الملابس والكتاب ارتبطا تاريخياً من خلال جلد الحيوان الذي حمى به الانسان جسده من هجمة البرد حيناً وللظهور بمظهر لائق حينا آخر. واستخدم ذات الجلد وللرسم والكتابة أيضاً. ومع تطور وسائل الصناعة ظلت تلك العلاقة، وإن ابتعدت، لكنها لم تنته أبداً، فالقماش كان ومازال وسيلة اشهارية تجارياً وسياسياً، إضافة لتطويعه ليكون حامياً للجسد ومجملا له. لكن ظل الأدب يراقب ويزوال لعبة الملابس دون تجريبها ابداعياً خاصة في مجال الشعر.
وفي وقت يهرع فيه عدد كبير من الشعراء نحو الهواتف الذكية والكتاب الالكتروني e-book لترويج الشعر، وهو جهد محمود بالطبع، فاجأنا الشاعر والفنان ناصر مؤنس بفكرة حاذقة غايتها أن يحضر الشعر في كل مكان، بعيداً وقريباً من المهرجانات، التي لم تقدم يوماً زخة عطاء للشعر كفن.
فكرة ناصر مؤنس الجديدة هي امتداد لمشروعه الذي بدأه منذ ثمانينيات القرن الماضي بمزاوجة الشعر مع التشكيل من خلال قصيدة بصرية حاول سواه تقليدها فلم يفلح، لسبب هو إخلاص مؤنس لفنه ولهاث المقلدين لقطف جهود الآخرين بسرعة فائقة. الفكرة الجديدة شبيهة، من حيث الغاية، بالكتاب اليدوي الذي قطع فيه، وبه، ناصر مؤنس مديات واسعة جعلت الكتاب الشعري المشغول يدوياً يحتل مكانة أثيرة وبارزة في خزانة الكتب بسبب حجمه المغاير والجهد التشكيلي المبذول بانجازه.
اليوم يقدم ناصر مؤنس مشروع تي شيرت T- Shirt الذي يجمع بين الانطولوجيا والكرنفال الشعري الدائم.
حيث قام بطباعة مختارات من الشعر العراقي على ( تي شيرتات ) على شكل ( قصائد ndash; جمل قصيرة ndash; اسماء الشعراء ndash; عناوين مجموعات شعرية ndash; اغلفة الكتب الشعرية ndash; صور الشعراء - ...) وتوزع هذه الـ ( تي شيرتات ) ndash; بشكل مجاني ndash; في الشوارع والطرقات والأسواق والمقاهي والحانات والمدارس والجامعات و( الجوامع) أو في معارض الكتاب أو المعارض الدولية ، وكأننا بكرنفال للشعر الجوال .
المشروع جمع فيه ناصر مؤنس نحو ستين شاعراً عراقياً من مختلف الأجيال من أسماء يجمع بينها الاخلاص للشعر كفن. بعض الشعراء أشار لهم بصورهم وأهم قصائدهم والبعض الاخر بعناوين كتبهم الشعرية أو جمل لما تزل في الذاكرة تدل على مبدعيها.
و يمكن تطوير الفكرة من خلال كرنفال سنوي يختار له مؤنس مجموعة جديدة من الشعراء عراقيين أو عرباً او أجانب يرتدي كل شاعر تي شيرته المشغول عليه بعنابة مختصراً لمنجزه الابداعي وله حق طباعة ماشاء من تيشيرتات يمكنه اردتائها في أوقات لاحقة.
يقول ناصر مؤنس عن فكرته هذه quot; لماذا لا يجرب الشعر هذه الطريقة في الحضور وينهض كفعل إشهار، يحضر في كل مكان ويتجول بنبرة جديدة لا علاقة لها بطرائق العرب القدامى في تصريف الشعر، لا خطبة، لا صراخ، لا ردح، أنها دعوة ndash; مجرد دعوة ndash; تحلم أن تذود عن الشعر الذي طاله البلى في الصميم.
الفكرة مجرد نقطة في فضاء التساؤل. تجوال، يريد للشعر أن يحضر في كل مكان. ترحال لا يكلّ، يدعو لتحرير الشعر من زيف المهرجانات والاكاذيب وكل تلك الاستعراضات الثرثارة التي تستخف بالشعر وتساهم في تعميق غربته. وتدفنه تحت خرائب من الصحف والكلمات و الجنازاتquot;.
لطالما عانى الشعراء من خشية وتهرب الناشرين منهم بسبب عزوف القراء للشعر. حتى دور النشر التي تطلق، أحياناً، مشاريع ترويجية للشعر تضع شروطا على الشعر الذي تريد نشره.
ربما كانت لهذه الشروط الرقابية حسنة حين رفضت طباعة كتب شعرية للشاعر ناصر مؤنس عام 1984 بحجة quot;أنه يشوه الحرف العربي الجميلquot;، بسبب اعتماد الشاعر على رسم قصائده، وقتئذ، بخط يده، ضمن مشروع القصيدة البصرية.
فكان ذلك الرفض حافزاً لمؤنس لتأسيس دار نشر مخطوطات المتخصصة بطباعة الكتاب اليدوي، التي أصدرت طبعات يدوية لعدد من الشعراء نالت اعجاب عدد غير قليل من الشعراء والفنانين.
المشروع الجديد تي شيرت هو مواصلة للكتاب اليدوي، إذ يرافق طباعة الشعر على التي شيرتات، كتاب يدويquot;آرت بوكquot;بنفس العنوان T-Shirt كانطولوجيا من اختيار الشاعر تضم ستين شاعراً ضمن نفس جو الفكرة الجديدة.
مثلما تطور الكتاب اليدوي لدى مؤنس قد يطور الشاعر فكرة التي شيرت مستقبلاً بكتابة القصائد أو رسمها تشكيلياً على شكل وشم على جلد الشاعر يخلد به كل شاعر إنجازه على جسده.
يتوجه الشاعر ناصر مؤنس للعراقيين في توضيح فكرته الجديدة quot;عزيزي المواطن العراقي، يمكنك ارتداء هذا الـ ( تي شيرت ) مع سروال من الجنز البسيط، والتجول بكل فخر، في المنطقة الخضراء أو أمام مبنى وزارة الثقافة ، فأنتَ أبن هذا البهاء، هذا الفضاء، وهذا العالم، لا تلوذ بالظل، لا تقف على عتبة المكر، لا تقطن الكذب، منكَ بدأت الكتابة، وعلى صدرك يضيء الشعر العراقيquot;.