مقال للصحافي الاسباني رودريغو ألونسو بصحيفة ABC
ترجمة: العربي غجو (شاعر ومترجم)

إذا كان لديك انجذاب ما نحو تاريخ الفايكينغ هؤلاء المحاربون الإسكندنافيون الذين توسعوا في جزء كبير من أوروبا ووصلوا حتى بيزنطة نفسها فلتعلم أنه من بين رحلاتهم الكثيرة والطويلة عبر البحار التي تحد بالشواطئ الملتوية للقارة العجوز رحلة عدد منهم نحو شبه الجزيرة الإيبيرية.

حول موضوع مرورهم عبر "جلد الثور"(إسبانيا كما سماها الجغرافي اليوناني إسطرابون لشبه شكلها بجلد الثور- المترجم) توجد لحدود الساعة عدة فراغات بخصوص التأريخ لهذه الفترة مردها انعدام البقايا الأثرية. ومع ذلك فمن الثابت أنهم وطئوا أراضي جليقية وفاسكونيا (بلاد الباسك) والأندلس. أو على الأقل، هذا ما تؤكده السجلات التاريخية للمرحلة.

تقسم الحوليات التاريخية هجمات الفايكينغ إلى أربع مراحل تاريخية:

تبتدئ المرحلة الأولى في العام 844م . فحسب ماريانو غونثاليث كامبو ناشر كتاب "الغزال والسفارة الإسلامية الإسبانية لدى الفايكينغ في القرن التاسع" (منشورات ميراغوانو) فإن العديد من السفن الإسكندنافية وبعد رسوها شمال شبه الجزيرة الأيبيرية بسبب عاصفة ، بدأت - حسب ما تسجله كتابات المرحلة- سلسلة من أعمال النهب التي انتهت بهزيمتهم في جليقيا. بعدها نزلوا بسفنهم عبر الساحل اللوزيتاني (الساحل البرتغالي) وصولا إلى مصب الوادي الكبير حيث اختاروا صعود النهر متوغلين في بلاد الأندلس.
في النهاية وصلوا إشبيلية في شتنبر من نفس السنة فقاموا بنهبها وتدمير مسجدها والقضاء على العديد من سكانها واسترقاق بعضهم. وقد كانت هذه أول وأهم غزوة للفايكينغ بشبه الجزيرة. وكان من تداعياتها إرسال الأمويين وفدا للقاء "الشماليين" ورغم أن وصولهم لأول مرة لإسبانيا الحالية حسب ما تشير له الحوليات لم يكن إلا مسألة حظ، فإن البعض مقتنع تماما بأن "الشماليين" سمعوا عن غنى وعظمة الأندلس. وهو ما يذهب إليه إدواردو موراليس مؤلف أحد فصول كتاب " الفايكينغ بشبه الجزيرة الأيبيرية" من كون "أنهم أثناء غاراتهم لا شك وصلتهم العديد من القصص حول غنى وبهاء الأندلس وروعة بلاط الأمويين بقرطبة ومملكتهم التي - في أروبا القرن التاسع- استطاعت تركيز أقوى مظاهر البذخ والترف.
وكيفما كان الحال، فلم تتأخر جيوش الأمويين في التصدي للفايكينغ. فبعد أكثر من شهر تقريبا على قيامهم بنهب إشبيلية تلقوا هزيمة في معركة "طابلادا". وفي هذا السياق يؤكد المؤرخ و. إ . د ألدن في كتاب "الغزال والسفارة الإسلامية الإسبانية لدى الفايكينغ في القرن التاسع" بأن المسلمين قتلوا قائد الفايكينغ وما يزيد عن ألف رجل من جيشه فضلا عن احتجاز أربعمائة أسير وثلاثين سفينة حرب ومن تبقى منهم أحياء قاموا بغزوات هنا وهناك في في التراب الأندلسي وفي المغرب ثم انقطعت أخبارهم ليظهروا مجددا- في السنة التي تلت - في آكيتين الفرنسية.
ما حصل في ما بعد هو ما رواه موظف الدولة الأموية ابن دحية. حيث يبدو- بحسبه - أن أحد أفراد الفايكينغ قرر الاستسلام لجيش الأميرالقرطبي عبد الرحمن الثاني ( 822 و852م) الذي حمل على محمل الجد هجمات الفايكينغ على سواحله. بل إنه استقبل أحد السفراء المبعوثين من قبل ملك الفايكينغ الذي لاشك وصل إلى شبه الجزيرة الأيبيرية قادما إليها من إيرلاندا.وفيما يخص هوية هذا الملك المفترض أشار المؤرخ "ألين" إلى
احتمال أن يتعلق الأمر باحد زعماء الحرب المسمى ( تورغيز).

قرر الأمير ركوب التحدي وتكليف الديبلوماسي (الغزال) الذي عمل سابقا في بيزنطة بمهمة صعود المحيط الأطلسي بغاية الاتفاق على معاهدة سلام مع الشماليين. انطلق الغزال من (سيلفيس) البرتغالية ومعه رسالة من عبد الرحمن الثاني فضلاعن هدايا للاسكندنافيين. وقد رافقه في هذه الرحلة بعض موظفي الدولة علاوة على الحاشية التي أرسلها ملك الفايكينغ. وقد كانت رحلة طويلة وصعبة تخللتها عاصفة كادت تودي بحياة أفراد البعثة.
لم يكن واضحا ما هي الوجهة التي كانت تقصدها. بعض المؤرخين ذهب إلى أن وجهتها كانت إيرلاندا، وهو الأقرب إلى المنطق ليس فقط لأسباب جغرافية بل لأن الرواية تؤكد بأن البعثة وصلت إلى "جزيرة كبيرة" بعد ثلاثة أيام من الإبحارانطلاقا من (فينيستيري) الاسبانية. لكن البعض الآخر كان يعتقد بأن الوجهة كانت هي (الدانمارك). لكن ما هو مؤكد بحسب ما تم ورد في نص ابن دحية هو"الانطباع الذي خلفه المسلمون عند الشماليين لدى وصولهم". "أمر ملك الفايكينغ أعوانه بإعداد إقامة جيدة لضيوفه وأرسل وفدا لاستقبالهم. وعند وصولهم ازدحم الناس لمشاهدتهم حيث استغربوا أيما استغراب لمظهرهم وطريقتهم في اللباس. بعد ذلك اقتيدوا بحفاوة وتكريم إلى غرفهم حيث قضوا يومهم هناك". المثير في نص ابن دحية هو الإشارة إلى أن الشماليين كانوا يعبدون الإله المسيحي وهو ما لم يكن ممكنا لأن سنة 845 لم تكن قد عرفت بعد تحول الاسكندينافيين إلى العقيدة المسيحية. ولن يحصل ذلك إلا بعد عقود حيث قام الزعيم (غوتروم) بعد هزيمته على يد (ألفريدو الأعظم) في بريطانيا العظمى بالتخلي عن معبد الآلهة الاسكندينافي والتحول إلى المسيحية. وهو ما لم تتوصل الدراسات التاريخية إلى إعطاء جواب شاف بشأنه. "كانوا وثنيين- يتابع ابن دحية – لكنهم الآن يتبعون العقيدة المسيحية. تركوا عبادة النار وتركوا ديانتهم السابقة عدا بعض القاطنين ببعض الجزر المتفرقة الذين ما زالوا محافظين فيها على عقيدتهم القديمة القائمة على عبادة النار والسماح بزواج الإخوة وانحرافات أخرى من هذا النوع ..
ظل مبعوثوا الأمير لمدة يومين يتأملون مضيفيهم بعيون ملؤها الفضول قبل أن يخصهم الملك باستقبال حضره جمهور من الناس. وحين تمت المناداة عليهم يقول ابن دحية للمثول بين يدي الملك شرحوا له بأنه لم يكن من المأذون لهم الركوع أمام أي أحد عدا الملك عبد الرحمن. الشماليون قبلوا الطلب لكن حين كانت البعثة على وشك تخطي عتبة الإقامة التي كان الملك ينتظرهم بها انتبهوا إلى أن الباب كانت من الانخفاظ بحيث لا يمكن عبورها دون الانحناء. إزاء هذه الوضعية قرر الغزال الجلوس ودخول الغرفة مندفعا بواسطة قدميه". ويؤكد المؤرخ (ألين) في مقال له حول صحة هذه القصة قائلا:" محتمل أن يكون الغزال قد اختلق هذه القصة لكي يبرز براعة المسلمين وعبقريتهم في الإعلاء من شان الملك عبد الرحمن الثاني في أرض يعتبرونها بربرية".
وبغض النظر عن هذا الحدث يبدو أن الاجتماع ما بين السفير المسلم والملك مر بشكل طبيعي. بدأوا بقراءة رسالة الأمير وبعدها مروا لتبادل الهدايا. وبدل العودة مباشرة إلى الأندلس قبل الغزال دعوة من الشماليين للإقامة بينهم مدة زمنية. يشير النص أيضا إلى تعرف السفير الغزال على ملكة اسمها (نود) وإقامته علاقة طيبة معها لدرجة أنه أهداها أبياتا من الشعر. (نود) هذه كشفت للغزال حقائق تنجلي من خلالها بوضوح بعض عوائد الفايكينغ وثقافتهم الوثنية. وهو ما عبرت عنه إحدى الفقرات حين تؤكد الملكة: "أنه لا وجود لمشاعر الغيرة بيننا (تقصد الإسكندنافيين). نساؤنا يمكثن مع أزواجهن حين يكون ذلك بمحض إرادتهن. تظل المرأة مع زوجها طالما أنه يروق لها لكن حالما يتوقف ذلك الإعجاب فإنها تتركه. طول الفترة التي قضتها (نود) مع الغزال جعلتها تغرم به لكن انصرام شهرين على مقدم البعثة الأندلسية جعلها تقفل راجعة نحو شبه الجزيرة الأيبيرية.

رابط المقال على الويب 23/11/2018