي أطلق عليه ( مؤتمر الرشاشات) وإعتقلت علي صالح السعدي ومحسن الشيخ راضي وحمدي عبد المجيد وقامت بترحيلهم الى خارج العراق ( إسبانيا) وفرضت هذه المجموعة قيادة قطرية جديدة كان القصاب أحد أعضائها.