قبل اكثر من ثلاثين عاما، تالق اسم الفنان جعفر كاكي، وحفر عميقا في ذاكرة الفن التشكيلي العراقي المعاصر، بيد انه واصل مشواره الابداعي في اوربا وفي اسبانيا تحديدا وعمل في محترف الفنان(خوان ميرو).
ولو اننا حاولنا تصفح سفر هذا الفنان فسنجد بانه شارك في الكثير من المعارض العالمية وحصد الكثير من الجوائز وان لديه مقتنيات متحفية في اهم متاحف العالم، ولابد لنا هنا ان نضيء وبنظرة عامة بعض فصول الرؤية والتطلع لهذا الفنان الذي نفتخر به جميعا، لاسيما ان اسم البلاد مترافق مع نوع عطائه الإبداعي الخلاق.
إن جعفر كاكي رسخ حضوره الفاعل من خلال تفهمه لمغزى الفنون الحداثية ومابعدها بحيث انه استطاع ان يبتكر آلية للعمل الكرافيكي مسوغة بالفهم الاحترافي للتقنيات المختلفة وسبل تحريك الالوان وتضمينها الخطوط وكذلك في خلق وحدة الانسجام الموضوعية بين التراكيب اللونية والخطية وبين الأشكال التي يصنعها أو يقوضها بحسب حاجة الموضوع، فكيف لنا استقراء نصوصه الصورية برؤية محايدة ومواكبة لتفهمه وقريبة من هواجسه ؟
_ من الوهلة الأولى تبدو أعمال جعفر كاكي على درجة عالية من التبسيط وقد توحي بالسمات التجريدية، وخلق أجواء وتوافقات في بنى الألوان على الرغم من وجود تضادات حادة فالقيم الفنية تؤدي حتما للقيم الجمالية الكامنة عندما يكون مظهر اللوحة كاملا من حيث جوانبه اللونية والشكلية، وبذا فإنها ستمنح قدراتنا المتلقية نوعا من التمييز يزداد رهافة كلما شاهدنا المزيد من الأعمال، فمن الممكن أن تأثر هذه الأعمال على بصيرتنا وقد تؤدي بنا الى تحدي القيم الفنية والتقنية التي كنا متمسكين بها من قبل، ونحن بمواجهة هذا الزخم من الأعمال نشعر بان نطاق تعاطفنا يزداد شيئا فشيئا، وعندئذ تكون تجربته نافعة ومتطلعة للمستقبل.

اقرأ أيضا:
معرض تشكيلي مميز لتجربة فريدة للفنان جعفر الكاكي

إن لوحات جعفر كاكي تتسم بادراك ثاقب وخيال خصب، بيد إنها تخضع لنظام صارم جدا حتى وان بدت من الوهلة الأولى بسيطة، انه يشتغل في منطقة الفن ألانتباهي المشبع بالقصدية والصدق والحرية وحين نعجب ببراعة الفنان ونحترم خبراته ذلك لأنه سَهل وظيفة المسار الذي ستتخذه أعيننا في رؤية العمل الفني بأكمله وملكنا حق التفسير الانتقائي للأعمال، وبهذه الحالة فانه حرص لان يضفي على طابع الاعتمال قيما ثقافية حرة منزهة عن الغرض.
لعل استخدام الفنان لأسلوب التجاور والتقابل بين الألوان ومظهرها بشكل عام والخطوط وطبيعة حركتها المستمرة وما تخفي من علامات وإشارات ووحدات صورية، ربما مموهة ولكنها متداخلة في علاقات متبادلة بعضها ببعض، وهكذا يتغير الطابع البصري والتخيلي والانفعالي للتجربة الحية مما يجعلها أكثر عمقا واشد رهافة وتسمح بتوليد أعمال شديدة التنوع، فالألوان والخطوط واستثمار العجائن الكثيفة أو الحفر العميق في الأعمال الكرافيكية وماشابهها من الاستخدامات الفنية والتقنية فانها تسهم في تفعيل الجوانب الحسية كما يمكن عد الألوان والأشكال موضوعات مكرسة بذاتها ولذاتها لأنها تمثل السطح الحسي للعالم، فعندما ندرك لونا فان معناه يكمن في الطريقة التي يبدو عليها وجعفر كاكي سبر أغوار ومتاهات النفس الإنسانية في مختلف تحولاتها وكيفياتها الحسية ولكنه أعاد تنظيمها على وفق منهج تعبيري يقبل الاحتمال والرؤية الجديدة بشكل ديناميكي رصين متفاعل مع المظهر الخارجي للوحة والتحولات الجديدة في العالم.