رشيد طارق من بغداد: يقع كتاب فارس كمال نظمي ب154 صفحة ويضم 25 مقالة مع مقدمة في السياسة، التي تعني عند المؤلف : ادارة السلطة، سواء كانت ناجحة ام غير ذلك. لكن المقالات تتجه الى ان تكون وصفا لتخوم التجربة العراقية ndash; مجتمعا وسلطة - من موقع عدم الرضا الذي يستشعره دارس ازاء ماحصل بعد الاحتلال الاميركي للعراق عام 2003 وقد بذل المؤلف ndash; ولاشك- جهدا عاطفيا من ناحية اخلاق الواجب، لمواطن لا يطيق ان يفلت بلده، ومدينته بغداد، من الوعود والمشاريع التي كانت متداولة في العراق منذ مملكة فيصل الاول والتي مازال بعضها صالحا لان يكون برنامجا للتفكير والتطبيق.
ومما لاشك فيه ايضا : ان الحقل الذي يعمل فيه فارس نظمي، وهو علم النفس الاجتماعي، من اكثر الحقول تاثيرا على القارئ العراقي، بشرط عدم استفزازه، لذلك حاول الكاتب اختيار موضوعات يتفق العراقيون اليوم على انها اربكتهم ان لم نقل غيرت اتجاه الدفة كما يقال، وجعلتهم ينشغلون بما هو بعيد عن عوائد التجربة، واستمروا في دفع الثمن بالغلط، لكن التقدم قد ياتي عن طريق الاغلاط، اذا كان المجتمع ديناميكيا، اي يستطيع ان ينتج ذاتيا القسم الاكبر والجوهري من تصحيحات الخطأ.
المقال الجوهري في الكتاب، تبعا لصلته الشكلية بعدد السكان، هو تحليل وضع الشيعة العراقيين تاريخيا، ومحاولة ربط ذلك التاريخ بالواقع الاجتماعي للشيعة، وللاسف لم ينظر المؤلف مليا الى الاسس التي تم ترحيلها من الائمة الاثني عشر ndash; حسب انتساب اغلبية شيعة العراق ndash; الى ايجابية الزيدية الاصلية سياسيا عبر الخميني، والامكانية غير الواضحة وضوحا كافيا حتى الان للتخلص من ترحيل المهدي الى تنويمة دهرية. وتحويل تلك الفكرة او الحقيقة من عبء التراكم العقيم الى المكتسب النوعي الايجابي الذي يسمح لها في ان تكون جزءا من الارث العام الذي لا ينفصل عن مطلب العدالة والتنوير باتجاه الحداثة وليس الوصايا المتناظرة التي لابد ان تعاني من الغربة.
فالتكتل الجماهيري، خارج مواكب العزاء، قد اخذ بعدا اجتماعيا واسعا يفلت من المناسبات الى عموم الحياة اليومية، التي لم تملأها مظاهر اخرى، مع ان شعائر الشيعة تتضمن ممارسة دنيوية اجتماعية مباشرة. قد يكون حق المؤلف، وحسب العنوان الرئيس، ان يذهب الى السياسة بمعناها الحديث، ولكن الشيعة لا يخرجون عن الاطار السياسي منذ نشاتهم، فالسلطة من حيث كونها حقا خاصا موضوع قائم. والبحث في كيفية ان ينظر الشيعة الى شيعيتهم الحالية في اطار مجتمع ليس من صنعهم، وفي عالم ليس عالمهم بالكامل، هو من بين ما يمكن ان يساعد على ان ينخرطوا في مشروع وطني عام اي: لا يكون فيه مشروعهم المعصوم وحده لوحدهم. ان الاتجاه العاطفي للكتاب، يفهم منه انه يريد التاثير الوطني اكثر من اي هدف اخر قد يبدو ثانويا في الكتاب، وهكذا قد تكون هناك ميوعة وجدانية في بعض الاسطر، لكسب قارئ من هنا وهناك، وقد كان من الممكن تجنب ذلك لو كتبت بعض مقالات الكتاب بالطريقة الاكاديمية.
لا يمكن ان نترك الكتاب دون القول : ان مثل هذه المحاولة هي سابقة ممتازة لاختراق العادات الثقافية المتمحورة حول مواضيع مغلقة. ويامل المرء ان تجد المحاولات امثالها اسسا معرفية اكثر هدوءا، كما يطلب المؤلف، فتؤدي دورها في نقل القراء الى نقاش لا يسمح للعادات المعرقلة ان تكون بديلا عن الحياة.
في الكتاب مقالات الكثير منها يستحق ان يكون مناسبة للتعليق، كما ان موضوعات عدد من المقالات يمكن ان تكون مواد اولية لنقاشات واسعة، اهدأ، واكثر تلمسا للجذور الثقافية ndash; السياسية، الخالية من التنافر والدغدغات، اي ان تقوم بالنقد.. حيث لا ضحك ولا بكاء.