بعد معاناة مريرة وقاسية مع المرض ، مات في احد مستشفيات مونتريال بمنفاه الكندي الروائي العراقي محمد شاكر السبع عن عمر 73 عاما بعد مسيرة حافلة بالعطاء وليترك غصة في نفوس الادباء والصحافيين العراقيين وليمنح العيون دموعا ساخنة لانه فراق أليم .
نعى العديد من الادباء العراقيين من داخل العراق وخارجه الروائي العراقي الكبير محمد شاكر السبع الذي رحل عن الدنيا بعد صراع مرير مع مرض سرطان الرئة الذي ارهقته حتى ترك اثار مفزعة في جسده ليموت ويدفن في كندا التي هرب اليها من ضيم العراق .
والراحل السبع من مواليد مدينة العمارة بمحافظة ميسان عام 1943 ، اكمل دراسته هناك قبل ان يتعين موظفا في دائرة الطابو ( التسجيل العقاري ) في مدينة العمارة وكان يكتب في مجلة (الوعي الحر) ،وقبل ان يعمل صحفيا في مجلة الف باء البغدادية وليحقق نجاحا في كتابة التحقيقات الصحفية لاسيما كتاباته عن الاهوار التي سبر غورها ليكون احد افضل كتاب التحقيقات الصحفية في تاريخ الصحافة العراقية، وكان بارعا ايضا في كتابة القصة القصيرة وصدرت له روايته الاولى (النهر والرماد) عام 1973 التي تحولت الى فيلم سينمائي كتب له السيناريو والحوار &زهير الدجيلي و فيصل الياسري الذي عمل على اخراجه ومثله الفنانون &:- اسعد عبد الرزاق ، هناء محمد ، سامي قفطان ، سوسن شكري ، وقائد النعماني .حصل على دبلوم فلسفة من اسبانيا عام 1982 وعمل في المركز الثقافي العراقي في اسبانيا قبل ان يعود الى بغداد ليحط رحاله مطلع التسعينيات في جريدة الجمهورية في موقع معاون مدير التحرير في غرفة صغيرة لكنها كانت حافلة بالاصدقاء والزملاء للمحبة التي كان يكنها للجميع وتعامله الطيب معهم ، لكنه غادر العراق عام 2000 الى عمان ومن ثم الى مغتربه الكندي لتكون نهايته التي لم يكن يريدها .
&&
هكذا ينتهي مبدعو العراق في المنفى&
&فقد رثاه الشاعر عيسى الياسري بعد ان زاره وهو في ساعاته الاخيرة ، وقال مخاطبا اياه: ثلاثة أشهر وأنت تصارع المرض .. وتعانق غيبوبتك ، كانت الحياة هي الأخرى تصارع ضد موتك لأنك كنت ضرورة للحياة ياصديقي الحياة التي تعاني شلل أطرافها وهي تحتاج كلمتك ودعابتك عكازا يسند جسدها عليك أن تستريح الآن .
&واضاف: لقد انتهت الرحلة وكنت شجاعا جدا وباسلا وانت تعيش وحدك وتموت وحدك اعزي نفسي بك .. واعزي العراق الذي احببته ..وكل مبدعي العراق في الداخل وفي المنفى واعزي شخوص رواياتك .. سيما - جلوب - بطل رواية - نذير الططوة - الذي حكم عليه بالسجن أكثر من اربعمائة واربعين سنة .. وهو ينتظر منك أن تكتب شيئا يخفف عنه عقوبته .. انني اسمعه .. وهو يهيب بك الا تتركه سجين زنزانته الى الابد .
&وتابع: محمد شاكر السبع .. لاتخف .. سيكون - محمد شمسي - بانتظارك .. وستتسامران الليلة .. وتتبادلان كل الدعابات التي كنتما تجعلان بها حياتنا اقل شجنا .. ساتركك الآن .. وسابتعد قليلا عن حزني لان ما يهمني في لحظتي هذي هو ان احصل لك على متر من الارض يضم جسدك الذي عاد اكثر هشاشة من جسد طفل .. .. وداعا يامحمد . وداعا ياصديقي .. أنت أيها الجميل في الحياة .. وفي الكتابة .. وحتى في الموت "
واضاف الياسري :التقيته قبل أربع سنوات في مونتريال مصادفة .. جلسنا في المقهى .. بكينا معا .. وفتحنا نوافذ الذاكرة على سعتها .. اهداني روايتين أصدرهما عام 2010 في احدى دور النشر القاهرية رواية - نومي - التي تدور احداثها في محلة - القادرية - والثانية - نذير الططوه - وتدور احداثها في محلة - الصابونجيه - وهما من محلات العمارة المعروفة .. ثم تبادلنا أرقام الهواتف وافترقنا .. لم يستمر تواصلنا هاتفيا الا بضعة أشهر ثم اختفى .. اعتقدت انه انتقل إلى مقاطعة اخرى .
وأوضح: &قبل يومين اخبرتني حفيدتي التي تشرف على صفحة عامة على الفيس هي وبعض الاصدقاء تحمل اسمي .. بانها تلقت رسالة موجهة لي من ابنة اخته في العراق .. وهي تستنجد بي أن ادركه قبل أن يرحل .. وذكرت اسم المستشفى .. اليوم توجهنا أنا وأبنتي د. أروى إلى المستشفى الذي يرقد فيه .. ووقفت عليه مرتجفا باكيا .. وانا أشاهد أمامي هيكلا بشريا تنظر عيناه في الفراغ اللامتناهي .. وفمه ينفتح على سعته محاولا أن يمسك باذيال نسمة من الهواء .. ناديت عليه باسمه .. تحدثت له بصوت عال .. لكنه كان بعيدا عني .. كان يقف هناك .. عند الإنحناءة الأخيرة لقنطرة الحياة .. حيث تنتظره أبديته التي ستكون بالتأكيد أكثر رحمة به من عزلته الباردة التي عاشها .. في نهاية زيارتنا قالت لنا ممرضته .. انه ميت سريريا .. ونتوقع توقف حياته في كل لحظة .. المهم نحن لانجعله يتالم .. فالسرطان يفترس رئتيه بوحشية .قبل أن ننصرف قرأت له ابنتي - سورة يس - .. أما انا فكنت ابكيه .. ومن خلاله كنت ابكي نفسي .. وكل أشقائي مبدعي المنفى . .حيث ينتظرنا ذات المصير .في طريق العودة بعد أن القيت عليه تحية الوداع الاخير .. وفي احدى محطات المترو .. كان هناك عازف ناي يعزف لحنا حزينا .. وضعت في قبعته دولارا .. وطلبت منه أن يعيد لي لحنه الحزين .. من أجل راحة روح صديقي الذي يحتضر .
وختم بالقول : كان هذا هو الروائي والقاص والصحفي - محمد شاكر السبع - الذي عاش منفاه وحيدا .. وسيغادره وحيدا .. دون ان تعرف سفارة العراق عنه شيئا أو قنصليته العامة في مونتريال .. أو حتى الجالية العراقية لأنه لاينتمي لمن يتقاسمون جسد العراق النبيل ..&
&
&روائي مبدع
اما الكاتب والصحافي عبد الرحمن عناد فقال عنه :محمد شاكر السبع ، مبدع عراقي في ميدانين ، الصحافة والأدب ، وقد عرفته لأكثر من عقدين من الزمن ، واحدا من افضل كتاب التحقيقات الصحفية ، له أسلوبه المتميز الذي يقدم الى القارئ أكثر المواضيع جفافا ، بأسلوب ممتع وسلس لا يخلو من سرد قصصي ، وقد أدار مكتب دار الجماهير للصحافة ، في المنطقة الجنوبية لعدة سنوات ، كما عمل في الدار ذاتها عند استقراره في بغداد ، وكنا قريبين من بعضنا كمعاوني مدير التحرير ، وكان حريصا على عمله ، متميزا فيه .
واضاف: وفي الأدب كان روائيا مبدعا ، استحضر مدينته ( العمارة ) في اغلب رواياته ، وله أسلوبه في السرد ، الذي يختار فيه مفردته بعناية ، وحواره الذي لا يخلو من سخرية ، صاحبته في حياته الاجتماعية ، وكان صديقا وقديما لا تمل صحبته ، وما زلت أتذكر جلستنا في نادي اتحاد الأدباء ، في التسعينيات حين دعانا ، المرحوم صلاح العبد وانا الى سهرة لم تخلو من دعاباته ونكاته التي لا تنقطع ، وقد حدثني ذات يوم عن روايات جديدة له أنهى مسوداتها ، وقد طلبت منه قراءتها ، وجاءني في اليوم الثاني بمسودتي روايتين قصيرتين ، تدور أحداثهما في العمارة ، وفي أهواها بالذات ، ودهشت إضافة لأسلوبه المميز ، بكثرة وتعدد أنواع الطيور والنباتات وطبيعة الحياة في الأهوار التي يعرفها وقدمها في روايته ، وتمنيت عليه تقديمها للنشر ، ولا اعرف حتى اليوم ان كان نشرهما أم لا .&
وداعا محمد شاكر السبع ( أبو ندى ) .. نم قرير العين ، وانتظرنا عند الطرف الثاني من قنطرة الحياة ، أبكيك بحرقة ودموع ساخنة ، اعرف أنها لن تجدي ولن تعيدك إلينا ، ولكنها كل ما عندي ، وعند من عرفك وعاش معك ، ففي وطننا الذي أحببنا ، لا يجد المبدع ، في الخارج او الداخل ، غير الحزن والدموع ، وهو يغادر ، وداعا محمد شاكر السبع .. وخذ مكانك المميز في قافلة من رحل من المبدعين العراقيين ، فأنت جدير به ، وداعا .
&
حين ترك طيوره عندي !!
اما الصحافي حسن عبد الحميد فقال عنه : روائي كبير...وكاتب عبقري فذ...ابا ندى.. كنت أسبق من روّج لمقطورتك...الرواية.. العالم الذي كنتَ تحيا...وكتبتَ عنه في العمارة (يوتوبيا) مسقط رأسك....ولو كان غيرك من شغل مساحة مقطورة متروكة...وأحالها الى عالمٍ متقلّب... متفق...ومتناقض.لتقدّمت بها الدراسات تلو المآثر السردية في العالم...عن عبقريّة إستثمار المكان... بهذا الإستثناء الهائل!!!
واضاف: من يتذكر رواية الحقول البيضاء...رواية...أغنية الصياد الصغير...قراتها مخطوطةً...بخط يديه...؟ من يتذكر...رواية المقبرة...والنهر والرماد...التي تحولت الى فيلم من إخرجه فيصل الياسري... غيرها من قصص...وسفر تحقيقات على صفحات جريدة الجمهورية التي أستنارات بفيوضات هذا العبقري المُجدّد...الجميل...المُلعلع... الصاخب...الطيب...المشاكس...الحنون...&
وتابع: اقولها ..علنا-ولاول مرة- أنا من جلب دعوة للسبع لكي يذهب الى عمان...ايام كان الذهاب لها...يحتم عليك دفع400ألف دينار للدولة...لم يكن اخي وصديقي محمد بقادر على دفع عشر معشار هذا الميلغ...عملت له دعوة وهمية مصدقة من سفارتنا في عمان...حينذاك.. عام 2000وظل مترددا...حائرا..،تآكلت الأيام قلبه حسرةً ...رحل السبع ... واودع عندي بعض طيوره التي كان مغرماً بها ومفتوناً...حيث تعيش معه في شقة..تعبانة...في مدخل مدينة الشعب ببغداد..جوقة الطيور تشارك شقة السبع الصغيرة...بجوار شقة التشكيلي الراحل محمد صبري ،من تلك العمارة...رحل محمد شاكر السبع...وبقيت طيوره عندي....في قفص مدخل كراج البيت...يلهو بها ولدي إيهاب بشغف طفولة مترعة بالدهشة والإعجاب ..بعد ان جلبت له غيرها..من ذكور واناث...تزاوجت مع طيور...العبقري السبع .. الذي لو كان في بلد اخر...لنال من الجوائز والتقديرات ما نال وبما يجعله بمصاف واثق..أكيد يباري بنتاجه أكبر الروائيين في عالم السرد... ماذا دهى الدنيا...؟أين انت ابا ندى...الصاخب ...الضاحك...الساخر...طري الروح...الناصع القلب... ماذا دهى الدنيا...السبع يتآكل... وحيداً...هكذا فى أحدى مستشفيات مونتريال؟!!!!
وختم بالقول :تعبت.. والله...الدمع يكويني ... الذكريات يلّظيني... فأسعى أن أسعف أنين روحي... بان اتهجى حروف كلمة...ح....ر....ا.....م... حرام...والله أشعر بحزن خانق..حالماً بنسمة من لمسة هواء..أحتاجها الان...الان اكثر... مما كنتُ قبل ان أقرأ...سطور.. دهور ، حرام... موت مبدعينا بهكذا تغاضٍ وتجافٍ... وإصرار إهمال.. الرحمة.. الواسعة ... والذكر الطيّب ... أبا ندى... لمن بعدك ...لمن سنقول وداعاً ؟!!!
&
مؤلفاته:
1. النهر والرماد، رواية – مطبعة الغري، 1973.
2. المقبرة، رواية – مطبعة الأمة، 1979.
3. ذلك الشتاء البعيد، مجموعة قصص – دار الشؤون الثقافية – بغداد 1986.
4. الحقول البيضاء، رواية – دار الشؤون الثقافية – بغداد 1992.
5. المقطورة، رواية – دار الشؤون الثقافية – بغداد 1995.
6. الثلوج الساخنة، رواية – دار الحرية للطباعة – بغداد 1999.
7. حكايات بلا شتاء، مجموعة قصص – اتحاد الكتاب العرب- دمشق 1999.
8. أغنية الصياد الصغير، رواية – اتحاد الكتاب العرب – دمشق 2001.
9-نومي - &رواية / 2010&
10- نذير الططوه – رواية / 2010&
11- الطريق الى المشنقة / رواية / دار الشؤون الثقافية –بغداد – 2014&
&
روايات للفتيان:&
1. الأبطال الثلاثة، 1985.
2. المهربون، 1985.
3. رحلة البحارة الشجعان، 1985.
4. الأبطال لا يقهرون، 1987.
&
التعليقات