1959-Pietro Canonica 1869
بقلم علاء جمعة
في محاولة للحاق بركب الحضارة قررت المملكة العراقية الفتية تخليد ملكها بعمل نصب تذكاري له وهي بذلك ارادت ان تحذو حذو الدول المتحضرة بتجميل ساحات عاصمتها تزامنا مع نهضة اجتماعية وثقافية كانت قد بانت في الأفق, فاختارت لهذة المهمة النحات الإيطالي بيترو كانونيكا لإنجاز هذا العمل وكان هذا النحات قد ذاعت شهرته بإنجاز النصب فكانت له اعمال نحتيه في عدد من عواصم العالم ففي لندن كان قد انجز تمثال من الرخام للملك جورج السابع وضع في ساحة قصر باكنغهام وهناك اربع نصب له في تركيا لكمال اتاتورك موزعة بين انقرة وإسطنبول وكذلك له تمثال للقيصر الروسي أليكس الثاني في موسكو واخر للخديوي اسماعيل في مصر ومدن اخرى كثيرة.

وكان الهدف من هذا التمثال هو تخليد دور الملك عندما كان أميراً اثناء قيامة بقيادة الجيش العربي الشمالي على صهوة جواده عابرا الصحراء إبان الثورة العربية الكبرى لطرد الاحتلال العثماني برفقة لورنس العرب وجعفر العسكري…

ومن الجدير بالذكر عندما تم تكليف الفنان الراحل جواد سليم بعمل نصب ١٤ تموز او ما يطلق عليه حاليا نصب الحرية، حيث ابتدء جواد سليم النصب بالحصان العربي فجعله عصيا على السقوط شامخا رافعاً رأسه وهو يصهل الى الاعلى في حركة اختارها النحات ان تكون نصف دائريه لكي تعطي حركة ديناميكية دائمة يشعر بها كل من ينظر لهذا العمل الجبار وفي نفس الوقت تؤكد على سقوط الراكب المتمثلة بالملك عندما سحبت الجماهير تمثال الملك لأسقاطه صبيحة يوم ١٤ تموز وبقاء الرمز المتمثل بالحصان شامخا.…

كان التمثال الذي انجزه بيترو كانونيكا في عام 1930 للملك فيصل يبلغ ارتفاعه 8.2 قدم مصنوع من البرونز، ويذكر الدكتور منذر الدوري ان شقيق الفنان سعد شاكر اخبره بان تمثال الملك فيصل تم صهره في احد دكاكين منطقة الشيخ عمر الصناعية للاستفادة من البرونز الذي فيه بعد ان استكملت الجماهير مشهد سحل التمثال يوم اسقاطه، ولحسن الحظ بعد وفاة هذا النحات قامت زوجته بتخليده من خلال اقامة متحف في روما عام 1961 ضم جميع أعماله ومنها نسخة جبسية لتمثال الملك فيصل مازالت موجودة بالمتحف مع نسخ اخرى من اعمالة التي انجزها .…

في منتصف ثمانينات القرن الماضي حدثت تغيرات كبيرة في العراق في اتجاهات عدة وكانت المصالح السياسية للنظام الحاكم آنذاك توجهات جديدة ومنها تحسن العلاقات الأردنية العراقية اثناء الحرب الإيرانية وبناءا على ذلك تم اعادة الاعتبار للعائلة المالكة من خلال اعادة واتخذت الحكومة عدة خطوات، أهمها ترميم المقبرة الملكية في بغداد الاعظمية واعادة دفن رفاة الملك فيصل الثاني رحمة الله في المقبرة الملكية بناءاً على طلب ملك الاردن ابن عم فيصل الحسين بن طلال ، ومن الجدير بالذكر كان الملك الشاب فيصل الثاني مدفونا في حديقة مستشفى الرشيد العسكري منذ ان نقل اليها جثمانه بعد مصرعه مع أفراد عائلته فجر الانقلاب الذي قادة الزعيم عبد الكريم قاسم عام 1958 حتى منتصف الثمانينات … واستكمالا لهذا المشهد تقدمت الحكومة العراقية في عام 1989 بطلب الى المتحف المذكور لعمل نسخة بديلة من البرونز لتمثال الملك فيصل الاول وإعادته الى مكانه بدل الذي قد دمر في عام 1958 والنسخة مازالت موجودة حاليا في بغداد …