راجحة عبود ndash; باريس: هل يختفي الكتاب الورقي وهل نستعيض بالحاسوب او اللوح الالكتروني او الموبايل بدل الكتاب الذي نتأبط به اينما حللنا في المواصلات وفي الحدائق العامه وفي ساعات الانتظار في الدوائر والمؤسسات لتتبع المعاملات او في انتظار صديق تأخر عن الموعد؟
بل هل تختفي مكتباتنا من البيوت؟مع عصر التكنولوجيا الحديثة والتطور العلمي في مجال الحاسوب والانترنيت ووسائل الاتصال الحديثة، بات الحديث عن دور النشر الالكترونية ينتشر بين الكتاب والقراء على السواء فهو بالنسبة للقاري اسهل وسيله للوصول الى الكتاب وبالنسبة للمؤلف اسهل وسيلة للهروب من معاناة النشر والتوزيع وبإمكان كتابه ان يصل الى القارئ بلمسة زر في الوقت الذي يشكو الكثير من الكُتاب من ألناشر، ويشكو الناشر من مضايقات النشر وارتفاع تكاليفه وضغوطه وظروفه الصعبة.
وكلا الطرفين يشعر انه خاسر. والخاسر الأهم هو الثقافة التي لم يعد بوسع أعمدتها وروادها أن يخدموها بالطرق التقليدية للطباعة والنشر مع هذا التطور المتسارع في وسائل الاتصال. فالنشر الإلكتروني قلب المعادلات. الكاتب لم يعد بحاجة الى ناشر ووظيفة الناشر لم تعد هي نفسها وظيفة ألوراق السابق. العالم يتغير ويحسن بصنّاع الثقافة أن يواكبوا التغيير.
الباحث والكاتب الدكتور جواد بشارة الذي يعيش في فرنسا منذ اربعين سنه وأصدر العديد من الكتب في مجال الفن والسياسة والدين والترجمة وهو من الكتاب المواظبين في جريدة ايلاف الالكترونية، خاض أخيراً تجربة النشر الالكتروني وأصدر كتابه الاخير quot;الكون اصلة ومصيره quot; في لندن، عن المؤسسة البريطانية للنشر quot;E- Bookquot;، احدى دور النشر الالكترونية التي اخذت تنتشر الان بكثرة في العالم وللحديث عن هذه التجربة التقيناة في باريس وسألناه عن سبب اختياره للنشر الالكتروني على النشر الورقي وتقييمه لنتائج هذه التجربة حيث قال :
-كان هناك أمامي خيار النشر الورقي المعتاد، بعد تجارب عديدة سابقة لنشر كتبي لكن هذا الخيار يستغرق وقتاً أطول وبإمكانيات توزيع محدودة فالناشر اشترط طبع ألف نسخة فقط مما يعني أن الكتاب سيصل إلى ألف قاري على أقصى حد لو تم توزيعه في العالم العربي برمته وبيعت نسخه كاملة في حين أن النشر الالكتروني يعني أن يصل الكتاب بسعر أرخص بكثير ويجهز خلال ساعات قليلة ويكون في متناول جميع القراء المهتمين ومن لديهم فضول علمي بمجرد البحث عن تيمة الكتاب أو موضوعه على النت ليحصل عليه القارئ فوراً ويكون على حاسوبه جاهزاً للقراءة وقت ما يشاء.
وعن نتائج هذه التجربة يمكن القول أنها كانت ناجحة تماماً واستطعت معرفة ذلك من خلال بيانات البيع من الناشر ومن الرسائل الالكترونية التي وصلتني تعليقاً على الكتاب من قبل القراء الذين رغبوا بالتعبير عن إشادتهم بموضوعه او التعليق علية. وقد تم بيع ما يربو على الثلاثة آلاف نسخة لحد الآن.

-هل تعتقد أن الكتاب الورقي سينحسر قريباً وتختفي المطابع الورقية؟
-في الغرب يمكننا القول أن اختفاء الكتاب الورقي سيتم في غضون بضعة عقود قادمة ولكن في العالم العربي لا زلنا نحتاج لفترة طويلة لكي تتفوق التكنولوجيا الرقمية على الوسائل الطباعية التقليدية، فحتى في مجال البيع، القاري العربي غير معتاد أن يشتري عبر الانترنت بواسطة بطاقات الائتمان. وهو لم يعتد بعد على القراءة عبر الانترنت والحاسوب إضافة إلى ذلك إن هذه التكنولوجيا غير متاحة لعدد كبير من القراء في الوقت الحاضر والدليل على ذلك أن اغلب مبيعات الكتاب تمت بين أوساط الجاليات العربية في المهجر وبعض المتمكنين في العالم العربي حيث تصدرت السعودية قائمة أكبر عدد من المشترين للكتاب.

-تعودنا عليك تكتب في الفن والسياسة والدين وألان نراك تكتب في مجال العلم وهذا يحتاج الى تخصص اكاديمي ومعرفي فكيف التجأت الى ذلك النوع من الكتابة ولماذا؟
-هناك مقولة مفادها أن المثقف يعرف كل شيء عن شيء، أي في مجال تخصصه، و شيء عن كل شيء، أي امتلاكه للثقافة الموسوعية، ومن هذا المنطلق رغم تخصصي الأكاديمي أو الدراسي الفني، كانت لدي منذ الصغر اهتمامات ثقافية وفكرية وعلى رأسها العلوم والسياسة والدين وقد تعمقت في مطالعاتي في هذه الميادين كما لو أنني متخصص فيها لذلك لم أجد صعوبة في الخوض في مجالات العلم والدين والسياسة إضافة إلى الكتابات الفنية ولدي الكثير من المخزون الثقافي والفكري ما يؤهلني للخوض عميقاً في أي مجال من هذه المجالات مع الحفاظ على الدقة العلمية والروح الأكاديمية الملتزمة لأنها مسؤولية كبيرة أمام القارئ في أن أقدم له المعلومة الصحيحة.

-على أية مصادر تعتمد في كتاباتك العلمية؟
-كما نعلم تتوفر في الغرب مصادر بحث علمية كثيرة جداً في المكتبات الخاصة والعامة وكثير من المجلات والدوريات العلمية المتخصصة إلى جانب الانترنيت فهذه ليست عقبة وقد توفرت لدي مئات الكتب والأبحاث الجادة في هذا المجال إضافة إلى العلاقات الشخصية مع عدد من العلماء والمتخصصين في مجال علم الكون أو الكوزمولوجيا الذين استفدت من دراساتهم وأبحاثهم ونصائحهم وتوجيهاتهم العلمية القيمة.

-ما هو سبب اختيارك أسلوب التبسيط في عرض المادة العلمية المعقدة؟
-اردت ان اجعل من عملي هذا مرجعا مبسطا وشاملا، من دون أن اضحي بالقيمة العلمية للمادة. وقد عرضتها ليس من اجل ان اقدم quot;فتوى علميه محدده وإنما من اجل أن اضع أمام القارئ معظم النظريات والافتراضات والخرافات التي عالجت موضوع الكون وفهمنا له.. لذلك أمل أن يفتح أبوابا كثيرة لمعارف يكاد الكثير منا لم يسمع بها. كما انه يثير أسئلة لا حصر لها تقريبا، إلا اني لا اترك القارئ حائرا دون أجوبة وأجوبة مضادة لها إلا إذا كان العلم نفسه عاجزا عن تقديم الإجابات الوافية.

- وهل تتوقع من القاريء العادي أن يفكر ويتأمل بجدية وعمق في هذا الموضوع؟
-إن أغلب الناس يعيشون أيامهم، ويقضون أعمارهم دون أن يفهموا العالم الذي يعيشون فيه. فمن النادر أن يفكر أحد بآلية تكون ضوء الشمس وأسبابه في حين أن هذا الضوء هو العنصر الأساس للحياة على الأرض. ولا يفكر الإنسان عادة بالجاذبية التي تجعلنا ملتصقين بالأرض ولا نطير في ألسماء ولا بالذرات التي تتألف منها المادة والتي نتكون نحن البشر منها أيضاً والتي يغدو استقرارها سبباً في وجودنا. ولا ينتبه أحد عادة إلى الطبيعة ولا يتساءل دائماً لماذا هي على هذا ألحال وهل يمكن للزمن أن يعود القهقرى وهل يمكن للنتيجة أن تسبق السبب والمعلول يتقدم ألعلة وهل هناك حدود للوعي البشري والإدراك الإنساني والمعرفة ألبشرية؟ ناهيك عن التفكير بالثقوب السوداء وجغرافية الكون وطبيعة مكوناته وما هو أصغر مكون مكتشف للمادة وهل هناك ما هو أصغر منه ولماذا نتذكر الماضي وليس المستقبل، وكيف نفسر النظام الكوني القائم والعلم يقول أنه نشأ من الفوضى والعدم وأخيراً وليس آخراً لماذا يوجد الكون؟ وهنا يقتحم المرء نطاق الماورائيات ومجال الميتافيزيقيا، ويلج المنطقة المحرمة التي تتحدث عن الله أو غيابه، ومحاولة الإجابة على تساؤل أينشتين: هل كان لدى الله الخيار في خلق الكون؟ وحاول العلماء من بعده سبر فكر الله وسر تفكيره.

-ها قد بدأت تمس وتراً حساساً يتعدى الأطروحة العلمية عن أصل الكون:
- صحيح أنت على حلى حق فموضوع ولادة الكون أو بدايته كانت موضوع نقاشات عديدة ومعمقة، بعد ان كان حكرا على الاديان، لاسيما الأديان السماوية المنزلة التي تتفق فيما بينها على صيغة أن الكون ولد في لحظة محددة في ماضي ليس بالبعيد ويترتب على ذلك ضرورة وجود quot;العلة الأولى أو السبب الأول quot; الذي يفسر وجود الكون. وقد قدرت الكنيسة الرسمية، استناداً إلى ما ورد في الكتب المقدسة، أن الكون ولد قبل خمسة آلاف سنة من ميلاد السيد المسيح كما جاء في سفر التكوين في العهد القديم، وهو الأمر الذي يختلف جوهرياً وكلياً مع التواريخ التي يقدمها علماء الآثار إلا إذا لجأنا إلى ما يمسى برمزية الأرقام والتواريخ وأن اليوم لا يعني بالضرورة اليوم الأرضي الذي نعرفه.

-وهل ستكرر هذه التجربة؟
نعم إذ أنني ألان بصدد الانتهاء من كتابة الجزء الثاني من الكتاب حول نفس الموضوع وعنوانه الكون الحي بين الفيزياء والميتافيزيقيا وسوف ينشر في نفس دار النشر الالكترونية البريطاني إي كتب E- Book خلال شهرين وهو صيغة متقدمة جداً عن الجزء الأول وفيها آخر ما توصل إليه العلم الحديث في مجال علم الكونيات وطرح رؤيتي ونظريتي الخاصة في هذا المجال.

-هل لمست استجابة واسعة من القارئ العربي لمثل هذه المواضيع اي هل بإمكاننا أن نسال من هم قراء الكتب العلمية؟
في أغلب الأحيان هم من الطبقة المثقفة من مبدعين وكتاب وفنانين وأدباء وإعلاميين وبعض رجال الدين المتنورين وكذلك من الفئة المتعلمة من طلاب الجامعات وكذلك المتخصصين في مختلف الحقول العلمية.
-هل لك أن تعرفنا إذاً بالكون الذي تناولته في كتابك؟
من القراءات الفلسفية المرتبطة بموضوع الكون وأصله لفت نظري سؤال وجهه أحدهم لآينشتين كما ذكرت قبل قليل وهو :هل كان لدى الله الخيار في خلق الكون؟ وفي محاولة للإجابة على هذا السؤال حاول العلماء سبر فكر الله ومعرفة سر تفكيره. ولقد تتبعت محاولات أولئك العلماء للوصول إلى إجابة علمية شافية عن هذا السؤال الفلسفي والوجودي.

وبدأت بطرح الأسئلة الوجودية التي تهم البشرية جمعاء و أولها: ما المقصود بالكون؟
ان الكون بلا شك مفهوم واسع ومعقد ولكن ما نقصده هنا هو المكان والزمان والمادة والطاقة وكل المكونات الأخرى الموجودة في الفضاء الخارجي والقابلين للمراقبة والرصد والمشاهدة والخاضعة للقياس ولقوانين طبيعية وفيزيائية جوهرية، دون أن نتعرض إلى عناصر مطلقة غير مرئية فيه، أي هو ذلك الجزء المرئي والملموس والمكون من مجموعة من الأكداس والحشود من المجرات الصغيرة والكبيرة، القريبة والبعيدة جداً، والتي تعد بالمليارات، وفي كل مجرة هناك مليارات النجوم والكواكب وغيرها من الأجرام والغازات والأغبرة الكونية. وما شمسنا سوى نجم صغير ومتواضع من بين 200 مليار نجمة في مجرتنا درب التبانة وحدها وربما أكثر من ذلك بكثير فهذا مجرد رقم تقديري، وكوكبنا ليس سوى حبة غبار صغيرة ملحقة تدور في فلك الشمس من بين مليارات الكواكب السيارة التي يعج بها الكون، ولا تزيد عن جزء من مليار من قطرة ماء مقارنة بكميات مياه البحار والمحيطات في الأرض برمتها. ينبغي أولاً استعراض التطورات الأخيرة للكون وجذورها التاريخية. فموضوع ولادة الكون أو بدايته كانت موضوع نقاشات عديدة ومعمقة، وكان هذا الموضوع حكراً على الأديان،، وهو الأمر الذي يختلف جوهرياً وكلياً مع التواريخ التي يقدمها علماء الآثار إلا إذا لجأنا إلى ما يمسى برمزية الأرقام والتواريخ وأن اليوم لا يعني بالضرورة اليوم الأرضي الذي نعرفه. سبق لفلاسفة كبار أن تصدوا لموضوع الكون مثل أرسطو وبطليموس وعمانويل كانط في كتابه quot;نقد العقل المحضquot; المنشور سنة 1781. وقد أشار عمانويل كانط إلى أنه قد يكون للكون لحظة بداية إلا أن هناك زمن لا نهائي سبقه وكان موجوداً قبله ومستقلاً عنه سماه بالزمن المطلق، أما زمن الكون منذ لحظة ولادته فهو الزمن النسبي. وقد علق القديس أوغسطين على تساؤل بهذا الصدد وهو : quot;ماذا كان يفعل الله قبل خلق الكون؟quot; فرد بسخرية : quot;ربما كان يحضر الجحيم للذين يطرحون مثل هذا السؤالquot;.

-وما موقف العلم الحديث من هذه المسألة الشائكة والحساسة؟
جاءت نظريات الفيزياء الحديثة لتقدم أجوبة تقريبية ونسبية ونظرية للبت في أصل الكون وعمره ومصيره منذ بدايات القرن العشرين أشهرها نظرية النسبية لآينشتين وما تلاها. وحدثت انعطافة تاريخية سنة 1929 عندما اكتشف العالم إدوين هيوبل Edwin Hubble ظاهرة توسع وتمدد الكون مما يعني أن محتويات الكون كانت قريبة لبعضها البعض في الماضي السحيق الذي يعود إلى ما بين 10 أو 15 مليار سنة وكانت كثافة الكون لامحدودة الأمر الذي أعاد موضوع عمر الكون وولادته إلى طاولة البحث العلمي البحت. ومن هنا برز مفهوم أو مصطلح الانفجار العظيم Big Bang، عندما كان الكون لا متناه في صغره ولا متناه في كثافته. وإذا قبلنا وجود quot;حالةquot; ما قبل الانفجار العظيم، ثابتة ومستقرة للكون، فهذا يعني بنظر القديس أوغسطين أن هناك كائنا خارج الكون هو الذي فرض عملية التغيير والحركة التي نشأت أياً كان شكلها وتسميتها لأنه لم تكن توجد أية ضرورة فيزيائية للتغير بدون محفز أو حافز عملي نسبه أوغسطين إلى الله. ثم جاءت النظريات العلمية في الفيزياء الفلكية لتقدم البديل العلمي للطرح والتفسير الثيولوجي أو الديني. وستكون هذه الأطروحات والمواضيع هي محتوى الكتاب مطروحة باختصار وتبسيط شديد قدر الإمكان لتكون أقرب للفهم والاستيعاب من قبل الجميع.