يوسف يلدا ndash; سيدني: المحطة الأخيرة التي وقف عندها مهرجان الجاز في فيتوريا الإسبانية ليودّع عندها جمهوره، ومسك ختامه مساء السبت كان التينور ساكسفون سوني رولنز، ترافقه نوتاتٍ موسيقية في غاية التآلف، خرجت من بين أنامل ونفخات الرجل الثمانيني، الذي لا يزال يحمل طاقة لا تنضب من الإبداع.
يبدو اليوم، أن الإقتراب من إسلوبٍ موسيقي كلاسيكي جداً، يعود الى أعوام الأربعينات، كما هو الحال مع quot;البي - بوبquot;، ليس بالأمر السهل. غير أن كل ذلك قد يتغيّر عند الإستماع الى عرضٍ للجاز يقدمه أحد رواده وأبرز مؤسّسيه، بمعية فرقة مقتدرة، مؤلفة من خيرة العازفين المعروفين بتقديمهم لهذا النمط الموسيقي الذي مضى على ولادته أكثر من سبعة عقود. حينذاك يكون لطعم العودة الى تلك الأعوام من القرن الماضي، مذاقه الخاص في الذاكرة، ويكون لتلك الثورة الموسيقية حضورها المتميّز.
ولا يمكن إطلاقاً أن تؤطّر أكثر من ستين عاماً من الإنجاز الموسيقي، وإصدار الألبومات، ومدّ جسور العلاقات مع عدد لا يحصى من الأسماء البارزة في حقل الجاز، وغيره من الأجناس الموسيقية، في كلمة أو حتى في جملة. ومع كل ذلك، يبدو جليّاً أن سوني رولنز إرتبط إسمه بجيل يتّسم بصفات ذات الموسيقى التي عُرف من خلالها، جيل يتضمن أسماء معروفة مثل جون كولترن، ومايلز ديفز، أو ثيلونيوس مونك، من بين أسماءٍ أخرى.
واليوم، لم يبق إلاّ سواه، على أمل في أن يستمر لسنواتٍ طوال أخرى، لأنه لا يزال، كما يبدو، في قمة لياقته ومستواه الفني. وفي فيتوريا الإسبانية، حيث مركز إنعقاد مهرجان الجاز في دورته السادسة والثلاثين، كانت هناك مشاهد من الأصالة والجمال، مدعومة، على الدوام، بإيقاعات ونغمات موسيقية رصينة، من عازف الكونترباص بوب كراشو، وعازف الطبول quot;الدرامزquot; كوبي واتكنس، وسامي فيغيروا على الإيقاعات quot;البيركشنسquot;.
وقدّم سوني رولنز وفرقته، في الجزء الأول من برنامجهم الذي إستغرق ساعة كاملة، نفحاتٍ من مرحلة التحول في موسيقى الجاز الممتدة الى أعوام الأربعينات تلك، في صالة مكتظة بالجمهور العاشق لمقطوعات الموسيقي القادم من نيويورك. لكن روح موسيقى الجاز كانت قد تجلّت بعمق في المقطوعة الموسيقية الثانية التي نفّذها رولنز. وأما بيتر برنشتاين فقد عمل من أجل أن يبعث بنغمات غيتاره الجميلة، لتتآلف مع نوتات الكونترباص التي راحت تحلّق عالياً، لتصبّ، من بعدها، في أصوات السالكسفون، ليلد، شيئاً فشيئاً، لحناً منسجماً ومتماسكاً.
وعندما يتوقف رولنز عن العزف، يشرع في التمايل والرقص، على الرغم من الصعوبات، الواضحة عليه، أثناء التنقّل. يرقص ويستمع الى الموسيقى مع تركيز كبير، ليدنو بعدها الى وسط المسرح، ويبدا في النفخ في آلة الساكسفون، من ثمّ يتغيّر كلّ شئ.
وفي الجزء الثاني من منهاج المهرجان، ينفّذ رولنز مقطوعات موسيقية عظيمة من تأليفه، مثل quot;واي آي ووس بورنquot; وquot;د. شيريquot;، تمكن، عبرألحانهما المفعمة بالموسيقى والإيقاع، من أن ينشر صمت مطبق بين الجمهور الذي راح يتابع جميع الحركات اللحنية والجسدية الخارجة من عمق المسرح.
أنهى سوني رولنز عرضه الموسيقي الرائع بمقطوعة quot;دونت ستوب ذا كرنفالquot;، متماهياً في الرقص والعزف على خشبة المسرح قبالة الجمهور، ناثراً نشوة الفرح هنا وهناك، على أمل أن يعود ثانية الى فيتوريا ومهرجانها.
وكان إحتضن مهرجان الجاز في فيتوريا بإسبانيا ما بين 16 وحتى 21 يوليو/ تموز الحالي، باقة متنوعة من العازفين، تميّزت أعمالهم بجودتها العالية، وعلى وجه الخصوص، الأمسيات الثلاث المخصصة لفنانين كبار، أمثال غيلبرت جيل، وبات ميثاني، وأخيراً سوني رولنز. وعلى الرغم من إختلاف إسلوب كل واحد من الموسيقيين الثلاثة، فقد بدا أمر التنقل فيما بينهم، في غاية النعومة والسلاسة.