يهمني التواصل مع الفنانين الشباب، واضاءة جوانب من انجازاتهم في مجالات الفنون التشكيلية، ذلك اني ابتغي التاشير على مستوياتهم الفنية المتميزة، وربما ستكون كتابتي عن منجزهم، بمثابة حوافز على التواصل والاستمرار بشكل جدي، لاسيما وان حقبتنا التاريخية، يعتمل فيها ضروب من الاسى والحزن، وحين اعمل على تقديم فنان، او فنانة، انما مشاركة مني لرفد العملية الفنية بنوع جديد من النقد الفني، الذي من شانه مواكبة عجلة التطور، في اليات التنفيذ، وفي الرؤية الفكرية والموقف الفلسفي المصاحب للعملية الابداعية، اسوق هذه المقدمة المختصرة وانا بصدد التطرق لتخطيطات الفنانة العراقية الشابة، ابتهاج الفيلي، هذه الفنانة المثابرة، والحريصة، على مواصلة الرسم يوميا، على الرغم من كثرة الانشغالات بامور العمل الوظيفي والدراسة في ان معا.
لقد تسنت لي فرصة الاطلاع القريب على اغلب رسومات هذه الفنانة في مجالي التخطيط والتلوين، وتاكدت بانها تحث خطاها لامن اجل اظهار مقدرتها الفنية المتقدمة، ولا للتاكيد على مهاراتها وتحديها الفني، وانما من اجل ارضاء ذاتها بما تنجزه، ولعل الفن يمثل نزوعا يسمح بتفريغ الشحنات المكبوتة ويعوض عن الاحتياجات الحياتية، لاسيما الحسية والتفكرية، وتتميز تخطيطات الفنانة ابتهاج، بالقوة من حيث التزامها بقواعد الضبط ومقدرتها على اكساب الخطوط نوعا من العاطفة، والحنين، فكيف يكون ذلك؟
ان خصائص التخطيط بقلم الرصاص تمنح اليد حرية تكفي لضخ اكبر قدر من الشعور، يتاتى ذلك من خلال ديناميكية التعامل مع المتدرجات بحسب قوة او استرخاء اليد، وبهذه الحالة، فان طبيعة التخطيط ستتحدد معالمها من خصائص قوة ضغط قلم الرصاص، ثم ان ممكنات التظليل قد تضفي بريقا والقا على الانوذج المطلوب رسمه، وابتهاج الفيلي، اتقنت لعبة التعامل مع انواع اقلام الرصاص، وجسدت الكثير من المعاني التي تنشد الوصول اليها، حسيا وفكريا.
لقد رسمت العشرات من المواضيع المتواشجة مع طبيعة الحياة العراقية وفي كل احوالها، وبخاصة، ركزت على قضايا المراة العراقية وهي تكابد محنة الوجود، في هذا الزمن الصعب، والمراة عندها هي الرمز الذي يطغى على اغلب لوحاتها ولسنا هنا ممن يشرح الدلالة ويوضح القصد كما في سبل التاويل المتبعة في طرائق النقد الفني او الادبي، بحيث نقول ان المراة رمز للخصب والنماء والتواصل الحضاري وسوى ذلك من الكلام المالوف والمعتاد، بيد اننا هنا نفكر في اضاءة فصول من تجربة هذه الفنانة التي تعد الرسم هو العزاء والسلوى في ان معا، بل وهو يمثل حلا خلاصيا وهو بحث في الجدوى عن الزمان والمكان، اذا الفن عندها يمثل وجودها ومغزى سر بقائها، وغايتها النهائية، وليس ثمة بديل لها للتعبير عن ذاتها اكثر من مزاولة فن الرسم.
اعتقد بان الرسامة ابتهاج، ترسم في كل لحظة، وربما ترسم بعيونها، او انها ترسم بيدها وعلى صفحة الفضاء المتمثل امامها كسطح تصويري، ووهمي، وفي هذه الحالة فانها كقائد الفرقة الموسيقية، حين يؤشر بيديه على صفحة الفضاء الماثل امامه ولكن التاشير في هذه المرة مختلف لانه ينتج نغما محسوب الابعاد ومعروف النتائج، والفنانة ابتهاج تتوه في عوالم الجمال ولكن خلاصها الوحيد انها تمتلك ادوات التعبير عن ذاتها بالتخطيط والالوان، ولكنها لاترسم نغما، بل ترسم معان ممجدة للذات المرهفة والعاشقة للصدق والحرية، وقد تبدو هذه الحرية جريئة للغاية لانها متحدية مرتين، مرة في الاداء الفني والتقني، والثانية في طرائق عرض المواضيع المثيرة بصريا، والمؤثرة حسيا، وحتما ان هذا التحدي سيخلق لها مناصرين وبالوقت نفسه سيؤجج مشاعر المناوئين والمتعاكسين مع وجهة نظرها، وبالمحصلة فانها استطاعت قول كلمتها البليغة والتعبير عن ذاتيتها المتفردة بطريقة مكتنزة بحب الحياة والانسانية.
ان الفنانة ابتهاج الفيلي، تمتلك طاقة مذهلة للتعبير عن حريتها، وتاكيد ثراءها المعرفي والاعلان عن خبراتها المميزة في مجالات الرسم وصناعة الاشكال بطرائق علمية مثيرة للاعجاب، ومن هنا لابد من التاشير على ان الفنانة تتصف برؤية وموقف وشجاعة ومقدرة على المواجهة او الاقناع في الفن او في الموقف الفكري.
&