دبي: الهروب من أجواء التلفزيون هو أهم محفز للدخول إلى صالة السينما لكلّ مَن يبتغي أخذ قيلولة من الشاشة المسطحة وحواراتها الكثيفة بشخصياتها المتعددة، وربما عدم الاكتفاء بالقيلولة تلك، إنما النوم في عوالم من العمق تتخذ من الصورة السينمائية أبرز مكامن إثارتها..
إثارة قد تبدو جديرة بالرؤية حين يكون الفيلم رومانسياً أو يعتمد على قصة حبّ تجمع عاشقيْن، لكنها هنا غابت بشكلها المألوف في السينما لدى مشاهدة الفيلم الكردي quot;شيرينquot;، لمخرجه quot;حسن عليquot;، ولعلّ العارف بالملحمة الكردية (فرهاد وشرين)، سيلاحظ مدى العمق في الفكرة، حتى إن الحبّ كممارسة وحياة لم يتجسد بمعناه اليومي في هذا الفيلم.
ملحمة فرهاد وشيرين، ولكن؟
quot;شيرينquot;، فتاة كردية فاتنة الجمال تعيش في إحدى قرى مدينة السليمانية التابعة لإقليم كردستان العراق، تتعرّف على فرهاد quot;شوان عطوفquot;، خلال إجازته في بلدته قادماً من باريس؛ مكان إقامته، ويكون أحد الأعراس مناسبة لنسج قصة حبّ، تطلب شيرين quot;بيان عثمانquot; على إثرها منه التقدم لطلبها من ذويها، وحين يفعل، تعارض أمها، كون وضعه المادي وطبقته الاجتماعية ومستواه التعليمي لا يناسبهما، ليعود quot;فرهادquot; وتلحق به إلى العاصمة الفرنسية، وفي عودته الثانية، يتم تزويج الفتاة إلى رجل آخر، وخلال عرسها، يتشاجر الاثنان عليها ويطاردان بعضهما بعضاً بمسدس العريس، تستقلّ الفتاة سيارتها، ويُنهي حادث السيارة حياتها.
هكذا أراد حسن علي quot;المؤلف - المنتج - المخرجquot; لقصته أن تكون وكذلك حدثه الرئيس الذي تماشى مع أحداث فرعية أخرى سارت معه، داخلاً في بعض تفاصيل الحياة بين السليمانية وباريس، مع التقرّب الرمزي من القصة الحقيقية، التي تقول الأساطير إن quot;فرهادquot; طُلب منه أن يشق الجبل لإخراج الماء، ووقتها يفوز بحبيبته الأميرة، وحين الانتهاء، ثمة مؤامرة تُحاك ضده بأن محبوبته ماتت، ليقتل نفسه بعدها، وبالتالي تقتل نفسها أيضاً..
ورغم اختلاف الأساطير والحكايات حول هذه القصة التي تتوثق ببعض المعالم والخرائب الأثرية في العراق بمنطقة quot;خانقينquot; في أواخر القرن العاشر للميلاد، إلا أنها كملحمة شعرية شأنها شأن quot;مم وزينquot; وquot;سيامند وخجيquot; كُتبت باللغة الكردية بأقلام شعراء كبار، أمثال quot;أحمدي خانيquot;، وquot;ملا أحمد جزيريquot;، والمؤرخ الطاجيكي الفارسي quot;بالاميquot;، وغيرهم.
ليس من نقاط قوة
لأننا أمام قصة حبّ، من الطبيعي أن تكون جرعة الرومانسية ثقيلة نوعاً ما، وكذلك مستوى التوتر الذي صاحب الحالات النفسية، فكان التصوير في بيئة مكانية غاية في الروعة quot;السيلمانيةquot; بطبيعتها البكر وألوانها الجميلة ومناخها الجبلي الساحر، وكذلك quot;باريسquot; المتخمة بالرومانسية والتاريخ والحبّ، وبين هاتيْن المدينتيْن كان الرهان على خلق مشاعر الحبّ في غاية الصعوبة، ولاسيما أن الأحاسيس المتعلقة بهذه العاطفة لم تتمكن من التأثير عميقاً في جمهور كان من المفترض أن يبكي على مصير مؤلم لعاشقين..
فقد جاءت المصائر وتحولاتها وكذلك انتقالات الشخصية بين الفترات الزمنية غير مؤثرة عموماً، سواء في الناحية السيكولوجية أو حتى الحوار الذي ضجّ به الفيلم على مدى 105 دقائق، علماً أن السينما فنٌ اختزالي يعتمد على الكثير من فترات الصمت الضرورية، ولاسيما في قصة رومانسية من المفترض أن تعتمد على التأمل والنظرات وحالات الشهيق والزفير وغيرها من التفاعلات الإنسانية غير المعتادة بين أي شخصين عاديين في علاقتهما.
كما كانت نسبة الابتكار والتجديد في المعالجة الدرامية غير كافية، بل تم استخدام كليشيهات دارجة في أفلام سينمائية سابقة، مثل مشهد اللقاء بين العاشقين في مطار باريس، أو مشهد إقلاع الطائرة، أو غيرها من المشاهد المتكررة في لقاءاتهما وأحاديثهما المعتادة من جهة، وكذلك لم تشهد مدة الفيلم quot;الطويلة نسبياًquot; أي مشهد حميمي أو حتى قبلة بين عاشقين مولهين من جهة أخرى، وما زاد من الانتقادات أن الفيلم يحكي قصة حبّ كردية، فلماذا كانت الأغاني الفرنسية هي الأساس؟ ألم يكن جديراً إدراج موسيقى تصويرية كردية، رغم استخدامها في مشهد صغير وخاطف فقط؟
فالفيلم، بطبيعة الحال، يلقي باللائمة على جيل محتكر للمجتمع والعادات والثقافة، وهو يكبس على أنفاس كلّ من يتمرّد عليهم حتى في مشاعره، بل وينصح الشباب بالتعلق بآمالهم والتحرّر من قيودهم المجتمعية، في فيلم شهد إقبالاً جماهيرياً كبيراً حين عرضه في بلد إنتاجه، كردستان العراق، مكلّفاً 220 ألف دولار أمريكي.
لكن بدت بداية الفيلم قوية، وكان المشهد الافتتاحي ضخماً بحجم أفلام هوليود، لمخرج فاز فيلمه quot;حي الفزاعاتquot; بالجائزة الذهبية quot;ألفquot; في مهرجان بيروت الدولي للسينما 2011، بينما تنوعت لقطات التصوير وزواياها في بيئة سينمائية نقية اعتمدت على خبرة مخرج ربما كان الوقت ليس لمصلحته في تصوير فيلمه هذا، الذي عُرض مؤخراً في تظاهرة quot;ليالٍ عربيةquot; ضمن عروض مهرجان دبي السينمائي التاسع 2012.
وفي محصلة الأخطاء، كان حظ الفيلم عاثراً في نقاط قوته، ولم يقدم لمتفرّجه مفردات الحبّ.
التعليقات