تطل علينا في الثالث عشر من ايار الحالي الذكرى المائة وثمان لميلاد الكاتبة دافني دو مورييه Daphne du Maurier التي حول المخرج العالمي هتشكوك روايتها القصيرة النوفيلا او بالاحرى قصتها الطويلة ( الطيور ) الى واحد من أشهر افلام القرن العشرين حمل العنوان نفسه.كتبت عددا من القصص القصيرة والروايات والمسرحيات عبر مسيرة حياتها المديدة (رحلت في ابريل 1989 عن 81 عاما ). ومناسبة ميلاد هذه الكاتبة الفذة تجعلنا نستدعي فكرة وجود عائلات مبدعة في عالم التأليف فجدها جورج دو موريه كان فنانا وممثلا، اما ابوها السير جيرالد فكان ممثلا شهيرا في عموم بريطانيا وكانت امها موريل بومون Muriel Beaumont ممثلة مرموقة في حين ان اختها انجيلا دو مورييه كانت كاتبة روائية ايضا اما شقيقتها الصغرى جين فكانت فنانة تشكيلية. هذه المواهب الاتصالية تذكرنا بالشقيقات شارلوت واميلي وآن برونتي اللواتي قدمن للمشهد الروائي الانجليزي وللعالم كل من رواية (جين ايرـ شارلوت ) و(مرتفعات وذرنغ ـ اميلي ) و ( سيدة قصر ويلدفيلد ـ آن). اما اسرة باخ الموسيقية فتضم وعلى مدار مائتي عام حوالي الخمسين موسيقارا معروفا اشهرهم جون سيباستيان باخ 1658ـ1750 والامر نفسه ينطبق على الشاعر الانجليزي روبرت براوننغ 1812ــ1889وزوجته الشاعرة اليزابيث براوننغ والشاعرتيد هيوز وزوجته الشاعرة الذائعة الصيت سلفيا بلاث والامثلة لا تعد ولا تحصى.

دافني وهتشكوك
&في اوائل الاربعينات من القرن الماضي بدأ التعاون الثنائي بين المخرج العالمي هتشكوك ودافني دو مورييه حين اعد للسينما روايتها ( ربيكا ) التي حولت الى فيلم فاز بجائزة الاوسكار لأفضل تصوير عام 1941مثلما اعد اعمالا اخرى من تأليفها : حانة جامايكا، اضافة الى نصين قصصيين هما ( لاتنظر الآن ) و( خندق الرجل الفرنسي )و( الطيور ) الذي حظي بالشهرة الاوسع من بينها.

يقول الناقد باتريك مغارث متحدثا عن ردود افعال دافني حول عملية تحويل نص ( الطيور ) الى فيلم سينمائي من قبل هتشكوك في مقالة قام المترجم العراقي نجاح الجبيلي بترجمتها عام 2007 على صفحات جريدة المدى: " من الواضح أن "دافني دي مورييه" كرهت إعداد "الفريد هيتشكوك" لقصتها "الطيور". كانت عاجزة عن فهم سبب تشويه المخرج الكبير لقصتها. إن الفرق بين القصة والفيلم لافت للنظر على الرغم من أنه يكمن في وصف سلوك الطيور العدواني الذي لا يمكن تفسيره أقل مما في الشخصيات التي تواجهها. في مركز سرد " دو مورييه" هناك عامل حقل يشتغل بدوام جزئي يدعى "نات هوكن" وصراعه في القصة لحماية عائلته من الطيور بوضع ساتر إزاء خط الساحل الوحشي في كورنوول حيث الريح القوية تجتاح التلال المقفرة والحقول والبيوت الريفية المنعزلة. إن الجمع بين المنظر الطبيعي الأجرد والشخصيات الريفية البسيطة يضفي نغمة أساسية مناسبة للحكاية وهذا ما افتقدته نسخة هيتشكوك بإطار الحدث الهادئ في شمال كاليفورنيا وناس المدينة اللطفاء الذين وضعهم أبطالاً للفيلم وهذا ما يفسر كره الكاتبة للفيلم. "
&لقد ظهرت قصة ( الطيور ) ضمن مجموعة دافني القصصية القصيرة ( شجرة التفاح ) اما الفيلم نفسه فقد ظهر عام 1963، و بغض النظر عن مشروعية التذمر الذي يبديه معظم من حولت اعمالهم الادبية الى افلام سينمائية فاننا، هذه المرة لا نتفق مع وجهة نظر الناقد مغارث ذلك لأن المقدرة الاخراجية لهتشكوك استطاعت تثوير سيناريو القصة التي قام السيناريست ايفان هنتر بكتابة السيناريو له على النحو الذي لم يشوه الفكرة المحورية للنص القصصي، مانحا الفيلم لمسات هتشكوك اللاذعة الرشيقة وبصمته الخالدة التي طبعت افلام الرعب التي اخرجها على مدار السنين. ومن حيث الخطاب السردي للقصة نلاحظ ان دافني لا تميل في معظم اعمالها الادبية الى النهايات السعيدة ولا الى النهايات ذات الطابع النموذجي المقولب، وهو ما تحقق في نهاية الفيلم إذ نشاهد بطلة الفيلم ميلاني ( تيبي هيدرين ) هي تتعرض لهجوم شرس لمجموعات من الطيور تتسلل للبيت عبر فتحة سقف مهشمة الى الحد الذي كادت ان تفقد فيه حياتها لولا تدخل (ميتش ــ رود تايلور ) لانقاذها. ومن هنا تتجلى شمولية منظور هتشكوك الفكري اذ جعل من الطيور مخلوقات ذات دلالة مهددة للجنس البشري. غير ان الخيال العلمي قد لا يصيب احيانا فما هو حاصل في ايامنا هذا انقراض مئات من انواع الطيور وغير الطيور لأسباب مناخية او ذات صلة بالسلوك البشري كالصيد الجائر وتدمير الحاضنات البيئية لهذه الكائنات. الا ان ما هو حاصل في الواقع من عدم انطباق في فكرة العمل ينبغي ان لا يقلل من قيمة المشاعر التي رافقتنا في رحلة مشاهدتنا لفيلم غير قابل للنسيان كفيلم (الطيور).
&