بغداد: استعاد عرض مسرحي يحمل عنوان (نورية) علاقة الموت بالانسان العراقي من خلال امرأة تعيد ولدها الى رحمها خوفا عليه من الموت.

&شهدت خشبة المسرح الوطني ببغداد على مدى يومين عرضا مسرحيا مونودراميا يحمل عنوان (نورية) تأليف وإخراج الفنان الدكتورة ليلى محمد وتمثيل الفنانة هناء محمد ودراماتورج الدكتور يوسف رشيد وسينوغرافيا عصام جواد والتأليف الموسيقي سليم سالم، والعرض من انتاج الفرقة الوطنية للتمثيل، تتحدث المسرحية عن هموم امرأة عراقية عانت من ويلات الحروب والحصار فتحاول ان تتصدى للموت الذي تشعر به يريد ان يسلب روحها فيكون بينهما حوار طويل تسرد فيه معاناتها الطويلة من الخوف والموت، وقد اجادا الفنانة هناء محمد في تجسيد الشخصية طوال 38 دقيقة بشكل ملفت نالت على اثره اعجاب وتصفيق الجمهور مؤكدة انها ممثلة كبيرة.
يبدأ العرض بنافذة بعيدة مضاءة تطل منها شابة تعزف على الكمان وبعد قليل تختفي ليظهر دخان ووقطعة قماش بيضاء تنزل من الاعلى ثم تظهر امرأة ترتدي السواد بالكامل لتقف على مغتسل للموتى فتقول (دنيا لا خير فيها، انها دخول من باب وخروج من باب اخر، كما كانت تقول جدتي)، وبعد قليل مع صوت هبوب ريح تقول مستغربة (ما الخبر ؟ لا احد يزورني، هل اكتفى الموت منا،هل غادرنا فجأة، هذا المكان الوحيد في العالم الذي لا تكسد بضاعته،في كل يوم يوجد ميت بل في كل دقيقة وثانية)، وسرعان ما تتجه الى الباب لقول (سيدي سيدي.. غير مسموح بدخول الرجال، لكنك لست مثلنا،هل انت مع الـ... ؟ لا..؟ اخرج اخرج، انك لست بشريا مثلنا، انك تستفزني بهذه الزيارة ) ثم يستبد بها الرعب (نعم نعم انا متوفرة انك تحاول ان تخنقني سيدي،عليك ان تكون رحيما بنا نحن البشر، ان تميتنا بطريقة حضارية، ان لا تميتنا بنفس القسوة التي نعيش فيها، لا اعرف كيف، ولطنك لو تخبرنا قبل ان... استغفر الله العظيم، لقد جئت متأخرا، متأخرا جدا،قبل عشرين عاما انتظرتك بلهفة مراهقة) الى ان تقول له (بصراحة انا الان لست مستعدة للموت، لا هذا اليوم ولا هذا الشهر وحتى هذه السنة، واذا جاء موتك الى هنا فلن يجدني لاننا نحن الوحيدون في العالم يجب ان نختار ميتتنا بانفسنا)، ومن هنا تبدأ محاولات المرأة ان لا يقبض ملك الموت روحها وتسرد تفاصيل مرعبة في حياتها وهمومها بعد فقدان زوجها بعد شهرين من الزواج ومعاناتها في توفير لقمة العيش لها ولطفلها (من يشتري مني دمعة طازجة بكسرة خبز، من يشتري دمعة طفل صام قبل فطامه، من يشتري دمعة نقية كماء زمزم)، الى ان تصل اليها فكرة ان الموت يريدها ان يقبض روح ولدها فترفض (خفت على ولدي من نظرة حاسدة ومن سكين شاردة ومن اطلاقة تائهة وخفت عليه من دمار خفت عليه من حصار خفت عليه من سيارة مفخخة خفت عليه من حزام ناسف)، (عشرون عاما توحدنا انا وهو في جسد واحد، هل عرفت يوما امرأة تحمل داخل ضلوعها قلبين خوفا من الفراق ؟)، (ماذا تريد مني ؟ لالالا، ليس ولدي، ولدي لا، اسمع ولدي لا، خذ عيني،خذ صبري، خذ دموعي، ذكرياتي،انتظاري، ولدي لا، ولدي لا، لن تأخذه مني لن ادعك تنتصر علي،لن اعطيك اياه، سألده بنفسي بنفسي بنفسي سألده ولو كان في ولادته موتي) وتسقط المرأة على دكة غسل الموتى ميتة وتسدل الستارة.

د. هارف: ممثلة بدرجة امتياز
فقد ابدى المسرحي والاكاديمي الدكتور حسين علي هارف اعجابه بالعمل واداء البطلة، وقال: عرض نورية بداية هو ينتمي بصدق الى ما يسمى بفن المونودراما على مستوى النص والاخراج، نورية شخصية مونودرامية تنطوي على كل مقومات الشخصية المونودرامية كذلك الحال البنية الدرامية للنص ايضا تنطوي على كل مقومات النص المونودرامي المتمثل بهذه البنية الدائرية حيث تنتهي الشخصية الى ما ابتدأت به في استسلامها وفي لحظة الموت لاننا كنا ازاء لحظة واحدة لحظة احتضار ما قبل الموت التي عاشتها الشخصية المونودرامية التي هي نورية.
&واضاف: على مستوى التمثيل بتقديري ان الفنانة هناء محمد بعودتها الى خشبة المسرح استطاعت ان تثبت انها ممثلة بدرجة امتياز من حيث اللياقة البدنية ومن حيث الاحساس الداخلي لان هناء محمد من نوع الممثل الذي يعول على الاداء الداخلي اكثر من تعويله على تكنيك الاداء الخارجي وهذا شيء يحسب لها لا عليها بطبيعة الحال،هناء محمد استطاعت ان تلعب الدور بكل ما تعنيه وكذلك استطاعت ان تحقق تنويعات ادائية من خلال تجسيدها للشخصيات الاخرى او ما يسمى في النص المونودرامي بالاخر الغائب كتمثيلها لشخصية الام او شخصية الاب او الزوج اوالشخصيات المضادة لها من خلال التنويعات الصوتية والجسمانية.
وتابع: اما على مستوى السينوغرافيا كانت هناك جماليات خاصة في هذه السينوغرافيا المقشفة المقتصدة لكنني كنت اتمنى على الجانب الاخراجي ان يميل الى كسر الرتابة الايقاعية بتنويعات اخراجية سواء مستخرجة من داخل النص او من خلال استحداث مشاهد من البهجة ومن كسر الايقاع الحزين لاسيما وقد طعمت المخرجة بذكاء عرضها بمجموعة من الكورس استخدمت لغة الجسد لغرض احداث التنويعات الاخراجية،وكان يمكن لهذه المجموعة ان تكون اكثر توظيفا اخراجيا للخروج بعرض اكثر تكاملا واكثر نجاحا.

البيضاني: نص بصري جميل
&فيما هنأ الكاتب والروائي عبد الستار البيضاني المخرجة والممثلة على نجاح العرض، وقال: تابعت في وقت مبكر هذا العرض من خلال اهتمام الصديقة الفنانة ليلى محمد ووجدت ان جهود عدة اشهر قدمت لنا نصا بصريا رائعا جدا استطاع ان يلم بهموم الانسان المعاصر والظروف المحيطة به خاصة الانسان العراقي بواسطة ادوات فنية باهرة جدا من حيث السينوغرافيا حيث كان هناك توزيع ممتاز للفضاء المسرحي ووللمسرح فضلا عن ان النص الرائع الذي وجدته عبارة عن قصيدة ممتلئة جدا بالمعاني& والتأويلات التي احيانا تكون هذه الجملة الجميلة تكون مباشرة وتصل مباشرة الى القلب.&واضاف: هناك ايضا الاداء الرائع للفنان الكبيرة هناء محمد التي اعادت الينا روحية الفنان المبدع الذي يستطيع ان يمسك الجمهور بقوة ادائه، وكما تعرف ان المونودراما من الصعوبة ان يمسك بها المتلقي ولكن المخرجة استطاعت ان توظف جميع الادوات المسرحية حتى تمسك بالمتلقي منذ البداية الى النهاية.تهنئة من القلب للفنانة المخرجة ليلى محمد وللفنانة الممثلة هناء محمد.
&

محيبس: النوايا الطيبة لا تكفي
&&&& اما المخرج المسرحي جبار محيبس فكانت له وجهة نظر اخرى، فقال:يقول نيتشه ان خطأ السينما هو السيناريو وخطأ التصوير هو الموضوع وانا جبار محيبس اقول خطأ المسرح هو الحوار.& واضاف: على الرغم من النوايا الطيبة التي تقف وراء هذا العمل المسرحي ولكنه مكرر ورتيب الايقاع واستعادة لعروض مسرحية طالما جلدنا بها المسرح العراقي منذ الثمانينيات الى حد الان، نحن الان لسنا بحاجة الى هذا النوع، فأين الصورة المسرحية واين الايقاع في العرض المسرحي واين التكوينات اين الاحتشادات واين الاسئلة واين القلق واين الفيزياء واين الكيمياء واين التفاعل واين الصدمة واين التغريب؟، لا يوجد كل هذا في هذا العرض، لانه عرض مسرحي مكرر، وعلى الفنانة الكبيرة ليلى محمد ان تعيد النظر تماما في اصرارها على تقديم مسرح المونودراما لانه فن يجلدنا.
وتابع: هناء محمد فنانة كبيرة ولكن خذلها النص،فليس هنالك نص بل هناك ترقيع،هناك كلمات مكررة طالما قالها عشرات الممثلين فلم تستطع ان تتبلور وتتوهج هناء محمد لانه عرض رتيب واستعادي.
&

المخرجة:تأسيس لمسرح نسوي
الى ذلك تحدثت الفنانة ليلى محمد،مؤلفة ومخرجة العمل لـ (ايلاف) عن تجربتها قائلة: ثيمة العمل مرئية وواضحة تماما من خلال اللون والضوء والموسيقى ولكن ما يهمني هو ان نؤسس حركة لمسرح عراقي نسوي تحديدا، هناك قبلنا نساء مبدعات اختطن هذا الطريق وكلما يتقدم الواحد منا خطوة بهذا الاتجاه كلما نزداد رصانة،فنحن لا زلنا في هذا الاتجاه حديثي عهد قياسا الى المسارح العالمية، وبالتأكيد هناك حركات نسوية في الثقافة والرسم والرواية والنقد ولكننا في المسرح نحتاج الى تدعيم وهذا ما اشتغل انا عليه.
واضافت: اذا حسبنا الاعمال المونودرامية التي ككتبها اخرون يكون هذا العمل الخامس او السادس بين كتابة وتمثيل،وكله يتحدث عن هموم امرأة، ومن خلال المرأة نشاهد مجتمعا كاملا، ففي هذا العرض شاهد الجمهور الحرب العراقية الايرانية والشهداء الذي كانوا يأتون الى ابواب الناس ويرعبونهم حينما تنطلق صرخات اهاليهم فيفزع الناس،فنحن عشنا هذا التاريخ من ظلم وقهر وحصار وحروب ولكن بشكل غير مباشر وبشكل اخر من وجهة نظر نسوية، وانا بالنسبة لي هذا اهم شيء اقدمه.
وتابعت حول سؤال لنا حول عدم تمثيلها الشخصية قالت: انا فضلت ان اشاهد لان عندي الكثير من الاشياء لا بد ان اشاهدها،ولو كنت انا الممثلة لما استطعت ان اراها، ثم ان الفنانة القديرة هناء محمد لا تقل براعة عني نهائيا ان لم تكن افضل مني، واعتقد انها اجادت تماما وانهكت على الرغم من انها خلال النهار عملت اربع بروفات وادعو ان يمنحها الله العافية وانا سعيدة جدا بوجود هذا الجمهور.

&