quot;إن مرماي أن أقول في عشر جمل ما يقوله غيري في كتاب، مالا يقوله في كتاب بأكملهquot; (quot;نيتشه)

quot;عندما كان أبي يقدم لي نجمة البحر التي حملها لي هدية من رحلة الغوص، كان يسألني في كل مرة:
هل تعرف من أين جئت لك بهذه الفرس ؟
احتجت أكثر من ستين عاماً لكي أدرك المغزى من السؤال.
لقد كان أبي في الأخطار السحيقة من البحر quot; (quot;شذرة 274quot; قاسم حدّاد)
quot; في الاستحمام لا تدخل جسدك خلال الماء فقط،
لكن دع الماء يتخلل روحك،
وانظر ماذا يحدث لك بعد ذلكquot; (quot;شذرة262quot;قاسم حدّاد)
ثمة تساؤل خرجت به بعد قراءة كتاب الشاعر البحريني قاسم حدّاد quot; سماء عليلة quot; الصادر مؤخراً عن دار مسعى للنشر والتوزيع- البحرين، هل كل جملة مقتضبة أو نص منفصل إلى مجموعة من القطع أو الفقرات نستطيع أن نطلق عليه مسمّى quot;الشذرةquot;؟ !
المهتمين بهذا الفن والمتعمقين به دراسة وقراءة وتذوّقاً يعلمون تماماّ أن quot;فن الشذرةquot; لا يمكن أن يطلق على هذا النحو، إن الشذرة في جوهرها استعارة كبرى تستطيع أن تقول أسراراً لا يمكن للشعر أن يقولها، بل هي ابتكار له موضوعاته ولغته التي يجب أن تكون قادرة على خلق قيم جمالية جديدة .
على المستوى البصري نستطيع أن نقول أن كل ما جاء في كتاب حدّاد ينتمي إلى فن الشذرة، لكن على المستوى البنيوي المرتبط بالوحدة العضوية والموضوعية لا يمكن أن نطلق عليه quot;شذرةquot; لأن أغلب ما جاء في الكتاب جاء خالياً من تأمل ما ورائي صارم وحتى غير صارم حول الحياة وإشكالية الوجود.
لم تحمل جمل ونصوص حدّاد في quot;سماء عليلةquot; إرباكا ودهشة أو مفارقة وسخرية وإيحاءً، وهذه العوامل هي ارتكاز الشذرة .
كتابة هذا النوع من الفن والأدب بالذات هي كتابة إشكالية بامتياز تطرح الأسئلة أكثر مما تقدم أجوبة، تأتي من خلال تأملات الكاتب أو الفيلسوف وتعطي القارئ تأملات فوق تأملات الكاتب فتظل في أغلب الأحيان غير مفهومة أو مقبولة كما قال شليغل لأنها تخاطب المستقبل والأجيال القادمة .
رغم ذلك هناك شذرات حقيقية في quot;سماء عليلةquot; وإن جاءت قليلة نسبياً إذا ما قسناها بعدد الجمل والنصوص التي جاءت في الكتاب ككل، تلك الشذرات أخذت بعداً ميتافيزيقياً ووصفت بشكل دقيق موقف حدّاد من المصير الإنساني والوجود، خاصة وأنها جاءت منفتحة على تأملات وقراءات متعددة .
quot;الطريق ليست ضيقة،
مركبتك أكبر من اللازم quot; quot;شذرة 147quot;
quot;الديمقراطية اهتمام بالأسئلة ،
وليست إقناعا بالأجوبة quot; quot;شذرة144quot;
quot; بالأحزان الصغيرة ينهار نظام اجتماعي برمتهquot; quot;شذرة135quot;
هذه شذرات حقيقية بالفعل لكن أيضاً يشعر القارئ أن صدى صوت quot;سيورانquot; وشذراته موجود داخلها ،، سيوران الذي لم يكن يهدف بحسب تصوّره إلى استنتاج أو تصوّر أو إقناع ما رغم ما تتركه في نفس القارئ من وميض وتأمّل.
سأتّفق مع سعد الياسري وسأطرح تساؤله : quot; لماذا الشذرة ؟quot;
إن كان حدّاد لم ينجح في التعبير بشكل دقيق عن غرابة واقعه ولا معقوليته ولا عن التعبير عن هشاشة الإنسان وانهياره وجودياً وقيمياً ومعرفياً، وإذا كان المعنى الذي عبّر عنه لا يتماشى مع فن الشذرة النابع من الفلسفات اللاعقلانية والتفكيكية التي تؤمن بالتفكيك وانهيار المعنى والمدلول، فلماذا الشّذرة فعلاً ؟؟!!
ما حاجة شاعر كقاسم حدّاد أن يدخل معترك كهذا، إن كان صوته يأتي صدىً لأنسي الحاج مرّة كما في كتابه quot;الغزالة يوم الأحدquot; ومرّة مع سيوران في كتابه هذا .
لا أصلي خلف أحد
رجال الدين خصوصا
فهم لا يصلحون للقيادة نحو مكان
سوى الجحيم quot;شذرة 102quot;
هناك محاولة جادة مع حدّاد أن يتجاوز بنصوصه الجمالية التعبيرية التي اعتادها القارئ منه، وأن يحيلها إلى خواص اجتماعية ونفسية وتأويلية وسياسية وفلسفية، كما أنه يحاول في هذا الكتاب أن يحيل نصه من البنية العقلية إلى اللاعقلية، أراد أن يقول في quot;سماء عليلةquot; كما في quot;الغزالة يوم أحدquot; موقفه إزاء العالم والوجود والآخر على نحو فلسفي ولكن هل هو بحاجة لـ (الشذرة) ليظهر مواقفه ؟
كان عليه أن يفكر ملياً قبل كتابة صوره البلاغية بطريقة الكتابة الشذرية، لأن كتابتها تستوجب استنزافاً للفلسفة والتأمل لذا هي كتابة تحمل شقاءً لا حدود له لأن التقاط صورة بلاغية ووضعها ضمن كتابة شذرية سيكون التقاطاً صعباً ومغايراً في الوقت ذاته .