يحتدم الصراع حول الفن بين الاسلاميين والحداثيين في المغرب، ويتحول الأمر إلى صراع أيديولوجي بين مشروعين مجتمعيين متناقضين يتنازعان كل أوجه الحياة المغربية، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، فيتجلى الصراع في سعة مساحة التعبير الحر أو ضيقها.
الرباط: لا يُختزل الصراع بين الإسلاميين والحداثيين في المغرب في شقه السياسي والإديولوجي، بل يتعداه إلى الحقل الفني، الذي يعتبر الوجه الأكثر شراسة لهذا الصراع، بعد وصول الإسلاميين إلى الحكم ومحاولتهم تمرير دفاتر تحملات متعلقة بالقطب الإعلامي العام، على مقاس يخدم مرجعيتهم. إلى ذلك، تتعارض مواقف الإسلاميين والحداثيين حول الفن ورسالته، فيما يعتبر باحثون في علم الاجتماع الفن مساحة اشتغال إبداعي لا حدود لها، لا ينبغي لجمها بمعايير إسلاموية.
شيطنة الاسلاميين
يعتبر الناقد الفني والسينمائي مصطفى الطالب أن الصراع حول الفن محتدم بين الإسلاميين والعلمانيين، وليس الحداثيين، quot;فمن الإسلاميين من هم حداثيون، وأقصد هنا الإسلاميين المعتدلين الذين انخرطوا في الشأن السياسي والمدني والثقافيquot;. وقال الطالب لـquot;إيلافquot;: quot;هذا الصراع ليس وليد اليوم، إلا أنه في المغرب محصور ببعض فعاليات المجتمع المدني وبعض الأحزاب السياسيةquot;. ولا يخفي الناقد الصور المتعددة لهذا الصراع، موضحًا: quot;على المستوى الإعلامي، المرئي أو المسموع أو المكتوب، هناك اتهامات متبادلة مبطنة حينًا وعلنية أحيانًا، لكن لا بد من الاعتراف بتجاوزات تصل إلى حد شيطنة الإسلاميين وزرع الرعب في قلب المواطن منهم، وكأنهم شر الإنسانية جمعاءquot;. واعتبر الطالب الجانب الفني الحلقة الرئيسية في هذا الصراع، لأن للتيار الحداثي رؤيته للفن والإبداع تختلف تمامًا عن رؤية الإسلاميين، quot;فباسم الحداثة، يدعو العلمانيون إلى حرية الإبداع وتناول المواضيع بكل جرأة ومن دون احترام أي معايير أخلاقية أو دينية أو ثقافية، في حين يركز الإسلاميون على هذا الجانب، معتبرين أن واجب الفنان أن يحترم بيئته الاجتماعية والثقافيةquot;.
استفزاز مجاني
قال طالب أن الاستفزاز المجاني والبعيد عن الحداثة الحقيقية أصبح الطابع الغالب على العديد من الإبداعات الفنية والسينمائية، quot;فالعديد من الأفلام التي ظهرت أخيرًا تشوه صورة الإسلاميين والمتدينين بصفة عامة، وتجعل منهم وحوشًا وإرهابيين من دون تمييز، وتصورهم ضد الفن والإبداع، وضد الجسد باعتباره عورة، وهذا بالطبع لن يقبله عامة المتدينين، فالصورة الموضوعية تغيب عن مثل هذه ألإبداعاتquot;. يعتقد الطالب أن العديد من الصور السلبية والمغالطات ألصقت بالإسلاميين وبعلاقتهم بالفن، مفرقًا بين الإسلاميين الذين يرفضون الفن جملة وتفصيلًا، وعامة الحركات الإسلامية المعتدلة التي تحكم الآن. فهذه الحركات الإسلامية المعتدلة انفتحت على الفن وعلى وسطه، وترى أن الفن ضرورة في حياة الإنسان يهدف إلى تحقيق المتعة والجمال. وختم قائلًا: quot;يرى الاسلاميون الفن رسالة تسعى لنشر قيم الخير والصلاح ولتهذيب ذوق المتلقي، بابتعاده عن الابتذال والإسفاف والعبثيةquot;.
مشروعان متناقضان
من جهة أخرى، قال الباحث سعيد لكحل لـquot;إيلافquot; إن الصراع بين الحداثيين والإسلاميين يحصل حول مشاريع مجتمعية، quot;فإذا كان الحداثيون يسعون لبناء مجتمع منفتح على قيم العصر، مؤمن بالاختلاف والتسامح وحرية الفكر والإبداع بعيدا عن الوصاية والرقابة، فإن الإسلاميين يناهضون هذا المشروع المجتمعي ويعملون على تأسيس مشروع مناقض يقوم على هيمنة رجال الدين على الحياة السياسية والفنية والاقتصادية والإعلامية والأخلاقية والحقوقيةquot;. ويرى الباحث أن الصراع فين الفريقين مفتوح يتخذ كل الأساليب، منها اتخاذه بعدًا قيميًا وفنيًا، تتصدى خلاله التنظيمات الإسلامية للإبداعات الفنية وتحاكمها بمنطق فقهي ضيق، فتحرّم كل إنتاج فني أو أدبي لا تنطبق عليه قواعدها ولا يخضع لمقاييسها، معتبرًا الفنون واجهة اساسية لهذا الصراع. وقال لكحل: quot;الفنون منافذ تتسرب منها قيم لا تخدم مشروعهم المجتمعي، قيم ترقى بالإنسان وتجعله يرفض الوصاية بكل اشكالها، وتدفع المواطن للتفاعل مع الإنتاج الفني والثقافي العالمي كإرث إنساني مشاع لكل البشرquot;.
صراع مستمر
أشار إلى أن معارك الإسلاميين ضد الفن والمهرجانات اتخذت اشكالا متعددة، من فتاوى فقهية، ووقفات احتجاجية، وومنع الدعم المالي عن عدد من الجمعيات، وإقصاء الفنانين عن المشاركة في المهرجانات التي تشرف عليها المجالس المحلية التي يسيرها حزب العدالة والتنمية، لافتًا إلى أن دفاتر التحملات الخاصة بالقطب الإعلامي العمومي شكلت ساحة حقيقة للصراع.وأوضح قائلًا: quot;وضع حزب العدالة والتنمية إستراتيجية أخونة القطب العمومي والتحكم ببرامجه، لكن الحزب خسر المعركة وهو يواصل الصراع من أجل منع تمرير كل أشكال الفنون التي يصنفها ضمن الفن غير النظيفquot;.
نقد غير ثقافي
أما أحمد شراك، الباحث في علم اجتماع الثقافة، فرأى أن الإبداع الفني لا حدود له ولا ينبغي أن نرسم له حدودًا، واصفًا النقد الذي يمارسه حزب العدالة والتنمية للمهرجانات الفنية بانه quot;ليس نقدًا ثقافيًا موضوعيًا بقدر ما يحكمه نزوع أخلاقي، بدعوى أن في هذه المهرجانات تبذيرًا ماليًا، وتخلو من سلوكات أخلاقية رصينةquot;. وأوضح شراك لـ quot;إيلافquot; أن هذه الزاوية الأخلاقية هي التي جعلت المجتمع الثقافي يقف ضد هذه التصريحات، ويمارس بحقها النقد اللاذع.
وفي موازاة الحملات التي يقوم بها الإسلاميون المغربيون ضد المهرجانات الفنية والثقافية وضد بعض المنشورات، يقومون بالترويج للكتاب الإسلامي، خصوصًا الكتاب التراثي أو الإيديو-إسلامي، على مستوى المعرض الدولي الكتاب، الذي ينظم سنويًا في مدينة الدار البيضاء، من خلال مجموعة من الكتب بطريقة مباشرة أو بإيعاز منهم. واعتبر الباحث أن موقع المسؤولية لا ينطلق من استعمال المواقف المتطرفة مثلما هو الحال حين تكون في المعارضة، فهناك حفظ لهذه المواقف، quot;والذكاء السياسي لحزب العدالة والتنمية سيجعله بعيدًا عن إثارة القضايا الخلافية ذات الطابع الإبداعي والطابع الثقافي والفني، لأنها ستجرّ عليه نقدًا واسعًا ولاذعًا، وربما قد تكون سببًا في سقوطهquot;.
التعليقات