بقلم فتح الله حسيني
 
ضمن سلسلة متتالية من تعقب وتفحص الأحداث السابقة والراهنة في العراق، يؤرشف الكاتب والصحفي الكردي ستران عبد الله مراحل ولت ومراحل نعيشها ومراحل قد نصطدم بها في سنوات مقبلة كقراءة لمجمل أحداث العراق، المميتة، الصدامية، القاتلة، الصاعقة، المرنة، السياسية، الحصار، منعطات حولت العراق من بلد يعيش على هامش الحياة الى بلد يحتضر بين حرب وحرب، وبين أتون معارك وسعير نيران لم تهدأ ربما، الى هذه اللحظة كأن به الكتاب، أي ستران عبد الله يؤكد القول لعل ما بعد الحرب لن يكون سوى سأم مما ياتي في مراحل ما بعد الحرب.
إذاً.. بلد طاعن في الحروب، نحن نعيش فيه وتحت مظلته، وعلى أرضه، ننظر الى نقاط علامه وتقلباته السياسية ونتأمل.. ربما نقول ما زالت الدجينا بخير..
في كتابه الجديد "حديث الجيران" (من منشورات صحيفة "كورستاني نوي وقناة "خاك) يؤرشف أو يوثق الكاتب والصحفي ستران عبد الله رئيس تحرير صحيفة "كوردستاتي نوي اليومية، برؤيته السياسية والصحفية معاً، مراحل كثيرة ومتاخلة أحياناً، ولكن يقف بقوة ورصد أكثر دقة على مرحلتين أساسيتين من سيرة العراق: مرحلة ما قبل اسقاط النظام البعثي الدكتاتوري في العراق، حيث عقد مؤتمرات المعارضة في بلدان المنافي وفي الداخل العراقي، وما أفرزته من مقررات، ورصد سياسات الدول الى احتضنت جل تلك التجمعات السياسية لشخوص المعارضة العراقية الكردية والعربية، وسياسييها وأحزابها، وما اعقبتها من تقاطعات أيضاً، في المراحل اللاحقة، ومن ثم التركيز أيضاً، على المرحلة الثانية، وهي مرحلة ما بعد اسقاط الدكتاتورية وتنفس البلد الصعداء وتنفس هواء الحرية فيما بعد، بعد استنشاق الكيمياء والخردال والسيانيد، وظهور تيارات وأحزاب سياسية ورؤى مختلفة، بعضها وفق أجندات خارجية وبعضها وفق حرص داخلي، لنكون، نحن، حيال واقع معقد، متشعب الأحداث، أحداث متصارعة، ساخنة، مرنة، ومتذبذبة في أفضل أحوالها، وربما ليصل الكاتب الى نظرة متقاربة بان العراق بات على أبواب التقسيم الحتمي لا محالة.
لم تكتف العملية السياسية بصبغ نفسها بالصبغة المذهبية والطائفية في العراق، بل أتكات أيضاً على التنافس المذهبي داخلياً أيضاً، في تقاطع غريب ومريب في الوقت عينه، أي بعد عملية تحرير العراق حصراً، ليؤكد الكاتب عبد الله في فحوى كتاباته ضمن هذا الكتاب على مراهنة وحيدة وهي: إذا استمرت العملية السياسية بهذ الوتيرة غير المنتظمة فسيصبح البلد، أي العراق، عراقاً متشرذماً ضعيفاً غير قادر على النهوض من جديد، بعد كل تلك الكوارث والويلات وتناثر المقابر الجماعية التي سقطت على أرض العراق ورؤوس العراقيين بمختلف مكوناتهم وقومياتهم، وسينقسم العراق على نفسه، لنجد أنفسنا، عنوة، حيال: مواطن جديدة "كردستان، سنستان، شيعستان.
يشخص الكاتب ستران عبد الله وضع اقليم كردستان وحاله، عراقياً أي ما يخص الكرد في العراق الجديد طبعاً، وما أفرزته الوقائع من مؤثرات على الوضع العام للبلد، لنكون إزاء جيل كردي، في اقليم كردستان لا يهتم بالعربية، كلغة، وربما لا يهمه ما يجري في وسط وجنوب العراق، وما وصل اليه البلد من وضع جديد ترتب على صوغه آلاف الضحايا، لأن هذا الجيل بصريح العبارة لم تعد تهمه الجغرافيا، بقدر ما يهمه مستقبله ومع من يستطيع ترتيب بيته وشؤونه الخاصة، كما أن كردستان ظلت مشغولة بنفسها ككيان، دون مواكبة العملية السياسية الجارية في العراق بعمومه، تلك الأحداث العراقية التي أنعكست سلباً على أوضاع البلد ككل.
ما يفصح عنه الكاتب والصحفي ستران عبد الله في كتابه "حديث الجيران" هذا، أنه يتحدث عن العراق كبلد جار، أي التحدث عن جغرافيا جارة، تقع على تخوم كردستان، وليسا "العراق واقليم كردستان" ربما، كترابطين ضمن جغرافيا واحدة، على الأقل دستورياً، وهنا، أصل البحث عن مكامن ما اوصل العراق أو الكرد أيضاً الى ما وصلت اليه الأوضاع من تدهور واهتزاز، شعبان جاران لا شريكان في خارطة سياسية أو جغرافية واحدة.
يعتبر الكاتب ما مر على العراق من مراحل، بأنها فرضت فرضاً، ولكن العراقيون لم يستطيعوا أن يغيروا من سياساتهم، فظلت أعينهم على مواطئ أقدام لا على مواطن تخص الجميع او العراقيين ككل، مواطن قد ينهض بحياة المواطن وتفاصيل يومه، قبل النهوض بالوطن ككيان، والانسان يظل أصل المشكلة وأصل التطور أيضاً، ورغم أن الكاتب ليس كالذين أمضوا عقوداً طويلة في الترقب والبحث والتشخيص، من حيث عمره، الا انه شاهد مخضرم ومشخص حقيقي لمختلف مراحل نشطة في العراق ومراحل متشرذمة يواكبها ويعايشها العراق، دون ارادته.
كتاب "حديث الجيران" كتاب شاهد أو كتاب يؤرشف لعموم المراحل، وما رافقتها من تبعات مريرة وحلوة في الوقت ذاته.