تروي الأفلام الفائزة في مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي قصصًا من الظلم والقهر والانتهاكات التي يتعرض لها جسد الإنسان، فيما حضرت شخصيات زعماء سابقين في تلك الأفلام لممارستهم الظلم والاضطهاد.
أبو ظبي: أسدل الستار رسميًا على الدورة السابعة لمهرجان أبوظبي السينمائي الدولي 2013، بانتهاء عرض الأفلام الفائزة التي حصدت جوائز المهرجان. ومن أبرزها الفيلم الصيني الفائز بجائزة اللؤلؤة السوداء للأفلام الروائية quot;لمسة الخطيئةquot; للمخرج جا جنكي، وكذلك الفيلم العراقي quot;تحت رمال بابلquot; للمخرج محمد جبارة الدراجي، الحاصل على جائزة أفضل فيلم في العالم العربي، والفيلم الفائز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة للأفلام الروائية quot;بلادي الحلوة.. بلادي الحادةquot; من إخراج هينر سليم (إنتاج مشترك بين العراق وفرنسا وألمانيا والإمارات)، والفيلم الجزائري quot;السطوحquot; الحائز على جائزة أفضل مخرج من العالم العربي للجزائري مرزاق علواش. والفيلم العراقي quot;قبل سقوط الثلجquot; الفائز بلقب أفضل عمل من العالم العربي في مسابقة (آفاق جديدة)، للمخرج هشام زمان. وفيلم quot;حياة ساكنةquot; للمخرج أوبيرتو بازوليني الحاصل على الجائزة الأولى في مسابقة (آفاق جديدة)، وهو إنتاج إيطالي بريطاني. وتم كذلك عرض فيلم quot;هذه الطيور تمشيquot; الحاصل على جائزة اللؤلؤة السوداء في مسابقة الأفلام الوثائقية، إضافة إلى عرض فيلم quot;فيللا 69quot; للمخرجة أيتن أمين، الفائز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة، والفيلم إنتاج مصري إماراتي.
وماو تسي تونغquot;لمسة الخطيئةquot;
quot;لمسة الخطيئةquot; فيلم يتحدث عن4 حوادث موت جرت في الصين في الأعوام الأخيرة، ثلاثة منها جرائم قتل والأخيرة انتحار. وانتشرت بين المواطنين عبر التقارير الإخبارية التي سعت إلى تكريس صورة شاملة للحياة في الصين المعاصرة والمتغيرة بطريقة سريعة، وبالرغم من الازدهار الذي تشهده البلاد نجد أن كثيرين يواجهون أزمات شخصية بسبب الانتشار غير المتكافئ للثروات، ما أدى إلى حدوث فجوة كبيرة بين الأثرياء والفقراء. الفيلم مليء بمشاهد القتل والدماء التي تسيل بغزارة نتيجة فساد كثير من الناس وسقوط ضمائرهم.
ويظهر الفيلم سيطرة الحزب الحاكم في الصين على مقاليد الدولة وفساد موظفيه، وتدور الاحداث أيضا حول إقدام مواطن يدعى داهاي (جيانغ وي) على قتل عمدة بلدة نائية مشهورة بمناجمها وعمالها المهاجرين، إثر مشاداته معه على الظلم والقهر الذي لحق به وسرقة أمواله. والمشكلة أن بندقية هذا الرجل الغاضب لم تقتل المسؤول وحده بل سفكت دماء آخرين. ويريد الفيلم إيصال رسالة هي أنه من السهل تجريد الناس من كراماتهم الشخصية، لذا فإن اللجوء إلى العنف أصبح الوسيلة الأكثر نجاعة وسرعة في تمكين الفرد المستضعف من استعادة هيبته المفقودة.
ويروي الفيلم حكاية المرأة quot;تشاو يوquot;، بطلة الفيلم العاملة في مكتب استقبال حمام بخاري quot;ساوناquot;، يرى فيها زبون غني ونافذ في السلطة المحلية أنها صيد جنسي عليه أن يطيع رغبات الزبائن. وذلك في وقت تعاني البطلة غربة ذاتية بسبب جفاء عشيقها الرافض تطليق زوجته والارتباط معها، وارتهان مصيرها بقرار عائلي معقد. وفي ظل تلك الأحداث يتصاعد عناد الزبون الذي يحاول اغتصابها، وبالتالي لن يكون أمام الفتاه سوى الدفاع عن نفسها في مكان يفترض به أنه غير أخلاقي، غير أن لقمة الخبز تفرض خيارات مرة وغير منصفة في غالب الأحيان. وأخيراً ترتكب الفتاة الجريمة، قبل أن تعاقبها زوجة عشيقها على زناها وسعيها إلى سرقة رجلها بالضرب المبرح.
وهناك مشهد آخر يصور راكب دراجة نارية يواجه ثلاثة قطاع طرق سعوا إلى سرقته. وقام بتصفيتهم بشكل سريع وبدم بارد ومن ثم سار في طريقه وكأنّ شيئًا لم يحدث. وفي نهاية الفيلم يتضح أن ذلك الشخص يقع تحت ضغوط هائلة كونه رب عائلة كبيرة، وتطلب منه الهجرة والغربة في مدن إمبراطورية أحفاد الزعيم ماو تسي تونغ المليئة بالطغاة الذين تلطخت يداه بدمائهم الفاسدة.
quot;تحت رمال بابلquot; وصدام حسين
الفيلم العراقي quot;تحت رمال بابلquot; يروي مشاهد العراق ما بعد عام 1991 أثناء انهزام جيش صدام حسين بعد غزو الكويت وبداية الانتفاضة ضد نظامه والتي شجع عليها الأميركيون قبل أن يتخلوا عن وعودهم بمساندة الثوار وأن يتركوهم وحدهم يواجهون بطش النظام وفتكه بهم. ويروي حكايات أناس حقيقيين عاشوا مأساة ما خلفته الحرب على الكويت واستطاعوا مواصلة حياتهم.
ويحكي قصة إبراهيم الجندي العراقي الذي عاد من الكويت مع انسحاب الجيش العراقي. وبينما يحمل رفيقه في الصحراء آملاً في العودة إلى زوجته وأمه وطفله الذي سيولد بين لحظة وأخرى، يجد سيارة جيش تمر في الصحراء وهنا يهرع تاركًا صديقه لما يظن أنها خلاصه وخلاص زميله من لهيب الصحراء. لكنه يقع في جحيم أكبر عندما يرفض الضباط أن يصدقوا أنه محارب ويتهمونه بالخيانة وبأنه من المتمردين ويزجون به في السجن ليلاقي هو والكثيرون غيره أشد أنواع التعذيب والمهانة.
وفي الفيلم 3 مقابلات حية مع رجال بوجوه ملثمة، وهم ممن نجوا من الإعدام بالرصاص بعد أن تركهم جنود صدام في المقابر الجماعية في بابل معتقدين أنهم لفظوا أنفاسهم. هذه الشخصيات تطل بعيون تنظر إلى الأفق كأنها لا تريد أن تواجه الواقع وبأصوات ترتعش بالشجن والألم كأنها تعيش آلام الماضي واغتصاب إنسانيتهم مرة أخرى عبر البطش والظلم والقمع.
ويمزج الفيلم بين الروائي والوثائقي، ويلمح فيه المخرج إلى تشابه الماضي بالحاضر، عن طريق مشهد نقل المذياع لخبر يردد فيه الرئيس السوري الحالي بشار الأسد كلامًا مشابهًا لحديث صدام حسين عن المتمردين.
بلادي الحلوة.. كردستان العراق
منذ المشهد الأول من فيلم quot;بلادي الحلوة.. بلادي الحادةquot;، يشير المخرج الكردي هينر سليم أنه سيغلف الكآبة بطبقة من الفكاهة حتى في أحلك لحظات العمل الدرامية التي تدور في كردستان في عام 2003 بعد سقوط الرئيس العراقي صدام حسين وإعلان كردستان العراق إقليمًا مستقلاً.
فالمشاهد لا يملك إلا أن يضحك على الرغم من أن الفيلم يفتتح على مشهد إعدام سارق شنقاً، فالمخرج يرسم بصورة كاريكاتورية الافتقار إلى الإمكانيات وإلى الرؤية والمرونة السياسية بعد عقود من سلطة بغداد المركزية.
ويحكي الفيلم قصة باران الذي يرفض العمل المكتبي والأسلوب الذي تدار به الأمور فيطلب العودة إلى دياره لكنه سرعان ما يعود طالبًا العودة إلى العمل الميداني هربًا من محاولات أمه لتزويجه فيتم تعيينه قائداً للشرطة في بلدة صغيرة نائية على الحدود مع تركيا. وفي الطريق يلتقي quot;بغوفندquot;، المدرسة الجميلة ذات الثلاثين عامًا التي ترفض الزواج من شخص لا تريده وتعود إلى عملها كالمدرّسة الوحيدة في القرية بمباركة والدها ومتحدية شقيقها العنيف الذي يقود نحو عشرة أشقاء ذكور آخرين.
يواجه كل من باران وغوفند رفض القرية، لأنهم بالكاد يتقبلون امرأة غريبة غير متزوجة لمجرد أن أطفالهم يتعلمون أفضل على أيديها، وباران لأن القائد القبلي عزيز آغا الذي يفرض قبضته على البلدة يتخلص من كل قادة الشرطة الذين يحاولون وقف تهريب المشروبات الكحولية إلى إيران والسلاح إلى العراق عبر الحدود.
وتدور أحداث الفيلم أيضًا حول مجموعة من النساء الأكراد المقاتلات ضد الحكومة التركية واللواتي يحظين بتعاطف غوفند وباران.
السطوح.. والقذافي
يسلط فيلم quot;السطوحquot; الجزائري على واقع اجتماعي يسوده اليأس والإحباط بسبب غياب شروط العيش الكريم وانتشار العنف وتفشي المخدرات، وذلك بعد عشرية سوداء من الإرهاب عاشتها الجزائر وراح ضحيتها عشرات آلاف الجزائريين. وفوق 5 سطوح تقع أحداث الفيلم وخلفيته 5 قصص تروي البؤس الاجتماعي الذي يعيشه هؤلاء الشباب.
السطح الأول يروي حكاية الرجل المقيد السجين في حجرة لا يزيد حجمها على حجم سرير واحد، لا نعرف لماذا تحديدًا؟، ولو أن الموحى به هو أنه شخص من الخطورة بحيث كان لا بد من سجنه هكذا، تعتني به فتاة صغيرة وتطلق سراحه في آخر الفيلم.
والسطح الثاني به حكاية العصابة التي تقوم بتعذيب رجل عبر عملية تغطيس رأسه في دلو ماء هذا في الوقت الذي يقوم فيه من يبدو رئيسها بالاتصال هاتفيًا بمن يرغب غير آبه بآلام الرجل أمامه إلى أن يموت. هنا يكشف الفيلم عن أن القتيل هو شقيق رئيس العصابة الذي رفض الاعتراف بشيء ما.
والسطح الثالث يحكي عن فتاة شابة تحب الموسيقى وتلتقي بشبان لإجراء بروفات على أغنيتها فوق السطح، وعلى السطح المقابل توجد فتاة أخرى تقف مراقبة إلى أن يهجم عليها زوجها أو شقيقها ويضربها. وفي المشهد التالي تلقي بنفسها من فوق السطح.
والسطح الرابع يروي قصة عائلة مؤلفة من أم وابنتها وابنها، وكلاهما مدمن، ويأتي صاحب البيت ليخبرهم باستصداره قراراً من المحكمة بإخلاء الشقة. تهجم عليه الابنة الشابة وتضربه بآلة حادة على رأسه بضراوة وبشكل متواصل إلى أن يموت.
والسطح الخامس يحكي قصة رجل آخر يعيش فوق السطوح ولا يدفع أجراً. وهناك غرفة يستخدمها رجل دين لاستقبال امرأة محجبة ومنتقبة ليخلع عنها ثيابها ويضربها بالعصا لطرد الجن منها.
ويروي الفيلم كذلك لمجموعة من المتدينين المفترض بهم أن يكونوا نموذجًا للمتطرفين يلتقون لسماع الموعظة، وفي الخطبة يشيد الشيخ بالرئيس الليبي السابق معمر القذافي.
حياة ساكنة
تدور أحداث فيلم quot;حياة ساكنةquot; في المنطقة الجبلية التي أقيم فيها سد الوديان الثلاثة على نهر يانجستي، ليكون أحد أكبر السدود في العالم. وقد تطلب بناء السد تدمير الكثير من القرى وترحيل عشرات الآلاف من سكانها وإعادة توطينهم في مناطق جديدة. وعلى الرغم من المزايا الاقتصادية الكبيرة للطاقة الكهربائية التي تولدها مياه السد وما أسفرت عنه من تغذية الصناعة بالكهرباء والحد من أضرار الفيضانات الموسمية للنهر إلا أن المشروع أحدث هزة اجتماعية مريرة لا يزال ضحاياها يعانون منها. وتدور الأحداث حول زوجين فرقتهما ظروف العمل، حيث يعمل الزوج في هدم المنازل وزوجته امرأة من الطبقة المتوسطة. ويقصد الزوجان منطقة مشروع السد في محاولة لتسوية أوضاع حياتهما الزوجية المفككة فتتطابق رغبتهما في الانفصال.
فيللا 69.. والحياة في مصر
في فيلم فيللا 69 لم تخرج المخرجة بكاميرتها من الفيللا المطلة على ترعة متفرعة من النيل إلى الشارع إلا في المشهد الأخير حين تخرج سيارة من الجراج وتنطلق إلى شوارع القاهرة، ومع ذلك لم يتوقف تدفق الحياة في الفيللا طوال الفيلم، حيث استثمرت الكاميرا كل منافذ وطوابق وغرف الفيللا. الفيلم باختصار يروي لسير الحياة في مصر وما يداخلها من أزمات ومحن ومشكلات متعددة ومختلفة.
هذه الطيور تمشي.. وأطفال باكستان
فيلم quot;هذه الطيور تمشيquot; يروي قصصًا واقعية عن مشاكل باكستان الاجتماعية والاقتصادية، ويعرض لأطفال مقهورين يتعذبون في بيوتهم ويفضلون الشوارع على البقاء داخل بيوتهم. وهنا يقابلهم باكستانيون تطوعوا لمساعدتهم، رغم أنهم هم ليسوا أفضل حالاً منهم. ما يبرز وجود تكافل اجتماعي يخفف صعوبة المشهد الاجتماعي في مدينة كراتشي الباكستانية.
التعليقات