من البديهيات المهمة والتي لاتحتاج الى نقاش, إن روائع الاعمال المسرحية تشكل ظاهرة هامة من خلال 'المضمون المعاصر', والمكتشف من روح النص والمغزى والهدف واللغة الفلسفية للكاتب المسرحي، على المخرج تفادي التبسيط والابتذال في تفسيره للنصوص العالمية وتجاوز الحداثة الحرفية . الترابط الفكري والمعنوي وعملية الغوص العميق داخل خلية النص, يجعل النص المسرحي والمكتوب قبل قرون عديدة معاصرآ، ولكن بطريقة الخيال المدروس والمنظم, دون تناول الشكل الخارجي فقط وتحطيم وتذمير فكرة المؤلف ورسالته الفنية، وعدم استخدام الكليشهات وتجاوز النص القديم بعيون معاصرة اي الحاضر،عدم استخدام اشياء لاتتجانس مع طبيعة النص وتشكل خطورة في ضياع الفكرة والقيمة الفلسفية ,والتخبط في فوضى الشكل والمضمون ,ويبقى المتلقي تائهآ مابين سراب خطاب النص والفضاء الضبابي، هناك مناطق حمراء وخطرة في النص ,على المخرج ان يمتلك مفاتيح الخيال السحرية, لكي يدق كل الابواب المغلقة للوصول الى جوهر المؤلف. لنأخد على سبيل المثال بعض طرق واساليب تفسير وتحليل مسرحية 'هاملت' للكاتب وليم شكسبير الجريمة والخيانة ودائرة الانتقام , هي المحور الرئيسي عند شكسبير،وان مايحرك هاملت 'هوالشك وشبح الوالد وسلوك الام', هذا اللولب المشدود باحكام , يشكل البناء الدرامي والتصاعدي في تفجير خيوط اللعبة المسرحية, من خلال لعبة هاملت مع قدوم الفرقة المسرحية منذ المشهد الاول ،واي محاولة لخلع هذا اللولب تنهار خطة وفكرة المخرج, هذا لايعني اني لاأحبد التجديد وتحويل النص واظهاره بحلة جديدة ,تتلائم مع روح العصر قلبآ وقالبآ, ولكل مخرج له اسلوبه ومايحمله من انطباعات , قد يقنع المتلقي و يتفق مع رؤياه او يختلف معاه، هناك اسس وقوانين وتحليل مبني على قدرة نظرية وعملية نتيجة تراكم الخبرات, المخرج يوقد شرارة فكر المؤلف ،وجاذبية الابداع يستقبلها المتلقي . فشاعرية تشيخوف وحبه لكل ابطاله, وضحايا شكسبيروحكاية الحياة المبنية على الكذبة عند ابسن،على المخرج المعاصر الارتقاء الى مستوى الكاتب وتجسيد الشر على انه حالة شخصية, كما حالة ودكتاتورية الام في مسرحية 'بيت برناردا البا' عند الاسباني لوركا. والاخراج المعاصر لايعني مطلقآ ان نكون في خصام مع الكاتب ,فالمخرج القادر على تجديد مادته الدرامية , في كل جديدة ولايقع في تكرار نفسه ضمن قوالب جاهزة وصور مكررة .الفكرة الممتعة تجسد على خشبة المسرح بشكل ممتع وتجسيد طبيعة مشاعر الكاتب ونظرته الى العالم، وكل جيل من الجمهور يستوعب الكتاب الكلاسيكيين بطريقته الخاصة، فمسرح 'بريخت' وخصوصية التغريب هوالاساس للمسرح الملحمي, وفهم المخرج لخصوصية علم الجمال البريختي والفهم الشعبي يقرب بريخت الينا, ففي كل مآسي شكسبير وطريقة معالجتها من قبل اي مخرج , هي ظاهرة خروج الاشباح والارواح وشكسبير جعلها مركز احلامه، ونقطة الحلم كما في المعزوفة الموسيقية وتشكل النغمة الرئيسية فيها،على كل مخرج ان يحرك خياله السحري لكي يكتشف لماذا وضع شكسبير شبح بانكو وهو ملفوف بقطعة قماش, اوشبح الملك والد هاملت وكل هذه الارواح التي تظهر هي من اكتشاف شاعر رفيع الشأن مثل شكسبير؟ ليست من اختراع مخرج؛وتبدأ عملية مغازلة كل الارواح في مسرحيات شكسبير من ماكبث،هاملت،يوليوس قيصر،والعاصفة ,وحلم منتصف الصيف, يكون المخرج على وفاق تام مع هذه الارواح وحالة الرعب والخوف ,بسبب مأسي الطمع والجريمة والقتل والجنون والهزيمة ,كما في ماكبث وهاملت, وريتشارد الثالث، فماكبث يتحرك طوال فصول العرض المسرحي كأنه مصاب بتنويم مغناطيسي ولايتحرك الا نادرآ , كأنه يسير في منامه مثلما حصل مع ليدي ماكبث ,هناك اراء نقدية ربما تكون غير صحيحة ',على ان مسرحيات شكسبير لم تكتب للاخراج المسرحي'،وذلك اعتمادآ على بعض المنظرين يقولون 'انها كتبت للمسرح', قد يجوز لبعض المخرجين حذف بعض المقاطع الطويلة لدى هاملت بحجة انها لاتخدم المسرحية،او حذف مشهد لقاء هاملت مع اوفيلياعلى اساس انها تضعف من موقع شخصية هاملت القوية.ونمودج مخرج اخر يرفض الحذف في مسرحيات شكسبير تحث اي تأثير في اطالة وقت العرض, وهذا مايحصل في المسرح السويدي ولاتنتهي المسرحية بوقت قصير،يعتمد المخرج على الطريقة المثلى في الاخراج ,والغاء المناظر المعقدة والاعتماد على سرعة الايقاع لدى الممثل والحالات النفسية, وفورة الجنون لدى عطيل اوهاملت وهلواساته وهذيان ماكبت.اما المخرج الذي يدعي لنفسه مهمة المؤلف وفق تطور مفهوم المسرح الجدبد. ومهمة المخرج المبدع في المسرح اليوم مثل بروك، اريان نوشكين،جيروم سافاري،والسويدي ستيفان فالديمار،لارس نورين،فيليب زاندين, روبرت ويلسون،كاستروف،والسويدية سوزانة اوستن وكل هولاء نجحوا جميعآ في تشكيل فرق مسرحية , وحقق الجميع ماحققه بريخت في مسرح البرلينر أنسامبل،نوشكين ومسرح الشمس، سوزانةأوستن ومسرح اونجة كلارا في مدينة ستوكهولم،وبروك وجروتوفسكي اسسوا مراكز البحث في خصوصية العلاقة مابين الممثل والجمهور، روبرت ويلسون ومسألة العلاج النفسي والمسرح، وجيروم سافاري وحداثة المسرح الكلاسيكي , هولاء المبدعين اصبحوا رموزآ 'كاريزمية'. قبل قرن تم التركيز وتحدبد المخرج ففي نهاية القرن الثامن عشر ونهاية القرن التاسع عشر, حدثت تغيرات حولت مسار واتجاه المسرح الاوروبي من مسرح يلبي حاجة البلاط, الى مسرح يستجيب لرغبات الجماعات الاجتماعية؛؛ فقد وجد وسط هذا المخاض والتنافس مابين الفرق ,وولد المخرج الحديث لكي يتحدى كل المظاهر التقلدية, وابتكار اساليب جديدة تتعلق حول كيفية تعامل المسرح داخل المجتمع, وكان الدور الاكبر للمثل ومدراء الفرق المسرحية , في خلق اساليب الانضباط في البروفات المسرحية والدبكور الازياء, وكانت تجارب بعضالمخرجين لمسرحيات شكسبير مصدر اعجاب الجمهور لتفاصيل الكاتب والدقة التأريخية، ومع مرور الزمن تغيرت صورة الجمهور المعاصر عن شكسبير ,على خلاف الجمهور الاليزابيثي وخاصة في عملية بناء وتقييم حقبة تأريخية مثل مسرحية يوليوس قيصر.وكل التجارب والفرق المسرحية كانت تنتقل من بلد الى بلد اخر في كل اوروبا ,على سبيل المثال تأثير تجارب الالماني ماكس راينهاردت على تطور المسرح السويدي, في بناء المشهدالمسرحي وحركة المجاميع وتغيير اماكن العرض المسرحي، وانتقال الدراماتورج وتكنولوجيا تطبيق المشهد المسرحي، وقد اجبرت فاشية هتلر على نفي بريخت خارج الوطن. رغم كل مساعدات الدولة ماليآ, الا ان المخرج يتمتع بمساحة من الحرية في طريقة التعامل مع المؤلف والممثلين، وقد قالت ارين نوشكين 'المخرج بلغ عصرالذروة',جيروم سافاري يدهش جمهوره من خلال التجديد الذي يدخله علىالمسرحيات الكلاسيكية, يظهرها كانها كتبت من كاتب معاصر يفهم القيم الانسانية, وكل اجيالنا تبحث عن الحلول النفسية والاجتماعية،عند اختيار سافاري الفرنسي وفالديمار السويدي لمسرحيات شكسبير بجعلان من شكسبير أكثر مطواعآ لمشاكل العصر,فالمسرحية الشكسبيرية تختلف عن المسرحية الكلاسيكية ذات الاصول اليونانية, ونظام الوحدات الثلاث الزمان والمكان والموضوع, وطريقة التعامل مع حالات نفسية وليس اشخاص حقيقيين، في المسرح الكلاسيكي القديم يتحكم القدر بمصير ابطالها, عن طريق صراع الذات بسبب قيود الحالات النفسية ,مثال على ذلك مصير اوديب واثارة عاطفتى الخوف والشفقة وعملية' التطهير', والتي اختارها ارسطو في حوادث التراجيديا, والصراع قائم هنا بين الانا وحالة اللاوعي حسب تعبير فرويد. اما التقليد الثقافي مسرح شكسبير يختلف عن المسرح اليوناني وتقاليده, واختلاف الكلاسيكية الفرنسية وتوجهها النفسي، وكذلك الحداثة في مسرح شكسبير نجد بعض المخرجين يدخلون الحالات النفسية وكل تعقيداتها, وموضوع 'شكسبر' واخضاع ابطاله للتحليلات النفسية, شكسبير كاتب كبير منفتح ومعظم مسرحياته مكتوبة بدقة وفيها تفاصيل مهمة ومذهلة،المسرحية عند شكسبير مثل نهر متدفق بامكاننا اقتطاع قسم من مياهه وتحويله باتجاه اخر،اي المقصود هنا ممكن اقتطاع اجزاء من المسرحية .رغم ان اللغة المسرحية والايقاع تمثل عصر اخرلكن الفكرة في مسرحيات شكسبير ممكن جعلها حديثة شكلآ ومضمونآ،ربما يكون شكسبير قد اكتشف التحليل النفسي قبل فرويد، فحالة اللاوعي في تصرفات ابطاله هاملت وحالة الرغبة والملك لير ورفضه للموت, وكذلك الرغبة الجنسية لدى الملوك, وخاصة في مسرحية هاملت على المسرح 'الملكي دراماتن في ستوكهولم' ،وظهور اوفيليا في مشهد استهلالي سكيرة وعارضة أزياء تستعرض جسدها وثيابها في القصر الملكي مع اعلام دانماركية، والرغبة الجنسية الشاذة مابين الملك عم هاملت وامه الملكة, وعلاقة هاملت الجنسية مع اوفيليا عصرية, كأنهم في عصرنا هذا مصابين بأمراض نفسية والفصام ,والملكات مصابات بالهستيريا والشذود الجنسي،والامراء فريسة القلق،شكسبير يبرز كل تعقيدات شخصياته العاطفية والاجتماعية والسياسية، ففي مسرح شكسير ممكن تقديم وتبديل وتأخيرمشهد عن مشهد أخر، المخرج 'فيليب زاندين' حول هاملت الى سيدة وحصل الانجداب مابين الجنسين هاملت واوفيليا على مسرح مدينة ستوكهولم،هناك العديد من التجارب الاخراجية اكتفى المخرج بخرقة قماش بدلآ من المنديل في مسرحية عطيل, اوخنجر هاملت, ففي الكثير من التجارب في المسرح المعاصر عندما يحاول المخرج اشراك الجمهور فياللعبة المسرحية ,بسبب انعزال الانسان في مواجهة مجتمع أكثرتعقيدآ ,مثلما حصل في مسرحية روميو وجوليت تحول الفضاء المسرحي الى سيرك والحبال ومحاولة اشراك الجمهور في اللعبة, ورؤيا اخراجية مثيرة للجدل لمسرحية روميو وجوليت والفرقة من ليتوانيا المخرج قدم الصراع بين اصحاب مطاعم البيتزا الايطالية , والاحدات تجري داخل المطبخ الايطالي ولقاء روميو وجوليت وقصة الحب الرومانسية وهم عراة وسط سكاكين وعدة المطبخ.وهناك فرق مسرحية عديدة في أوروبا تهتم بمسرح الاحتفال والارتجال وخلق روابط جديدة مع الجمهور،وفرق مسرحية مثل 'مسرح المسدس' في السويد في نهاية الستينات, ومسرح الشمس ذات اللون السياسي , على ايقاظ الوعي لدى الجمهور وطريقة تغيير نمط حياتهم ، والمسرح يتحول الى أداة ضد برجوازية المجتمع, وعن طريق البحث والارتجال والتجريب يركزون على حدث من الاحداث،ومسرحية 'حلم منتصف صيف' قدمتها فرقة مينوشكين على بساط حلبة السيرك, وفي ستوكهولم قدمت على شكل مسرح احتفالي وغنائي, وفرقة المانية من برلين قدمت مسرحية 'هاملت' بطريقة مسرح الدمى والعرائس في استوكهولم ,ومسرحية ماكبث عرضت على 'مسرح الشارع الرابع في ستوكهولم' بطريقة مسرح الدمى،والعديد من الفرق لمسرحية تركز في تجاربها على قضايا البطالة والصراعات الاجتماعية, وقضايا عالمية مثل المجاعات والحروب،كانت صرخة أنتونين أرتو فليقذف المسرح الى قلب الحياة'. على المخرج الحداثوي ان يضرب في الارض المجهولة, ولايتقيد فقط باللغة الادبية في النص المسرحي؛المسرح عبارة عن برلمان لتبادل المهارات المسرحية , وتبادل الخبرة الثقافية, كما في منهج وبحث بيتربروك,فعالمية شكسبير لاتوحي لنا فقط على انه انكليزي من خلال لغة وثقافة, فالترجمة تلعب بشكل تقريبي, ان شكسبير ضروري ومفيد من الناحية الثقافية, ممكن تقديم هاملت عربيآ او روسيآ اوماكبث ياباني بطريقة الساموراي ،وتقديم مسرحيات شكسبير وبلغات اخرى سوف تكتسب معاني والوان جديدة, او تقديم مسرحياته مثل مسرحية 'العاصفة' من مجموعة ممثلين من عروق والوان مختلفة, يستفاد المخرج من هذا الكم وتنوع الثقافات داخل المجتمعات الاوروبية,المخرج يحفزه ويستفزه النص المسرحي الغني في محتواه الادبي والشعري والنفسي ,وعناصر الجمال الدفينة في النص الادبي ,وخصوصية بناء اللغة المسرحية, المخرج الواعي والذي يدير مفاتيح اللعبة, ومستوعب نظرية المسرح وتقنياته, يكون قادر على إستنباط تفسير معاصر ومناسب للنص الذي يتناوله، تفسير يتواءم مع كل القضايا الانسانية التي يطرحها, ويخلق طقس مسرحي حواري مع المتلقي. فقضية انتيجون والملك كريون عند سوفوكليس, المخرج المعاصر اختار النص ولكن طريقة تفسيره تكون جديدة ،وهذه قضية انسانية تجسد العلاقة مابين الحاكم والمحكوم, تستند وتقوم عليها اسس الديمقراطية. المسرح عبارة عن 'مرأة المجتمع' فعملية تغيير المجتمع،لم تعد وظيفة المخرج مجرد نقل كلمات مكتوبة على الورق. كثير من المسرحيات كانت في طي النسيان ولكن المخرج المعاصر احياها.

عصمان فارس مخرج وناقد مسرحي السويد