لم يستطع ضياء الخزاعي فكاكا من الشعور بان اللون ليس هو سوى القابلية على التلوين، وقد اخذه هذا الشعور الى العمل على معالجة الفراغ بالتنويعات اللونية المتداخلة والمستقلة، وكان لهذه المعالجات النصيب الاكبر في معروضاته الاخيرة، وصار لزاما عليه، على مايبدو، ان يعلن في دليل معرضه الاخيرفي بغداد عن quot;الحان الروح quot;وعن ان لوحاته هي اصغاءات لهذه الالحان، وقد ظهر الاصغاء جليا في ذاكرته العاطفية التصويرية حين كتب في مقدمة الدليل شيئا من الامتنان الذي يكتفي بالمدينة العراقية التي يعنيها بمشاعره، الا وهي مأوى انسانيته وفنه معا: quot;الديوانيةquot;. كانت ذاكرته نوعا من تحفيز الطفولة من خلال نضوج التصوير، ولكن هل هذا هو كل مافي الامر؟
من المتوقع الّا ترقى كلمات الرسام فنيا الى مستوى التصوير، ولكنها صادقة حتى لو وضعناها للدلالة على السطح التصويري، واذا كانت هذه الدلالة تعاني من النقص فهي لا تعاني من الضياع فالطفولة والصبا ستجدان الشفافية والتلعثم في لطخات اللون وفي علامة الحركة المتمثلة بعجلات الدراجة الهوائية التي قد لا تكون منتصبة على درب ما بل هي في خضم المشهد اللوني الذي قد ينفرج من تحتها مثلما تدهمه العتمة. هذه ليست عودة الى مضاعفات الذاكرة الا اذا اعتبرناها تنطلق منها، وهذا الذهاب والاياب هو الحقل الذي سيتنازعه الخيال ومبادئ الواقع كما تشهد عليه المصادفة والصقل الذي يبرهن عليه العمل على قماشة مخدومة هنا وهناك بفراغ الزوايا او بالنوافذ اللونية الموضوعة في الاركان العلوية عادة،فقد حل النجيع ( وهو اللون الفاخر لدم الجوف ) تقريبا مكان الاخضر الفاتح، فالدم المشطوف، يستغرق اجزاءا من اعمال الخزاعي في حين تتداخل عروق السواد في النجيع، ذلك السواد الذي كان الرسام يهرب من تغميق الاخضر لئلا يلطخه سخام الطحالب، واذا لم يعد هذا الرسام مرحا كما عهدنا سطوحه فقد صار العزاء احد مراميه العاطفية.
في اعماله السابقة كنت اعلق على علاقات تصويره بانها اشتقاقية اكثر من كونها تراكمية او بنيوية، والان يشهد التكرار على quot;خطرquot; الرتابة وفخاخها، او ربما، على نهاية مرحلة اللاعب البرئ الذي سيقتص من التهديد المحيق بجذور براءته، لتكون المرايا بديلا على السطح التصويري؛ اقصد: بديلا عن الجذور التي لم تعد تستجيب لمداعبات فرشاة التلوين على لوح فيه من الليونة ما يغري الاستطراد والدلالات الفضفاضة . صحيح ان التكرار علامة شعرية، ولكنها تعود في الفنون غير اللغوية الى وظائف للتنسيق اكثر منها علامات فتصيب مقتلا من الحداثة لانها سرعان ما تنقلب الى محاكاة يعوزها السرد والى قوالب متحايلة حتى ولو تبرّجت الوانها وتوسلت بكل شعاع.
ان رساما مثل ضياء الخزاعي، الاشتقاقي بحداثته، لا يستحق ان تهدده وتستدرجه رتابة العيش مهما كانت مسالمة ومنافقة فتتطفل على تصويره وهي تحاول ان تنزع من تلوينه تلك النتف المكتفية بالتمام والكمال وكانها تهمهم باصباغ اخرى يتوقعها مشاهد معاصر وتترأرأ امام ناظريه وتثير جراة خياله ليلتقي بالجمال