اختارت الكاتبة الأمريكية السوداء ليونورا ميانو أن تتحدث عن مواطنتها السوداء الأخرى توني موريسون الحائزة على جائزة نوبل للآداب، والتي رحلت عن الدنيا هذا العام. وفي بداية نصّها الذي حمل عنوان:”توني موريسون،كتابة اللون" ،كتبت ليونورا ميانو تقول:”إن ملازمة كتّاب كبار تعلمنا خصوصا حين نريد أن نكتب بدورنا.وعلينا ألاّ نقلّدهم إلاّ في شيء واحد ألا وهو أن نكون كتّابا كبارا مثلهم. وتوني موريسون كاتبة كبيرة من دون شكّ. وأنا أحبّها ليس كما أحبّ رمزا معبودا، ولكن كصديقة من دون أيّ تقديس، وبوعي حادّ بجوانبها السلبيّة. وأنا أعلم انها يمكن أن تكون أحيانا مهذارة، وربما تكون غنائيّة أكثر من اللزوم، ومعقّدة من دون فائدة. وهي تريد أن تكون كتبها مقدّرة ومحترمة ومأخوذة بعين الاعتبار. ونحن نعلم أنها معتزّة بنفسها ككاتبة حدّ المبالغة أحيانا. غير أن كلّ هذا لا يزعجني...فالأدب حقل كثير الأودية والتشعّبات. وأنا كاتبة مغامرة ولا أخشى كلّ هذا.وفي هذا العالم المتقلب الذي هو عالم الأدب، تمكنت من أن أكتشف كنوزا.وفي روايات توني موريسون هناك وصف بديع للسود الأمريكيين في حياتهم الجسدية والروحية. وهناك شخصيّات نسائيّة تتميّز بقوة مبهرة .وهناك اهتمام كبير بلغة الزنوج الأمريكيين".

وتواصل لينورا ميانو كلامها قائلة:”وفي حين تهتمّ نصوصي بتقديم شخصيّات سوداء للعالم فيها يمكن العثور على شيء منّي فيها،نلاحظ أن توني موريسون هي كاتبة المجموعة التي أنا أنتمي إليها.إنها تكتب عن الزنوج الأمريكيين لكي ينظر الناس اليهم، وهي لا تدعو القراء لكي يكتشفوا شيئا من شخصيّتها انطلاقا من شخصياتها الروائيّة. وهي ترفع الحصار المضروب حول الذين يعتقد الناس أن لون بشراتهم جعلتهم مرئيين، في حين أن العكس هو الذي حدث. إن هدف الكاتبة التي هي توني موريسون ليس جعل اللون متساميا. وعندما تتحدث عن اللون في روايتها"الجنة"، تبدو وكأنها جدّ مقتنعة بضرورة تجاوز مشكلة اللون الى درجة أنها تقدم لنا نصّا صعبا .فكما لو أنها تتصارع مع نفسها لكي تنفي ذلك. وتوني موريسون لا تريد الاقتراب من شيء قام آخرون بملامسته ومعالجته. هي تريد أن تكتب التجربة الغريبة والخاصّة للزنوج".

وعن الكتابة عند توني موريسون،تقول ليونورا ميانو:”إن كتابة اللون تتحاشى الشكوى والتذمر من الألم. وهي تتذكر العذابات القديمة بطريقة لا تجعل الذاكرة مميتة للاحداث والهموم التي عاشها الانسان في ماضيه.إن الألم جزء من الهويّة. وقد أساء الزنوج أحيانا فهم توني موريسون، واتهموها بأنها تقوم بتهشيم صورتهم، وبتشويهها. كما أنهم رأوا في كتابتها شكلا من أشكال الخيانة ذلك أنها لا تفعل شيئا آخر حسب ظنهم غير تصوير الجوانب الأشدّ سوادا وعتمة وسلبيّة في حياتهم. الاّ أن كلّ هذه التهم باطلة. والقيمة الفنيّة العالية للعمل الأدبي هي التي تجعلها كذلك. والحقيقة أن قدرة توني موريسون على مواجهة الشرّ، وتسمية ذلك بأسماء من اختيارها، وتصويره ببراعة فنيّة عالية، وكلّ هذا يؤكّد أن هذه الكاتبة تتمتّع بكفاءة نادرة على السيطرة على المواضيع التي تتناولها في أعمالها.وهذا الجانب هو الذي يجعلني قريبة منها".

وتضيف ليونورا ميانو قائللة:”ليس من العجيب في شيء أن تكتب توني موريسون التي عانت من التفرقة العنصريّة ضدّ التفوّق الأبيض.وعندها الأسود ليس الغياب، والحداد والصمت. إنه لون شكل من اشكال الحياة.تلك الحياة التي تتسم بالمعاناة، وبالعقيدة، وبالانتصارات التي تحقّقت ضدّ المنافس الأبيض. ولا تخشى توني موريسون أن تسدّد ضربات قاسية للقامعين. وفي روايتها"بيلوفد"، هي تسمّي البيض "الناس الذين لا جلود لهم".والحقيقة أن الذي لا لون له، أي الأبيض، هو الذي ينقصه الجلد، والجسد،والواقع. والهدف الأساسيّ من هذه الطريقة التي تنتهجها توني موريسون هي تحطيم السلطة البيضاء، وتقويضها.وأنا أفهم توني موريسون في هذه النقطة ،غير أنني لا أقبل المضيّ معها بعيدا.والتفوّق الأبيض لم ينقرض بعد.وهو يتجسد اليوم من خلال الفكرة التي تقول بأن الاقتداء بالحياة الغربيّة هو طريق الخلاص الوحيد بالنسبة لجميع شعوب ما يسمى بالعالم الثالث".