في بحث النساء عن السعادة، تبدو المتعة، وتحديدًا الجنسية، لاعبًا لا مفر من مراعاته. حينها، لا بد من حركة نسوية سياسة تجاهر بأن هدفها الأول السعي وراء السعادة بلا توقف.
إيلاف: يمكن أن يجد المرء السعادة في أي مكان. فالسعادة، بمعنى ما، موجودة في كل مكان: على فايسبوك، على التلفزيون، في الأخبار، الإعلانات... لا تُقدم هبة فحسب، بل تُقدم بوصفها منتوجًا ينتمي إلى سلالة مرحة في تصنيف داروين. يمكن تحويل حتى الواجبات الثقيلة مثل تنظيف المرحاض والحمام إلى نشاط مجزٍ روحيًا، يمنح لحظات من السعادة إذا نُظر إلى عملية التنظيف بطريقة مختلفة.
جائزة كبرى
بحث نسوي عن السعادة |
ربما تكون غنيًا، وربما تكون ناجحًا، لكن ما فائدة المال والنجاح إن لم تكن سعيدًا؟، في الولايات المتحدة، لاحظت الصحافية البريطانية روث ويبمان أن السعادة أصبحت "الجائزة النهائية لمن يتفوق في الإنجاز".
لكنها جائزة نادرًا ما تُمنح، ولعل من أسباب ذلك أن الثقافة الأميركية تحتفي جهارًا بالسعادة، والسعي إلى تحقيق السعادة منصوص عليه في إعلان الاستقلال الأميركي، إلا أن السياسة الاميركية لا تقول شيئًا يُذكر عنها.
فالرؤساء يُقوّمون بحسب أدائهم الاقتصادي والعسكري في قيادة البلد، ويميل خطاب أميركا المدني بعدائه المزمن للاشتراكية إلى النظر بارتياح إلى السعادة التي تتحق بطريقة سلبية، لا السعادة التي تتحقق ثمرة عمل مضنٍ، أو التي تأتي بمساعدة من الدولة، فسعادة الاميركيين تدخل حياتهم بخلطة تثير الاستغراب من الأخلاق البروتستانتية والسحر.
هذا الموضوع تتناوله جيل فيليبوفيتش في كتابها الجديد "النقطة إتش: البحث النسوي عن السعادة "The H-Spot: The Feminist Pursuit of Happiness" (مؤلف من 336 صفحة، منشوران نيشن بوكس، 27 دولارًا) و"أتش" في عنوان الكتاب هو الحرف الأول من كلمة سعادة بالإنكليزية، تستخدمه المؤلفة تيمنًا بالنقطة "جي"أو جي سبوت في المرأة، التي إذا أُثيرت تساعدها على بلوغ ذروة النشوة الجنسية، في تلميح إلى أمر نبحث عنه باستمرار.
تقول فيليبوفيتش: "حين يتعلق الأمر بالمتعة، تمر قوانا السياسية بكل المواقف، من عدم الاكتراث إلى العداء السافر، وهي إما تتجاهل أي اهتمام بالسعادة أو تلغي المتعة على أنها لا أخلاقية أو متعية أو شعور كسول".
استعارة حسية
الاستعارة من "جي سبوت" في عنوان الكتاب إشارة إلى دور الجنس في السعادة، فضلًا عن دور النشوات العاطفية في البحث عن السعادة.
تقول المؤلفة إن "الجنس الممتع" يجب أن يعتبر "حقًا أساس في نظام الرعاية الصحية"، مشيرة إلى أن المرأة الأميركية ليست سعيدة، وإن الكيان المؤهل لتغيير وضعها هو الحكومة التي يجب أن تتولى رسم "سياسة عامة محورها المتعة".
ثمة راديكالية مموهة في رؤية الكاتبة للمتعة المسيَّسة، ذلك أن الرجل - سواء أكان محاميًا أو كاتب عمود في جريدة - يمرر اليوم النظرة السائدة إلى هذه المرحلة من الحركة النسوية الأميركية، عبر السوسيولوجيا (المرأة تعيش في مجتمع يصممه الرجل) إلى البنيوية (انحيازات هذا التصميم ستنعكس حتمًا على الأشخاص المحبوسين داخله)، ثم يحاول إعادة صوغ هذا الاعتقاد السائد بالجملة. تنطوي فكرة فيليبوفيتش التي منطلقها السعادة، على ما هو أكثر من ذلك كثيرًا. فهي تقترح إعادة بناء شاملة للبيت الذي بناه رجال بيض.
تكتب فيليبوفيتش: "تعيش المرأة اليوم في عالم من النسوية الناقصة، ويُقال لنا إننا نتمتع بالمساواة لكننا نرى حقوقنا الأساسية موضع تناهب، ويقال لنا أن نبذل مجهودًا أكبر في العمل أو الاعتراف بأننا لا نستطيع أن نمتلك كل شيء أو نتزوج من الرجل المنشود".
اشتراكية ناعمة
حلها للامساواة هو سياسة تتوجّه بلا خجل نحو تحقيق السعادة خلافًا لتقليد أميركي عمره مئات السنين، سياسة لا تفهم وعدها وغايتها بمفردات الوضع الاقتصادي العام، بل بمفرد المسرات العامة.
وتضيف الكاتبة: "مهمة الحركة النسائية لم تُنجز بعد، لكن ما يمكن أن يذلل أكبر العقبات على الطريق هو حركة نسوية وسياسة تعيدان توجههما بعيدًا عن المساواة البسيطة نحو السعادة والمتعة".
وفيما تأخذ فيليبوفيتش الملذات المتعية في الاعتبار، فإنها تتحدث عن السعادة بالمعنى التربوي – الأكاديمي من منطلق أنها قناعة لا تكون وليدة اللحظة فحسب، بل نتاج صنف أكبر من الشعور بالإنجاز. وهي معنية في المقام الأول بأهداف المرأة وأحلامها ومنحها فرصة للنضال من أجل تحقيق هذه الأهداف والأحلام.
تقول ميغان غاربر في مراجعتها كتاب فيليبوفيتش في مجلة "أتلانتيك" إن ما تقترحه المؤلفة سيكون في الممارسة العملية بمثابة "نوع ناعم جدًا من الإشتراكية". فهي تسوق أدلة مستفيضة على حقيقة أن المرأة، وخصوصًا المرأة الملونة، ما زالت مظلومة في بلد جعل الرجال البيض أصحاب امتياز منذ زمن طويل. وبالتالي، هناك شعور بالحزن يتخلل هذه المرافعة عن السعادة.
التعليقات