&
ترجمة حسّونة المصباحي
&
-1: ذكرى
الريح الشمالية-الشرقيّة تهبّ
من بين كل الرياح هي الأحبّ إلى نفسي
إذ أنها تهب البحارة
روحا حيّة وعبورا طيّبا. أمض الآن وحيّي
“غارون الجميلة"
وحدائق "بوردو"
هناك، حيث على حوافّ المنحدرات الوعرة
يمتدّ الدّرب، والنهر
يسقط للتو من أعلى التيّار، في حين في الأعلى
يكمن زوجان، سنديان وشجرة حور.
أتذكّر ذلك جيّدا، وكيف
تحمي غابة الدّردار
بأوراقها العالية الطاحونة،
بشجرة تين في باحتها.
في أيّام الأعياد تتجوّل في هذا المكان نساء سمراوات
على أرض حريريّة،
في شهر آذار،
عندما يتساوى الليل مع النهار،
ومن الطرقات البطيئة تسافر
مثقلة بأحلام من ذهب، النسمات المُهدّئة.
فليمدّ لي الآن أحد
الكأس المعطّر
المفعم بقليل من الضوء
لكي أستريح. سيكون لطيفا
آن ننام في الظل.
وليس من الصالح أن
نفسد أنفسنا بأفكار قاتلة. لكن الحوار شيء جيد ،
وجيّد أيضا أن نسمع حديثا عن أيام الحب،
وعن وقائع سامية، حدثت.
لكن أينهم الأصدقاء؟ "بيلاّرمين"،
ورفاقه؟ الرجال
يُظْهرون خوفهم، حين يكونون قرب المنبع.
مصدر الثروة
هو البحر. وهم، مثل الرسامين،
يجمعون جمال
الأرض ، ولا يكرهون أبدا
الحرب المجنّحة، ولا أن يسكنوا
وحيدين لأعوام طويلة ،
تحت السّارية من دون ورق، هناك حيث في أيام أعياد
المدن لا تلمع خلَلَ الليل،
لا الآلات الموسيقية ، ولا رقصات البلد.
لكن الآن ذهب هؤلاء الرجال
إلى الهند،
من القمّة المفتوحة للرياح،
خلّل الحواف الدقيقة المغطاة بالعنب ، وحتى
انحدار "الداردون"
ومتوحدة مع "غارون" المتوهجة، فسيحة كما البحر، تمضي المياه.
إلاّ أن البحر يمنح الذاكرة ويسحبها،
والحب أيضا يبحث بحرارة عن نظرتنا،
لكن ما يتبقى يؤسّسه الشعراء.
2: التّيه
أيتها "السواب"* السعيدة ، يا أمي،
أنت أيضا، والمضيئة أكثر"لومبارديا"**، على المنحدر الآخر،
بألف جدول مُسْقاة!
لا تنقصك الأشجار المزهرة المحمرّة،
ولا تلك الداكنة أكثر، والمتوحشة، ذوات الأوراق الغامقة الخضرة،
وسلسلة جبال الألب السويسريّة تشرف عليك،
أنت المتوسّطة أيضا، ، إذ أنه قرب مقرّ البيت الأصلي
تمكثين، وتسمعين كيف
داخل كؤوس الفضّة
يغمغم النبع، تصبه
أيد طاهرة، وحين مُلامَسا
بأشعة دافئة
الجليد البلوريّ، يذوب
بفعل النبض الخفيف للنور، والقمة المغطاة بالثلج،
وكلّ هذا يُخْصب الأرض،
بالماء الأشدّ صفاء. لهذا
فيك مولود الحقيقي. من الصعب أن يهمل
ما يمكث قرب الأصل، مَكانَه.
بأبنائك ، والمدن
حول البحيرة المتلألئة،
قرب قصب"نيكار" و"الرين"،
كلّ هذا يُبَلّغني أنه
لا مكان للعيش أفضل منك.
أمّا أنا،فإلى القوقاز سأمضي!
فقط هذا اليوم سمعت في الهواء:
الشعراء أحرار مثل طيور الخطاف.
والحال، منذ أيّام
شبابي أسرّ لي
أنه في الزمن الغابر
غادر أجدادنا الألمان
من دون صخب، أمواج"الدانوب"،
في يوم من أيام الصيف، وبينما كان هؤلاء
يبحثون عن الظلّ، التقوا
على ضفاف البحر الأسود
أبناء الشمس: وليس بلا معنى سُمي هذا البحر: المضياف.
وعندما في البداية ، تبادلوا النظرات،
الآخرون اقتربوا أولا ، ثم جلسوا،
مفعمين بالفضول، أجدادنا أيضا جلسوا تحت شجرة الزيتون.
وحين لامست ثيابهم بعضها البعض
ولا أحد يفهم لغة الآخر ،
اندلعت ربما معركة، ومن الأغصان
نزلت تلك النضارة التي غالبا ما تنشر على شفاه
الرجال المحبين للخصام. وعلى مدى وقت قصير
نظروا إلى الأعلى في صمت،
ثمّ تصافحوا بمودّة. بعدئذ
تبادلوا الأسلحة
وكلّ ثروات البيت الأصلي،
وتبادلوا الكلمات أيضا وليس من دون جدوى
أن يتمنى الآباء الذين تربطهم روابط الصداقة
أقل شيء للأبناء
في حفلات الأعراس الرائعة التي تبعت ذلك.
ومن توحدهم المقدّس
وُلد شعب، من كلّ الذين حملوا الإسم الإنساني،
الأجمل، قبل ومنذ ذلك الحين. أين
تكونون أيها ألآباء الأحباء،
لكي نحتفي من جديد بالميثاق
متذكرين أجدادنا الأعزاء؟
هناك على الضفاف، تحت أشجار
"إيوني"، على سهول "كايستار"،
حيث طيور اللقالق، منتشية بالهواء،
محاطة بالنور المتعاظم للجبال،
كنتم هناك أيضا، يا من أنتم الأبهى! كنتم
تتردّدون على الجزر، المُتَوّجَة بالكروم،
التي ترنّ بالأناشيد. آخرون يمكثون قرب "تايغات" ، قرب ال" هايمات" التي طالما مُجّدت،
مُكثرين الأخيرين، لكن من نبع
“بارناس" وحتى
تيّارات "تموليس" المتلألئة بالذهب كان يرنّ
نشيد أبديّ، بقدر ما كانت الأشجار عندئذ تتهامس
بآلة وتريّة
للتوحّد، تحت مداعبة
لطافة سماويّة.
أوه يا أرض هوميروس!
قرب شجرة الكرز المحمرّة، حين أنت حاضر بنفسك، في الكرم، أنظرُ
إلى الدراقنات التي ما تزال خضراء،
والخطاف يأتي من بعيد، وحاملا أخبار ثريّة
يبني عشّه تحت جدراني، في
أيّام مايو أيضا، تحت النجوم،
أفكّر فيك أنت، "إيوني"! إلاّ أن ما هو قريب
عزيز على قلب الإنسان. لهذا إليك
جئت، أيتها الجزر، لكي أراك، وأنت أيضا، يامصبات الأنهار، يا قصور "تيتيس"،
وأنت، ياغابات ، وأنت يا سحب ال"يدا"!
غير أنني لا أفكر في البقاء. غير ودية، وهل هي صعبة الإقناع
ومتجهّمة، الأم، التي فررت منها.
واحد من أبنائها، "الرين"، حاول أن يرمي بنفسه بعنف في قلبها،
لكنه صُدّ فاختفى، في مكان مجهول، في الأقاصي.
أن أغادرها هكذا، ليست هذه أبدا
أمنيتي، وليس إلاّ لكي أدعوكم ، قمت، يا "نعم الهيلاّد"،
أنتنّ، يا فتيات السماء، بهذه الرحلة، حتى
إذا ما اتّضح أن المسافة ليست مديدة،
تأتينّ إلينا، أيتها الحبيبات!
&
*سواب: منطقة تقع جنوب غربي ألمانيا وعاصمتها مدينة شتوتغارت وفيها ولد هولدرلين
**لومبارديا. منطقة في شمال إيطاليا.
&
التعليقات